استطاع المخرج محمد طاهر في مشروع «راقصات باليه القاهرة» خلْقَ حالةٍ إبداعية تشكّلت من تناغُمِ حركاتِ الراقصات وأزيائِهن مع حارات وشوارع القاهرة التي اختيرت لتكون خلفيةً للّوحات. المشروع تعدّى كونه صوراً وفيديوهاتٍ تعيدُ اكتشاف سحر المحروسة ليحملَ أبعاداً إنسانية وجمالية جعلته أحد أشكال مقاومة التحرش ودعم المرأة والسياحة في مصر. بعد عام من تأسيسه استأهلَ المشروع أن يكون حديثَ منصّات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ووصل عدد متابعي صفحته على «فايسبوك» إلى حوالي 60 ألف شخص. بدأت حكاية «راقصات باليه القاهرة» عندما كان محمد طاهر في أميركا واطلع على مشروع «Ballerina Project» في نيويورك الذي أسسه منذ 17 عاماً المصور الأميركي Dane Shitagi وقد انتشرت منه نسخٌ في دول عدة منها استراليا وفرنسا. أراد طاهر محاكاة التجربة في مصر. الاختلاف البيئي والثقافي بين مصر وتلك الدول، لم يثنِ عزيمته، فالمجتمع المصري غنيٌّ بثقافته وتعدديته وأذواقه إلا أن الطابع المحافظ يبقى غالبًا. تشكّلَ المشروع بدايةً من مؤسّسه المخرج محمد طاهر والمصوّر أحمد فتحي وعددٍ من الراقصات (وصل عددهن الآن إلى 13 فتاة) القادمات من خلفيات تعليمية متنوعة، إلا أن خيطَ الرقص يربطهن بموهبةٍ استطعن التفاعل معها في لوحات كنَّ فيها أشبهَ بفراشاتٍ تحلق في عوالم الخيال والسحر. مخاطبةُ الشارع المصري ليست بالأمر السهل، يؤكد مؤسس المشروع ل «السفير» مضيفًا أن القلق لازمهم في البداية، وتجنباً لأيّ صدامٍ اختاروا أوقات التصوير في الصباح الباكر لتكون الشوارع خالية، فيما بعد تشجّعت الراقصات وقررن النزول في الشوارع خلال أوقات الازدحام، ليتفاجأ فريق العمل بترحيب المارّة. ردة فعل الشارع المصري جعلت دائرة التصوير الجغرافية والزمانية تتسع، ما أعطى اللوحاتِ مزيداً من الجمال والتنوّع، فشملت مناطق عدة من القاهرة بدءاً من منطقة الكربة في القاهرة الجديدة مروراً بالمدينة القديمة وصولاً إلى وسط البلد التي تواءَمت عراقة معمارها مع حركات الراقصات في صورةً فنية أخّاذة، كما أن الربط بين هيئة الراقصات والمكان من حيث شكل الأزياء وألوانها أضفى تميّزاً آخر. تُعبِّر فيرونيكا عماد عن سعادتها بالمشاركة كراقصة في مشروع «راقصات باليه القاهرة»، مضيفة ل «السفير» أنها وبرغم تخوّفها بداية من ردة فعل الشارع، إلا أنها تسلّحت بالجرأة وحبّها للمغامرة وولعها بالرقص، فكانت النتيجة مرضيةً لها. تقول فيرونيكا إن الرقصات تُسبَق بنقاش مع المخرج فيما يتعلّق بشكل الأزياء لتتناسب وهيئة مكان التصوير، في حين أن الحركات ترتجل لحظة التصوير بالاعتماد على الإحساس بالمحيط وتفاعل الجسد مع ما يجري حوله. فيرونيكا طالبة في كلية الإرشاد السياحي، وترقص الباليه منذ 11 عاماً. كان بدايتها في نادي الشمس، ثم أكملت في دار الأوبرا بمساعدة الدكتور سامح السريطي، قدّمت لوحاتٍ على مسارح عدة في مصر، في حين تعتبر أن مشروع «راقصات باليه مصر» محطة فارقة في حياتها وجعلتها أكثر قرباً من الجمهور. كل ما يتعلّق بمشروع «راقصات باليه القاهرة» من صور وفيديوهات يُنشَر عبر صفحة تحمل الاسم نفسه على «فايسبوك» وقد حققت انتشاراً جيداً خلال سنةٍ من انطلاق المشروع. يستعدّ المشروع لإعداد صورٍ ولوحات من محافظات مصرية أخرى، أوّلها الإسكندرية ثم أسوان، إلى جانب الإعداد لمعرض فوتوغرافي يضمّ جميع صور المشروع منذ انطلاقه، ليكون دليلاً حاضراً على أن فن الباليه من أجمل أشكال التعبير الفني خاصة عندما يتفاعل مع روحِ مكان يعبق بالعراقة والأصالة. يؤكد «راقصات باليه مصر» أيضًا أن للجمالِ موطناً في مصر رغم محاولات التشويه التي تلحق به.