كشف جان بورفوست ، الأكاديمي وأحد أبرز المتخصصين الفرنسيين في فقه اللغة وتاريخ لغة فولتير، ، الدور المحوري والتاريخي الذي لعبته اللغة العربية، في تأكيد انفصال الفرنسية اللاتينية من جهة، ودعم مسار تطورها عبر التاريخ، لتكون ثالث لغة بين أكثر اللغات حضوراً في مفرداتها وكلماتها، بعد الإنكليزية والإيطالية، وقبل اللاتينية القديمة، والغالية، أي اللغة الأصلية للفرنسيين القدامى. وجاء هذا الكشف الإيتيمولوجي الجديد في كتاب للباحث الفرنسي أصدر أخيرا بعنوان “أسلافنا العرب، ما ندين به لهم”. في مؤلفه الجديد الصادر حديثاً عن دار لاتيس للنشر أثبت جان بورفوست المتخصص في فقه اللغة وأصل الفرنسية، حجم وأهمية حضور اللغة العربية القديمة في اللغة الفرنسية أولاً، ثم وبالضرورة في مختلف مناحي الحياة العلمية والفنية والثقافية القديمة في فرنسا منذ العصور الوسطى حتى اليوم. ويؤكد بروفوست بالمناسبة، كما سبق إلى ذلك الكاتب والصحافي الفرنسي صالح قمريش قبل سنوات، أن “اللغة الفرنسية تضم وتحتوي كلمات ومعاني عربية الأصل، بما يعادل مرتين وربما ثلاث مرات أكثر من اللغة الغاليّة القديمة”. وقد اختار الباحث الفرنسي التعامل مع مجموعة منتقاة من الكلمات والمفردات العربية، مع ما تولد عنها من اشتقاقات واستعمالات فرعية واسعة، تُمثل حسب رأيه 400 كلمة أصلية ومحورية في اللغة الفرنسية، استعارتها لغة بلاده من العربية، في فترات تاريخية مختلفة، وحقب متباينة، وظروف مختلفة، مثل الفتوحات والحروب الصليبية، أو التبادل التجاري براً وبحراً، انتهاءً بالهجرة والموسيقى. واعتمد بورفوست في مقاربته لحضور اللغة العربية الظاهر منه والخفي في الفرنسية، على مجموعة من 400 كلمة ومصطلح، مع ما يرافقه من اشتقاقات واستعمالات اصطلاحية ولغوية كثيرة، لإثبات أهمية هذا الحضور ودوره في دعم اللغة الفرنسية وتطورها، وإشعاعها داخلياً وخارجياً. وتتوزع هذه الكلمات حسب الكاتب على مجالات واسعة جداً، وتشمل مسائل كثيرة التنوع والثراء، ما يُعطي فكرة أوضح عن حجم الحضور العربي في اللغة، وعميق تأثيره في هذه اللغة، والتي تتراوح بين “العصائر ووجبة القطن إلى قميص الحرير، ومن الجبر إلى الكيمياء، إلى النقل، ومصطلحات الحرب والحياة العسكرية، مروراً بالحيوانات والنباتات، وصولاً إلى الفنون والعطور والمجوهرات والبيوت والنقل، وغيرها، مصطلحات وكلمات يستعملها الملايين من الفرنسيين يومياً، رغم غفلتهم وجهلهم بأصلها العربي الصريح”. يضيف الباحث “هذا دون نسيان بعض الكلمات التي تسللت حديثاً إلى الفولكلور الفرنسي والتراث الشعبي اللغوي، بالتزامن مع أجيال الهجرة، مثل طوبيب، أي طبيب، أو سراويل، وتبولة، وكباب، وناباب، بمعنى نائب أمير التي تسللت إلى الهندية عن طريق العربية ومنها إلى الفرنسية، وصولا إلى مشربية وغيرها الكثير من الكلمات والمصطلحات، التي قطعت المسافات والأزمان لتجد استعمالها اليومي في اللغة الفرنسية، على غرار أرسنال، أي دار الصناعة”. كثيرة هي المفردات العربية في القاموس الفرنسي. لذا عن طريق 400 مفردة وكلمة من مختلف المجالات والاختصاصات، يُصالح الباحث والكاتب الفرنسي جان بورفوست الفرنسيين مع جزء كبير وواسع من تراثهم اللغوي العربي الثري.