إسكان النواب: الحوار الوطنى خلق حياة سياسية أكثر تنوعًا خلال الفترة الأخيرة    رابط الحصول على نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 بالدرجات فور إعلانها عبر الموقع الرسمي    «المشاط»: تطوير وكالات التصنيف الائتماني جزءًا رئيسيًا من إصلاح الهيكل المالي العالمي    ب40 جنيها.. برلماني: تصريحات الزراعة عن أسعار الطماطم "شو إعلامي"    حزب الله يشن هجمات صاروخية على عدد من مواقع الجيش الإسرائيلي على الحدود    الشباب والرياضة بالجيزة تطلق مبادرة لتزيين أسوار المراكز    جهود صندوق مكافحة الإدمان في العلاج والتوعية×أسبوع (فيديو)    الفرنسيسكان بالمنصورة تستقبل حملة الكشف المبكر عن حالات التعاطي والإدمان بين السائقين    بعد بيان وزارة الصحة.. "زائر مرعب": تفاصيل عَرَض صحي أصاب مواطنين بمحافظة أسوان    حلة محشي السبب.. خروج مصابي حالة التسمم بعد استقرار حالتهم الصحية بالفيوم    وزير التعليم العالي يشهد حفل ختام المؤتمر الأول للاتحاد الرياضي المصري للجامعات    إغلاق مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية بسريلانكا    الهلال الأحمر العراقي يرسل شحنة من المساعدات الطبية والأدوية إلى لبنان جوًا    رئيس الوزراء يتفقد مجمع مصانع شركة "إيفا فارما للصناعات الدوائية"    لتحسين جودة مياه الشرب.. تحديث منظومة الكلور بمحطة أبو الريش في أسوان    محافظ المنوفية يتابع الموقف النهائي لملف تقنين أراضي أملاك الدولة    تعرف على محاور عمل المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان"    مع قرب انتهاء فصل الصيف.. فنادق الغردقة ومرسى علم تستقبل آلاف السياح على متن 100 رحلة طيران    بالصور- محافظ المنيا يتفقد المنطقة الصناعية ويؤكد: مكتبي مفتوح لكل مستثمر جاد    «جنايات الإسكندرية» تقضي بالسجن 5 سنوات لقاتل جاره بسبب «ركنة سيارة»    افتتاح المعرض التشكيلى المصاحب للملتقى الدولى الثامن لفنون ذوى القدرات الخاصة    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج فلكية تدعو للهدوء والسعادة منها الميزان والسرطان    اليوم ...المركز القومي للسينما يقيم نادي سينما مكتبة مصر العامة بالغردقة    هاني فرحات عن أنغام بحفل البحرين: كانت في قمة العطاء الفني    بعد إعلان مشاركته في "الجونة السينمائي".. فيلم "رفعت عيني للسما" ينافس بمهرجان شيكاغو    مكتبة مصر العامة بالدقي تشارك في «بداية جديدة» بفعاليات وأنشطة متنوعة    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    مدبولى: تصدير أدوية بمليار دولار العام الماضي ونتوقع الارتفاع ل1.5 مليار العام الحالي    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 475 من كبار السن وذوي الهمم بمنازلهم في الشرقية    منتدى شباب العالم يشارك في «قمة المستقبل» بنيويورك بعد حصوله على اعتماد خاص لتعزيز دول الشباب في القضايا الدولية    صحة أسوان: الكشف المبدئي للمصابين يظهر أن النزلات المعوية جاءت نتيجة لأمراض موسمية وليس تلوث المياه    ضبط شركة إنتاج فني بدون ترخيص بالجيزة    وزير الصحة يؤكد حرص مصر على التعاون مع الهند في مجال تقنيات إنتاج اللقاحات والأمصال والأدوية والأجهزة الطبية    مبادرة بداية جديدة.. مكتبة مصر العامة بدمياط تطلق "اتعلم اتنور" لمحو الأمية    أم تحضر مع ابنتها بنفس مدرستها بكفر الشيخ بعد تخرجها منها ب21 سنة    استشهاد 5 عاملين بوزارة الصحة الفلسطينية وإصابة آخرين في قطاع غزة    ميدو يوجه رسالة خاصة لجماهير الزمالك قبل مواجهة الأهلي في السوبر الإفريقي    اسكواش - نهائي مصري خالص في منافسات السيدات والرجال ببطولة فرنسا المفتوحة    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    في يوم السلام العالمي| رسالة مهمة من مصر بشأن قطاع غزة    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    شيخ الأزهر يعزي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في وفاة والدته    باندا ونينجا وبالونات.. توزيع حلوى وهدايا على التلاميذ بكفر الشيخ- صور    تحرير 458 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» وسحب 1421 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    يوفنتوس يجهز عرضًا لحسم صفقة هجومية قوية في يناير    هل الشاي يقي من الإصابة بألزهايمر؟.. دراسة توضح    18 عالما بجامعة قناة السويس في قائمة «ستانفورد» لأفضل 2% من علماء العالم (أسماء)    حكاية بطولة استثنائية تجمع بين الأهلي والعين الإماراتي في «إنتركونتيننتال»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    تغييرات بالجملة.. تشكيل الأهلي المتوقع أمام جورماهيا في دوري أبطال إفريقيا    وزير خارجية لبنان: لا يمكن السماح لإسرائيل الاستمرار في الإفلات من العقاب    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كونديرا وذاته الروائية
نشر في نقطة ضوء يوم 26 - 12 - 2011

في العام 1929، وفي مدينة برنو التشيكية ولد الروائي ميلان كونديرا.. عشق الموسيقى منذ صغره ودرسها إذ كان والده عازف بيانو بارز. وفي الجامعة درس علم الجمال وتاريخ الأدب، والتحق بكلية السينما في براغ، وحين منعت السلطات في بلاده كتبه غادر إلى المنفى، واستقر في فرنسا مع زوجه منذ العام 1975.. هناك، بعيداً عن المناخ الخانق للنظام الشمولي كتب رواياته التي منحته الشهرة والمجد، ومنها "الحياة هي في مكان آخر"، وتحكي قصة شاعر من جيل سبعينيات القرن الماضي، تمسخه الإيديولوجيا فيشي بحبيبته للسلطات الأمنية، ويتسبب بسجنها. أما "كتاب الضحك والنسيان" فهي رواية من مقاطع متفرقة ينقل كل منها صورة عن الوضع المأساوي والمضحك في آن، داخل بلده إبان الحكم المستبد.. وفي رواية "خفة الكائن التي لا تحتمل" يقدم لنا أستاذاً جامعياً عالماً يُطرد من وظيفته لأنه غير منتم للحزب الحاكم، ومغضوب عليه من قبل ذلك الحزب، فيضطر للعمل منظفاً لزجاجات النوافذ في البيوت والمكاتب، أو يجبر على ذلك. أما في رواية "الخلود" فيتألق كونديرا من خلال تقنية متميزة كما في رواياته كلها، ولكن بطريقة مختلفة في هذه المرة، حيث يمتزج الواقعي بالخيالي داخل النص الروائي، وتكون الشخصية المتخيلة "آكنس" حقيقية في ما بعد، عندما يلتقيها الروائي كونديرا الذي هو الراوي الأول أيضاً داخل الرواية. ويقيناً فإن في تلكم الروايات ثيمات ومضامين أخرى غير هذه التي ذكرتها بابتسار شديد.
في روايات كونديرا هناك مسحة من السخرية دائماً، وهو يتفق مع اكتافيو باث الشاعر المكسيكي في أن السخرية هي الاختراع العظيم لروح العصر الحديث.وتتجلى نبرة السخرية بأصفى أشكالها في مجموعته القصصية "غراميات مرحة"، وفضلاً عن ذلك فإن كونديرا ينتمي بعمق إلى تقاليد الحياة الغربية "الأوروبية"، ولاسيما إلى الإرث اللبرالي المتحدر من عصر الأنوار، حيث التركيز على الفرد وحريته وهويته.. يقول؛ "ماذا نعني بالفرد؟ أين تكمن هويته؟.. إن الروايات كافة تبحث للإجابة عن هذه التساؤلات". ولكونديرا فلسفته، لا في رؤية الواقع فحسب، وإنما في نظرته للرواية أيضاً. فالرواية كما يفهمها فن مهمته الوجودية هي اكتشاف الواقع، حيث أن الضروري في الرواية هو فقط ما يمكن للرواية أن تقوله، مثلما يؤكد.
بالمقابل ورث كونديرا تقاليد الرواية الأوروبية ولاسيما تلك التي ترسخت في بلاده "التشيك"، وكان كافكا نصب عينيه عندما لخص هذا الأخير المعضلة الإنسانية وجوداً وماهية ومصيراً في بضع روايات خالدة أبرزها "المسخ والقصر والمحاكمة وأمريكا".. وعن عالم كافكا يقول كونديرا: "إذا كنت أتمسك بتراث كافكا بهذه الحماسة، وإن كنت أدافع عنه كأنه تراثي الشخصي فليس لأني أعتقد بفائدة تقليد ما لا يُقلد { وإعادة اكتشاف الكافكوية }، لكن لأنه مثال رائع للاستقلالية الراديكالية للرواية {للشعر الذي هو رواية } سمحت هذه الاستقلالية لفرانز كافكا أن يتحدث عن شرطنا الإنساني { كما ظهر في قرننا } بطريقة لا تستطيع أي فكرة اجتماعية أو سياسية أن تحدثنا بمثلها".
يؤمن كونديرا بالرواية فناً أدبياً تدور حول لغز ال "أنا" ويستشرف آفاق الواقع، ويقول ما لا تقدر أن تقوله الأنواع الأدبية الأخرى.. كذلك يؤمن بنفسه روائياً يقف بقوة على مسافة من التاريخ، ويرصد حركة العالم الذي يبعث على السخرية والأسى، وكما كان د . ه . لورنس الروائي الإنجليزي يرى في الروائي كائناً أرقى من المهندس والطبيب والسياسي والقديس، فإن كونديرا كان يرى في ذاته الروائية شيئاً مميزاً جداً.. يقول:
"قد ثرت ذات يوم حينما خضت في بعض الحوارات الشاذة.
هل أنت شيوعي سيد كونديرا ؟.
لا .. أنا روائي.
هل أنت منشق؟.
لا.. أنا روائي.
أتساند اليمين أم اليسار؟.
لا هذا ولا ذاك.. أنا روائي.".
مكر كونديرا:
يرمي كونديرا إلى إدهاش قارئه، لاجئاً إلى أكثر الطرق والتقنيات مراوغة وإثارة ومكراً في الكتابة الروائية، والتي من خلالها يحصل على كشوفاته اللامتوقعة.
في رواية ( البطء ) يقتفي أثر البطء قيمةً إزاء السرعة، موازناً بين فعلين/ حكايتين/ متناظرين، ومتباعدين يحدثان في زمنين مختلفين، ولكن في المكان عينه. وفي رواية "خفة الكائن التي لا تحتمل" يجل قيمة الخفة في مواجهة قيمة الثقل، واضعاً إيانا في قلب التساؤل عمّا إذا لم تكن سطوة الثقل قدر عيشنا التي يتهددنا، مظهراً لنا، كما يقول إيتالو كالفينو/ الروائي الإيطالي؛ ( كيف أن كل ما نختاره ونمنحه قيمة في الحياة بسبب خفته سرعان ما يكشف عن ثقله الحقيقي الذي لا يطاق ).
أما في رواية "الخلود" فإنه يخرق بمشرط الخيال جلد الواقع البليد ويحوله.
يلاحظ الراوي الذي هو الروائي نفسه "كونديرا" ابتسامة امرأة عجوز في مسبح، وتلويحة يدها الرشيقة، فيستعير الابتسامة تلك مع تلويحة اليد ليخلق شخصية متخيلة هي "آكنس/ المرأة المتزوجة الجميلة" زاعماً أنه ( مثلما خرجت حواء من ضلع آدم، ومثلما ولدت فينوس من رحم الأمواج فإن "آكنس" ولدت من تلويحة تلك المرأة البالغة من العمر ستين عاماً عند المسبح ).
وبوصف الرواية أية رواية عملاً تخيلياً فإن مستويات الخيال تتداخل في هذه الرواية. وإذا قلنا أن مقابلة الراوي/ الروائي للمرأة العجوز في المسبح هي مستوى أول للخيال فإن المستوى الثاني له هو إيجاد آكنس بقوة المخيلة الروائية. ثم حين يلتقي الراوي/ الروائي بآكنس شخصيته المختلقة في النهاية بعدما تتبع سيرتها بوساطة الخيال يكون المستويان قد تفجرا ليمتزجا بمستوى واحد عام يظل ينطوي في حقيقة الأمر على مستويات عديدة يتنقل القارئ الذكي في ما بينها بمتعة عالية.
ولا يختلف الأمر كثيراً في رواية "الهوية" إذ يتمازج الحلم مع الحقيقة حتى لا يكاد القارئ يفرق بينهما.. يغدو الحلم مكملاً لمسار الواقع المعيش. فعلاقة الحب بين "شانتال" و"جان دارك" تصاب بعطب عابر نتيجة الغيرة وسوء الفهم والرتابة فتجيء أحداث تقع في أحلامهما لتصل بهما إلى مصائر كابوسية، وحين يستيقظان يكون العطب ذاك قد وصل حد التلاشي. ومع هذا فإن الفاصلة في هذه الرواية بين الحلم والحقيقة لا تكاد تبين. يتبادل الحالمان المواقع، ويستدعي كل منهما الآخر، ويدخل في حلمه، غير أنهما لا يسردان أحلامهما. بل ثمة راوٍ عليم هو الذي يخبرنا بكل شيء. فهو حاضر أبداً، في الخارج وفي الداخل، في آن واحد. ومع ذلك فإنه لا ينبهنا إلى اللحظة التي فيها نتنقل، أو تتنقل شخصيات الرواية من منطقة الحقيقة إلى منطقة الحلم، أو بالعكس.. وفي الختام نكتشف أن ما جرى لم يكن حقيقة، أو أن جزءاً هاماً منه لم يكن كذلك.
( شانتال!. شانتال!. شانتال!.
كان يضم بين ذراعيه جسدها الذي هزته الصرخة "استيقظي! ليس ذلك صحيحاً!".
كانت ترتعش بين ذراعيه، وقال لها من جديد أيضاً عدة مرات بأن ذلك لم يكن حقيقياً. كانت تكرر بعده: " كلا، ليس هذا صحيحاً ليس هذا صحيحاً، وتهدأ ببطء" ).
وعلى الرغم من هذه الإضاءة الخاطفة فإن كونديرا يمارس معنا اللعبة حتى شوطها الأخير، ويتركنا حيارى.. إنه يعوّل على ذكائنا، ويثق بحدسنا، ويمنحنا فرصة أن نشاركه في إعادة ترتيب بيت روايته من خلال أسئلة متلاحقة ليس من اليسير الإجابة عنها بشكل قاطع.
وأول مرة في الصفحتين الأخيرتين يتدخل بضمير المتكلم "أنا" ، وهذه ال "أنا" لا ندري لمن تعود.. لكونديرا الروائي الماثل على مسافة من روايته، أم للراوي الأول الذي هو كائن داخل نسيج الرواية.. "أنا" التي تتساءل، وهي في الحقيقة توجه لنا السؤال، نحن القراء، لتموه علينا ربما، أو لتزجنا في لعبتها التي ابتكرتها، ولم تعد بمقدورها السيطرة عليها تماماً.. إنها تطلب معونتنا، ومعها تورطنا في حكايتها.. حكايتها التي تتشعب في اتجاهات عديدة. وأنا أتساءل من الذي حلم؟. من حلم بهذه القصة؟. من تخيلها؟ هي؟ أم هو؟ أم كلاهما.. كل واحد عن الآخر؟. وانطلاقاً من أية لحظة تحولت حياتهما الواقعية إلى هذا الخيال الماكر؟. ما البرهة الدقيقة التي تحول فيها الواقع إلى لاواقع.. الحقيقة إلى حلم؟. أين كانت الحدود؟ أين هي الحدود؟.
في روايات كونديرا تغدو ال "أنا" مركزاً، فرواياته معنية بالذات الإنسانية، والكيفية التي بها ترى أعماقها وتتفهم نفسها لكي "تكون.. في العالم". وإذا كانت الرواية كما يعبر عنها كونديرا هي ( صيغة نثر عظيمة يقوم المؤلف عن طريق ذوات تجريبية "شخصيات" باستكشاف بعض ثيمات الوجود الرائعة ) فإن مغامرة هذه الذوات التجريبية في العالم هي ثيمة الثيمات. وما يعني الروائي، ها هنا، هو ملاحقة مسارات المغامرة تلك بمنظور ولغة خاصين، حيث تتجلى قدرة وموهبة وبراعة الروائي واختلافه عن الروائيين الآخرين، ناهيك عن اختلاف الرواية عن بقية الأنواع الأدبية.
وكونديرا، في الغالب، يحاول الوصول إلى ما يريد فهمه أو اكتشافه عن طريق آخر غير الطرق التي ألفناها، واعياً أن على الروائي أن يرسم ( خريطة الوجود باكتشاف هذه الإمكانية الإنسانية أو تلك ). ولأن العملية تنطوي على رؤى وتصاميم مسبقة فإن هدف الروائي هو المضي في الرحلة حتى نهايتها، فهو لا يريد أن يكون في موقع الإله الذي يعرف قبلياً أي شيء وكل شيء، بل أن يكتفي بموقع الفنان الذي يداهم بوساطة اللغة والرؤية المديات اللانهائية من المجهول القابع بتحد أمامه.. يقول كونديرا ( عندما غادر الإله عرشه ببطء من حيث حكم الكون ونظم قوانينه، وفرق بين الخير والشر، ومنح كل شيء معنى، انطلق دون كيشوت من بيته إلى عالم لم يعد قادراً على معرفته. في غياب الحكم الأعلى، بدا العالم فجأة، في غموضه المخيف، وانقسمت الحقيقة المطلقة الواحدة إلى آلاف الحقائق النسبية التي يتقاسمها الناس.. هكذا ولد العصر الحديث، ومعه الرواية، صورة ذلك العالم ونموذجه ).
المصادر:
1 روايات كونديرا ( الحياة هي في مكان آخر، كتاب الضحك والنسيان، خفة الكائن التي لا تحتمل، غراميات مرحة، الخلود، البطء، الهوية ).
2 كتب كونديرا ( فن الرواية ) ترجمة؛ أمل منصور. و ( الطفل المنبوذ ) ترجمة؛ رانية خلاّف.
3 ايتالو كالفينو ( ست وصايا للألفية القادمة ) ترجمة؛ محمد السعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.