تمرُّ اليوم 132 سنة على وفاة الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية وهي نفس المدة التي قضاها الاستعمار الفرنسي في الجزائر (1830 -1962 )، ولا يزال عجز الجهات الرسمية في إنتاج عمل سينمائي يليق بهذه الشخصية الفذّة يطرح العديد من التساؤلات، بل تعدت ذلك فالبعض يلقي باللوم والاتهامات على أطراف سياسية تمنع وتُعرقل هذا الإنجاز. وتم توقيف إخراج فيلم الأمير عبد القادر الجزائري للمرّة الثالثة على التوالي وهذه المرة بسبب استهلاك ثلاثة أرباع الميزانية العامة للعمل التي تم تقديرها ب200 مليار دينار جزائري دون تصوير أي مشهد من العمل. الوزير يبرر.. والميزانية تتبخّر وقال وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي في تصريح ل"العربية.نت" إن "العمل تم توقيفه ويتم حاليا اختيار جهة منتجة للفيلم السينمائي الذي يكون في مستوى الأمير"، وقد اتّهم الوزير الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي بالفشل في انجاز هذا العمل، وحسبه فإن "الوكالة استهلكت ثلاثة أرباع الميزانية العامة من الفيلم دون تصوير لقطة واحدة"، لكن الوزير لم يكشف عن أي إجراءات عقابية ملموسة بسبب استهلاك الميزانية من طرف الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي وما مصير تلك الأموال إن لم يتم تصوير أي مشهد من الفيلم؟، في وقت تدعو فيه الحكومة إلى ترشيد الإنفاق بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة. الأمير.. بداية المشروع في سنة 2005 تلقى الروائي الجزائري واسيني الأعرج رسالة من رئاسة الجمهورية بعث بها له شخصيا رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ويكشف الروائي فحواها للعربية نت "بعد إطلاعنا على روايتك الأمير فإننا أمام هذا الإبداع وهذه الدقة في وصف شخصيات الأمير المتعددة لا يمكن إلا أن نُثمّن عملك بتحويل كتاب الأمير إلى فيلم سينمائي ضخم يُبهر للعالم" ويضيف الواسيني الأعرج "الرئيس بوتفليقة بعث لي رسالة لا زلت أحتفظ بها كانت مدهشة بمستواها وبالرغبة الباطنية بعد قراءته كتاب الأمير وانتهائه منه قال إني أرى هذا الكتاب سينمائيا". وتدور أحداث رواية الكاتب واسينى الأعرج عن الأمير عبد القادر بن محيى الدين الجزائرى في منتصف القرن التاسع عشر، وتتناول الوضع العربى الإسلامي والعالمى الراهن بوضوح. وصدرت الطبعة العربية الأولى من رواية "كتاب الأمير.. مسالك أبواب الحديد" عن دار الآداب للنشر والتوزيع ببيروت سنة 2005. ويرى الروائي واسيني الأعرج في حديثه للعربية أن "فيلم الأمير هو خيبة كبيرة جدا، لقد تحمست شخصيا لهذا الانجاز وأعتقد بأنه بالنسبة للأمير هناك معضلة كبيرة أكبر من مجرد فيلم سينمائي فهناك أطرافا مقربة من الرئاسة تسعى إلى عرقلة إخراج الفيلم". من يقف وراء عرقلة إخراج فيلم الأمير؟ يعود واسيني قليلا إلى الوراء حين تلقى رسالة شخصية من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ويؤكد سعادته الكبيرة بذلك الاهتمام الذي ترجمته لقاءات مع رئاسة الحكومة آنذاك وبعض الفاعلين في السينما بتحويل الرواية إلى أضخم عمل سينمائي وبالفعل يقول واسيني "توجهنا إلى إيطاليا للاتفاق مع سيناريست مُتمكّن جدا ومحترف واتفقنا على وضع الملامح الجزائرية على السيناريو وفقا للتقاليد، وتم كتابة السيناريو وكان رائعا جدا وبعد اجتماعنا مع رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم باعتبار أن الجهة المشرفة والمنتجة كانت رئاسة الجهورية توقف العمل كله بعد فترة قليلة فقط ". ويبدو الواسيني غير مقتنع بكل التبريرات شأنه شأن الكثير من الفاعلين في قطاع السينما في الجزائر خاصة بعد موافقة المخرج العالمي ريدلي سكوت على إخراج الفيلم في 40 يوما لكن الجهة المقررة في الجزائر عرقلت ذلك". ويعتبر واسيني أيضا أن إلغاء إخراج الفيلم للمرة الثالثة بسبب استهلاك ثلاثة أرباع الميزانية دون تصوير أي لقطة هو:" أمر لا مسؤول خاصة إذا كانت الأمور واضحة منذ البداية" ويتعجب واسني في حديثه:" لم أفهم كيف يعتمد المسؤولون على شخص لكتابة السيناريو لم يكتب في حياته نصا سينمائيا؟". ويرى المخرج الجزائري أحمد راشدي أن:" المخرج الجزائري وحده من يستطيع تجسيد الاستبطان الداخلي للأمير عبد القادر، ويُقر راشدي أن "المشكلة الرئيسية التي تواجه العمل هي السيناريو" ومع ذلك يطمح في أن يكون مخرجا للأمير :" وعلى المسؤولين أن يحاسبوني إن قصّرت". وبعد حوالي 10 سنوات لا يزال "الأمير" يراوح مكانه بعد إلغاء إنتاجه للمرة الثالثة التي كانت من "نصيب" المخرج "شارلز برنات".