رئيس جامعة المنصورة يستقبل السفير الأردني لبحث سبل التعاون المشترك    رئيس جامعة دمياط يشهد حفل تكريم أحد العاملين لبلوغه السن القانونية    «أمن المعلومات»: العالم خسر 2.5 مليار دولار بسبب الهجمات السيبرانية    البيت الأبيض: هناك طرق أفضل لإعادة الإسرائيليين لمنازلهم في الشمال    تريزيجيه يتحدى حمدي فتحي فى تشكيل الريان ضد الوكرة بالدوري القطري    أخبار الأهلي: قرار هام في الأهلي قبل مواجهة الزمالك في السوبر الإفريقي    تشكيل نانت – مصطفى محمد على مقاعد البدلاء ضد أنجيه بعد تعافيه من الإصابة    جرعة زائدة.. كشف لغز العثور على جثة شاب وسط الزراعات بالوراق    يوسف عمر يبدأ تصوير «مملكة الحرير»    "اليوم" يرصد انطلاق العام الدراسي الجديد في معظم مدارس الجمهورية    اعتماد نتائج أعمال شركات «النصر والعامرية للبترول والبتروكيماويات المصرية» خلال 2023-2024    كيف تُحقِّق "التعليم" الانضباطَ المدرسي في 2024- 2025؟    "لما تتكلم عن الزمالك اتكلم باحترام".. نجم الأبيض السابق يوجه رسالة نارية لأحمد بلال    وزير التموين يوضح لوفد البنك الدولي خطةَ ملف الدعم والحماية الاجتماعية    نزلات معوية بأسوان.. الصحة تكشف آخر التطورات بعد المرور على 163 منزلًا    الجنايات تعاقب "ديلر العجوزة" بالسجن المؤبد    لندب خبير.. تأجيل محاكمة متهمي "ولاية الدلتا الإرهابية" ل 11 نوفمبر    عاجل| مصر تحذر المواطنين من السفر إلى إقليم أرض الصومال    السفير الصينى بالقاهرة: العلاقات بين بلدينا تمر بأفضل مراحلها فى التاريخ    يسرا تحيي ذكرى وفاة هشام سليم: يفوت الوقت وأنت في قلوبنا    كريم الحسيني: «محمد رمضان أصابني بذبحة قلبية»    صحة الشرقية تختتم فعاليات البرنامج التدريبي لمسئولي خدمة المواطنين    إنفوجراف| كل ما تريد معرفته عن متحور كورونا الجديد «XEC»    المقاولون العرب يضم الفلسطيني طارق أبوغنيمة    نور الشربيني تتوج بلقب بطولة باريس للإسكواش    مسؤول أمني إسرائيلي كبير: الوضع الحالي في الضفة الغربية يقترب من نقطة الغليان    رانيا المشاط تلتقي الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية لإفريقيا لمناقشة الجهود المُشتركة في دفع التنمية الاقتصادية    من يدفع ثمن اختراق البيجر في لبنان؟.. المنطقة على فوهة بركان نشط    وزير التعليم يختتم زيارته للأقصر بعد جولات فى 5 مدارس ومعرض «بداية»    بعد حذف مشاهد المثلية.. منع فيلم أحمد مالك «هاني» من العرض في مهرجان الغردقة    رئيس جامعة حلوان يشارك في مؤتمر دولي بفرنسا لتعزيز التعاون الأكاديمي    ب 6 ملايين و669 ألف جنيه.. افتتاح مدرسة كفر الدير الإعدادية بالشرقية    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات عربية وأجنبية    ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 41 ألفا و431 شهيدا    مشاركة منتدى شباب العالم في «قمة المستقبل» تتويج لجهوده.. منصة تبادل الأفكار والرؤى حول قضايا التنمية والسلام العالمي    ضبط فتاة زعمت تعدى 5 أشخاص عليها لزيادة نسب المشاهدات    أونروا: مخيمات النازحين تعرضت اليوم لأول موجة أمطار فى خان يونس جنوب غزة    وجعت قلبنا كلنا يا حبيبي.. أول تعليق من زوجة إسماعيل الليثي على رحيل ابنها    الانتهاء من نقل أحد معالم مصر الأثرية.. قصة معبد أبو سمبل    الجامع الأزهر يتدبر معاني سورة الشرح بلغة الإشارة    التعليم العالي: بحوث الإلكترونيات يطور منظومة تصوير بانورامي ثلاثي الأبعاد    الرئيس السيسى يتابع خطط تطوير منظومة الكهرباء الوطنية وتحديث محطات التوليد وشبكات النقل والتوزيع ومراكز التحكم ورفع مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين بشكل عام.. ويوجه بمواصلة جهود تحسين خدمات الكهرباء بالمحافظات    الصحة تنظم ورشة عمل لبحث تفعيل خدمات إضافية بقطاع الرعاية الأساسية    فرصة لشهر واحد فقط.. موعد حجز 1645 وحدة إسكان ب8 مدن جديدة «التفاصيل»    أدعية للأم المتوفاه.. دار الإفتاء تنصح بهذه الصيغ (فيديو)    شقيق زوجة إمام عاشور يثير الجدل بسبب الاحتفال بدرع الدوري.. ماذا فعل؟    خبير علاقات دولية: نتنياهو يزيد التصعيد كلما زار بلينكن المنطقة    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 150 مواطنا بقافلة طبية بالأقصر    المنوفية تستعد لتدشين المبادرة الرئاسية "صحة وطن"    بالبالونات والشيكولاتة، مدرسة ابتدائية بالغربية تستقبل التلاميذ في أول أيام العام الدراسي (بث مباشر)    متصلة تشتكي: ابني طلب يحط إيده على منطقة حساسة.. وداعية ينصح    بعد إنقاذهم حياة سيدة تعرضت لعدة طعنات.. رئيس جامعة قناة السويس يُوجه الشكر للأطقم الطبية بالمستشفى    بداية فصل الخريف: تقلبات جوية وتوقعات الطقس في مصر    انتظام الطلاب داخل مدارس المنيا في أول يوم دراسة    مواعيد مباريات الأحد 22 سبتمبر - سيتي ضد أرسنال.. ومنافس الأهلي في إنتركونتيننتال    "كلامه منافي للشرع".. أول تعليق من على جمعة على تصريحات شيخ الطريقة الخليلية    خطيب المسجد النبوي يُحذر من الشائعات والخداع على وسائل التواصل الاجتماعي    خالد جلال: الأهلي يتفوق بدنيًا على الزمالك والقمة لا تحكمها الحسابات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسين رحيّم روائي في قلب الحياة البدوية
نشر في نقطة ضوء يوم 08 - 05 - 2016

حياة البدو وما يكتنفها من أنماط عيش وصراعات وثقافة خاصة وعادات وتقاليد وأدوات... هي العالم المرجعي الذي تُحيل عليه رواية «العطفة» للكاتب العراقي حسين رحيّم (الدار العربية للعلوم ناشرون)، وهو عالم مُفارِق للعالم الحضري. له قوانينه غير المكتوبة، ونظامه القبلي، وثقافته الشفاهية، وأدواته المادية، وأنماط عيشه المختلفة... وبذلك، تكون الإحالة الروائية عليه إحالة على المُفارِق، المختلف، بغضّ النظر عن طريقة الإحالة وآليات استثمارها روائيّاً.
"العطفة" في الثقافة البدوية هي الفتاة العذراء، المميّزة في قبيلتها، والهودج الذي تركب فيه خلال المعارك لتثير همم المحاربين. وبذلك، ترمز إلى شرف القبيلة، فَعَقْرُ جملها من قبل العدو يُلحق العار بالقبيلة. وهكذا، يكتسب العنوان دلالة رمزية إلى مقدّس بدوي يتعلّق بكرامة القبيلة وحاضرها ومستقبلها.
يصطنع حسين رحيّم لروايته بنية سردية بسيطة، يُسند فيها الروي إلى راوٍ عليم، وتنتظم فيها الأحداث في علاقة خطّيّة، وتطغى تقنية سرد الوقائع على ما عداها من تقنيات سردية، فتتناسب البنية المعتمدة مع الحكاية والعالم المرجعي الذي تُحيل عليه، على أن البساطة هي نقطة قوة في الرواية وليست نقطة ضعف.
في غمرة الأحداث المتعاقبة في الرواية، ثمة أحداث مفصلية يكون لها ما بعدها، تحرّك ركود الحياة البدوية، وتخرج بها عن رتابتها إلى لحظات درامية، وتؤول إلى مصائر فاجعة تقطع الركود والرتابة لتدخل في حالة من الصراع وعدم الاستقرار.
تُشكّل واقعة مقتل حمود ابن الشيخ هذال، شيخ عرب المجاهدة، في سباق خيول صبيحة العيد، على يد فارس ملثّم يلوذ بالفرار، حدثاً يزلزل استقرار القبيلة، فتقرّر الجلاء عن المكان إلى آخر هو «خبرة مرّان» لتقيم فيه سبع سنوات، وقد شكّلت هذه المدّة قفزة زمنية طويلة في النص لا يشير إليها، من قريب أو بعيد. الواقعة الثانية التي يكون لها ما بعدها تتمثّل في قدوم ظبية ابنة أخي الشيخ على القبيلة، من دون سابق إنذار، وهي المتزوّجة من جربوع ابن غثيث من عرب الشاهر، لتعترف أنّ زوجها هو قاتل ابن عمها حمود، وأنّها قامت بأخذ الثأر منه، وهذه الواقعة تثبت تقدّم العادات البدوية كعادة الأخذ بالثأر على الاعتبارات الأسرية، فلا تتورّع المرأة البدوية عن قتل الزوج انتقاماً لابن العم.
تترتّب على هذه الواقعة نتائج منطقية في العرف البدوي، تتمثّل في: قيام عرب المجاهد بغزو عرب الشاهر بعد إخطارهم بالأمر، وإلحاق الهزيمة بهم، واعتقال «عطفتهم» ومصادرة نياقهم، ثم الإفراج عن «العطفة» والنياق، في بادرة حسن نية تعبّر عن حكمة الشيخ هذّال وقياديّته، وتُظهر قيماً بدوية إيجابية. غير أن وضع المعروف في غير أهله يتمخّض عن نتائج معاكسة، فتتواطأ القبيلة الأخرى مع قطّاع طرق لسرقة بعض نياق الشيخ. وهنا، يلجأ إلى الشيخ فهاد الذي يستعين بقصّاص أثر لتحديد هوية السارقين. وإذ يتبيّن أنهم من عرب الشاهر، يستدعيهم الشيخ الوسيط إلى المحاكمة على الطريقة البدوية، وتتمّ إدانتهم غير أنهم يتملّصون من العقاب. وتتواطأ القبيلة الأخرى، مرة ثانية، مع غريب، زعيم قبائل المفازة التي تحسّ بالدونية إزاء عرب المجاهدة وتحقد عليهم، فيقوم هذا بغزوهم، وعزل شيخهم صقر الذي خلف والده هذّال وتنصيب مزعل مكانه، ويُكره شمّا التي تحمل لقب «العطفة» وترمز إلى شرف القبيلة على الزواج منه، ويقوم بإذلالهم، ويُمعن مع جماعته في استباحة عرب المجاهدة، إلى أن يتدبّر مِجْوِل ابن الشيخ هذّال، وذيب حفيده، أمر قتل غريب ومساعده سوريب، وتخليص العرب من شرّهما...
وهكذا، تُشكّل هذه الوقائع، بما هي قتل وثأر وغزو وسرقة ومحاكمة وغزو مضاد وإذلال وانتقام، حلقات في سلسلة الحياة البدوية، التي يشوبها الكثير من عدم الاستقرار والصراعات الدموية، وإن قطعتها فترات من الاستقرار أحياناً.
لئن كانت هذه الوقائع تتمخّض عن عادات بدوية سلبية، في بعض مجرياتها، كعادة الأخذ بالثأر، والغزو، والإغارة على النوق، وغيرها، فإنّها، في المقابل، تتمخّض عن عادات وقيم إيجابية، في بعض مجرياتها الأخرى، كإجارة الدخيل، والعفو عند المقدرة، وعدم الغدر، والدفاع عن العرض...
بالعودة إلى النص، فإنه لا يقتصر على السرد السلس، والحوار الذي يتمّ بالمحكية البدوية، بل يُفرد للوصف مساحات واسعة، يصف فيها الكاتب الحياة البدوية من مختلف جوانبها، فنقع على العادات والتقاليد، والأدوات، والنباتات، والحيوانات، والطعام، والأزياء، والأمثال، والعتابا، والوظائف، والأسماء الغريبة... وبذلك، تُشكّل الرواية معجماً للحياة البدوية، ووثيقة أنتروبّولوجية، وقد قام الكاتب بشرح مفردات هذا المعجم، على اختلاف حقولها، في الهوامش التي تكاد تقارب ثلث النص، وقلّما تخلو صفحة من صفحات الرواية من هامش واحد أو هوامش عدّة، تأتي لتشرح المتن وتُكمله. وحسبنا الإشارة إلى أن عدد الهوامش في الرواية بلغ مئة وسبعة وثمانين هامشاً، ما يعزّز البعد المعرفي الأنتروبّولوجي فيها، فتجمع بين متعة السرد من جهة، وفائدة الوصف والشرح من جهة ثانية. «العطفة» تروي الحياة البدوية بصراعاتها ودراميّتها وملحميّتها. وفي المقابل، توثّق هذه الحياة بأنماط عيشها وأدواتها وعاداتها وتقاليدها. هي حكاية بدوية ووثيقة أنتروبّولوجية في آن. وقراءتها محفوفة بالمتعة البسيطة والفائدة المركّبة.
إلى ذلك، ثمّة اضطراب بين مقدّمات بعض الوقائع ونتائجها، فكيف استطاع قصّاص الأثر أن يستنتج في يوم واحد أن سارقي الإبل هم من عرب الشاهر في الوقت الذي تبعد فيه مضاربهم عن عرب المجاهدة مسيرة ثلاثة أيام؟ وتأتي القصة التي تشرح وصيّة مِجْوِل حول المرقب العالي، في نهاية الرواية، لتُشكّل مكوّناً نصّيّاً ملصقاً بها وحمولة زائدة عليها كان الأفضل التخفّف منها ليحافظ النص على رشاقته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.