صدر للشاعر والناقد المغربي محمد بنيس كتاب "يحرقون الحرية" يتناول فيه موضوع الربيع العربي ويتحدث عن الشباب "أتوْا في زمن غير زمنهم، أو جاؤوا قبل زمنهم، في الخيال والحلم معاً، قوة الاحتجاج والرفض لديهم كانت تسعى إلى تدمير سيادة قيَم الطغيان والاستبداد والعبودية". وقد ذكر بنيس في الكتاب رؤيته الخاصة في الموضوع، فهر يرى أنه بدلا من إرادة هؤلاء الشبان في أن تستكشف الشعوب مناطق مجهولة من الحرية، أو تستعيد قسطا مما ضاع من حريتها التي كانت تعوّدت عليها، خرج إلى العلن دعاة ومحاربون يجهرون بإلزامية الامتثال إلى ماض مجرد، لا تاريخي، تستولي عليه شراسة الانغلاق وعبودية الجهل. ويمكن كذلك أن يرى المتتبع كما ذكر بنيس بما سيجيء من قيم لا تزال طاقاتها كامنة في أعمال أدبية، وفي أعمال فنية وفكرية لم يُخطئ الشبّان عندما خرجوا، في البلاد العربية، ليُطالبوا بحقّهم الأول في "الحرية، الكرامة"، ولم يكن خروجهم صادراً عن نرجسية أو غوغائية. بل كانوا، في خروجهم، كتلة من إشعاع يضيء النّفوس، فحركة الاحتجاج والرفض، التي أطلقوها بعفوية في تونس، تحولتْ في فترة وجيزة إلى حالة عربية، ثم إلى حركة كوْنية، يستجيب فيها المشرق للمغرب، ويلتقي الغرب من خلالها (لأول مرة في تاريخنا الحديث) بالشرق، كما يتفاعل في نسيجها الشمال مع الجنوب. ويعتبر بنيس خروج الشباب إلى الثورات حقا تتآلف فيه الحرية مع الكرامة، "ذلك هو إبداع هذه الحركة التي ارتدت لباس الثورة على الأنظمة والمؤسسات، جنباً إلى جنب في بعض الحالات، حركة أعادتنا إلى البدئي، إلى الصوت الذي يطالب بما هو طبيعي في مجتمعات عربية غير طبيعية، لأن أنظمة الحكم فيها لا تعترف بحرية الإنسان، ولا بكرامة الإنسان، كما أن مؤسساتها امتداد للأنظمة في احتقارها للمواطن وتصرفها الاستبدادي معه". ويرى المفكر محمد بنيس أن هذه الحركات لم تقدم تعريفا للحرية، ولا رصداً لتاريخها في الحياة العربية القديمة، أو تتبعا لآثار الدعوة إليها من طرف النخبة في عصرنا الحديث، لقد اكتفت برفع مطلب الحق في تقاسم الحرية بين أبنائها، حق تقاسم الحرية عبّر عن نفسه في التضامن بين أبناء المجتمع، وفي إبداع الشعارات، وفي تأليف أعمال فنية شعبية. وذكر محمد بنيس في مقدمة الكتاب أنه "علينا أن نرى هؤلاء الذين يحرقون الحرية وما يقومون به من خراب، في جميع جهاته وبكل أشكاله، بعيْن يقظة، متفحّصة، عارفة، ناقدة، نرى في الجهات كلها وبدون استثناء، ويمكن كذلك أن نرى بما سيجيء من قيَم لا تزال طاقاتها كامنة في أعمال أدبية، وفي أعمال فنية وفكرية". وبهذه الرؤية المتفاعلة كان بنيس كما ذكر متشبثا بالكتابة، وهو يتتبع وقائع الربيع العربي، ثم يسجل يوميات عن الذين يحرقون الحرية، وينشرون النقيض والأنقاض باسم الإسلام، من خلال وقائع لا يمكن وصفها إلا بأحكام الجهل، تلك هي الكتابة التي تدل على أنّ المقاومة الثقافية مقدمة لبناء قيم المستقبل، فكتابة المقاومة الثقافية كما يقول بنيس معزولة لكن، أليس لها أن تقبل بأن تكون معزولة حتى تستمر المقاومة وتبقى الرؤية مفتوحة. ويشار إلى أن محمد بنيس شاعر مغربي، ولد سنة 1948 في مدينة فاس، ويعد أحد أهم شعراء الحداثة في العالم العربي، وقد نشر أكثر من ثلاثين كتاباً، منها ثلاثة عشر ديواناً، ودراسات عن الشعر العربي الحديث، ونصوص وترجمات، ونشر في صحف ومجلات عربية، كما صدرت له نصوص في الصحافة الأدبية الدولية، في كل من أوربا وأميركا واليابان، وله مشاركات في أنطولوجيات شعرية عبر العالم، وصدرت ترجمات لبعض أعماله الشعرية والنثرية في بلدان أروبية، من بينها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومقدونيا وتركيا، كتب عن الفنون التشكيلية ، وأنجز أعمالا شعرية – فنية مشتركة مع رسامين، في شكل كتب ولوحات وحقائب فنية في بلدان عربية، وفي أروبا والولايات المتحدة واليابان، وفي مقدمة هذه الأعمال كتاب "الحب"، عمل شعري– فني مشترك مع الفنان العراقي ضياء العزاوي.