ما الذي يمكن أن يجمع كواليس الأحزاب السياسية الأميركية، ببراغماتيتها وصفقاتها المعلنة والسرية، بالكوميديا وحشرات فضائية وأغنية لفرقة «ذا كارز»؟ هذه بعض العناصر التي تشكّل تلك «الخلطة» التلفزيونية التي قدّمها مسلسل Braindead (عرضته CBS) على امتداد ثلاث عشرة حلقة، ليكون برغم غرائبيته وتناقض الآراء حوله أحد أهمّ، وإن ليس بالضرورة أفضل، مسلسلات هذا العام. لا يدّعي صنّاع مسلسل Braindead أن عملهم دراما سياسيّة جادة، أو كوميديا سوداء، أو مسلسل خيال علمي غريب، بل هو مزيج من هذه الأنواع كافة. إذا نظرنا إلى مستوى الكتابة الجيد، حيث تم التركيز على دوافع الشخصيات وأزماتها الداخلية والخارجية بشكل معقول، والإخراج المتقن الذي تعامل بأسلوب سلس متّسق مع تنوّع النص منسجمًا مع إيقاع العمل، نجد النتيجة مرضيةً إلى حدّ كبير. ربما يكمن أحد جوانب نجاح العمل أن التسلية مضمونة، عبر أداء تمثيليّ لافت من البعض وجيد عموماً من البعض الآخر. بالإضافة إلى نكات لاذعة، ونقدٍ ذكيّ للممارسة السياسية في أروقة الكونغرس ومجلس الشيوخ. تبدأ أحداث المسلسل بقدوم مخرجة الأفلام الوثائقية لوريل (ماري إليزابيث وينستد) إلى العاصمة واشنطن للعمل ضمن فريق شقيقها السيناتور الديموقراطي لوك هيلي. تقابل لوريل مواطنين أصحاب شكاوى بصفة مستشارة اجتماعية في عمل مؤقت تؤمن من خلاله التمويل اللازم لفيلمها الوثائقي المقبل. في عملها الجديد، تقترب من السجالات السياسية الجارية حول إغلاق الحكومة، لتكون شاهدةً، ومشاركة/متورطة لاحقًا، في صناعة القرارات وتمرير القوانين، الذي يخضع للمساومات والتحيزات ومحاربة الآخر ومصادرة رأيه. تدرك لوريل أن عليها، إذا ما أرادت الاستمرار، التخلّي عن المثالية، والمضيّ في هذا التيار حتى لو لم تكن موافقة عليه. منذ المشهد الافتتاحي في الحلقة الأولى، نعرف أن الصورة الإعلامية ودور الميديا أساسيّ في أحداث المسلسل ويتقاطع معها. إذ في السياق العام، وفي بعض المشاهد المحددة، تكون صور هيلاري كلينتون ودونالد ترامب الخلفية الأساسية التي تشكّل مرجعية الحدث الجاري أمام الكاميرا. ومع المفاجأة التي تعيشها لوريل بما تراه من أطباع السياسيين وسلوكياتهم، فإنها ستكتشف لاحقًا أن السبب في ذلك يعود لوجود حشرات فضائية هبطت إلى الأرض مع نيزك في روسيا، ليتم إرسالها إلى واشنطن كي تدخل (وهي على هيئة نمل) إلى أدمغة السياسيين ومتابعي السياسة. والنتيجة انفجار دماغ الشخص أو أكل الحشرات لنصف دماغه وتحويل سلوكياته ليصبح متشددًا سياسيًا ومتطرفًا في رأيه إلى درجة استعداده لقتل من يخالفه الرأي. مع حبّ لا يمكن تفسيره لأغنية فرقة «ذا كارز» «You Might Think»، تبدأ سلسلة من الأحداث الغريبة مظهرة تأثير تلك الحشرات. ما يدفع لوريل (الديموقراطية) للتعاون مع غاريث (آرون تيفت) وهو مدير طاقم موظفي السيناتور الجمهوري ريد ويتوس (طوني شلهوب) الذي يتم توظيفه في المسلسل ك «بطل مضاد»، للعمل على كشف المؤامرة التي تهدف إلى نشر الغباء والسخافة بين السياسيين. على عكس العديد من مسلسلات الدرامية/الكوميدية السياسية مثل House of Cards, West Wing, Veep, Madam Secretary التي تتبنى مقاربة سياسية من دون تبنّي اتجاه متحيز، فإن Braindead يعرض موقفه بوضوح، إلى درجة أنه يعرض، في بعض الأحيان، أفكارًا شديدة المباشرة والسطحية. يقدّم المسلسل مجموعة من الجمهوريين ممن يريدون توريط أميركا في حرب في سوريا (عبر حبكة ثانوية ضعيفة ومفككة الخيوط). وأنهم، مع مشاهد خطابات ترامب على شاشات التلفزيون في الخلفية، سيضعفون أميركا وينشرون الغباء والجنون في المجتمع. إحدى الحالات صديقة لوريل، الكاتبة الطموحة التي تصبح متشددة وتعمل فجأة في مؤسسة «Help America Rise Again» (ساعدوا في نهوض أميركا مجددًا)، وهو ما يمكن ربطه بشعارات حملة ترامب. ربما لم يدخل المسلسل كثيرًا في العمق، واكتفى بالسخرية من وضع سياسيّ راهن، مع تذبذبه بين الكوميديا والتشويق بشكلٍ كاد أن يفكك سياقه لولا قدرة لوريل (وينستد) وويتوس (طوني شلهوب بأداء لافت) على ربط الخطوط بعضها ببعض وتقديم صورة البطل المضاد بكلّ التباساتها وجدّيتها وتصويرها، الكاريكاتيري أحيانًا، بإقناع. بالإضافة إلى جوني راي غيل الذي لعب دور غوستاف، الشاب الذي يساعد لوريل على كشف الحقيقة. ثلاث ملاحظات لافتة من المسلسل: عناوين الحلقات التي جاءت طويلة، وهو أمرٌ مقصود ومتّسق مع «مزاج» العمل (مثل عنوان الحلقة 11: «ست نقاط في ميزانية الكونغرس: الانقسام الخاطئ لسياسات التقشف والتوسعية»). مقاطع تلخص أحداث الحلقة السابقة التي جاءت على شكل أغانٍ طريفة وممتعة لجوناثان كولتون. وأخيرًا المشهد الحميميّ بين لوريل ومايكل مور، وهو ما خلق حالة كوميدية فريدة ضمن سياق الأحداث. المسلسل من ابتكار روبرت وميشيل كينغ، (مبتكري مسلسل CBS الناجح (The Good Wife. وقد شارك في العمل فيه كمنتج منفذ المخرج البريطاني الكبير ريدلي سكوت. نال العمل تقييمات معقولة، وكان هناك قبولٌ عام له لم تؤثر عليه الاختلافات بشأن بعض التفاصيل. وقد قدّم قصّة متكاملة انتهت بانتهاء حلقاته، وهي لا تحتمل الاستمرار بها في موسم ثان. وربما هذا هو سبب عدم إعلان CBS عن أيّ تفاصيل حول تجديده حتى الآن.