الوصول لعالم القارئ والقبول بأحكامه أمر يشق علي الكاتب والروائي، وتدخله في تحدي مع نفسه حد الإرتباك لبحث كيفية تجويد النص، فأسلوب الراوي وذوق القارئ وحدهما يحكمان في معايير قبول أورفض النص بغض النظر عن المحتوي والتفاصيل ، لكن هنالك محاكمات تمت لمؤلفين من خلال نصوصهم ، فالبعض أتهم بالإبتذال مثل الراحل إحسان عبدالقدوس الذي سماه النقاد صاحب مدرسة "أدب الفراش" ، بينما حكم علي البعض بأنهم كفار وأباحوا قتلهم ، كما حدث للأديب العالمي نجيب محفوط الذي وصل إلي نوبل بابداعه الروائي ، كذلك ما حدث مع الروائي السوري حيدر حيدر .. وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال حول "ما مدى مسؤولية المؤلف عن النص الأدبي الذي يقدمه ؟".. تضمين موضوعات الجنس في الرواية هل مسؤوليته أم أنه يصور الواقع كماهو أو لايتحكم في خياله؟ طرحنا هذه الأسئلة وغيرها علي عدد من الكتاب والنقّاد فكانت إجابات البعض تطرح تساؤلات أخري تحتاج لبحث آخر.. وفي هذا السياق، يؤكد الناقد د. شاكر عبدالحميد أن المؤلف مسؤول عن اختياره لنموذج الشخصية الأدبية التي وضعها على الورق، ومسؤول كذلك عن الكلام الذي يضعه على لسان الشخصية، لكن الذي يحكم على العمل الأدبي ليس الحوار المباشر بين شخوصه، بل الكتابة الفنية بمجملها، وكذا التقصى: هل هي كتابة مباشرة أم تقريرية؟ هل هي كتابة فنية أم جافة ورديئة؟ لذا فلابد أن نحدد نوعية محاكماتنا للعمل الأدبي؛ هل نحكم عليه حكماً دينياً؟ أم نحاكمه محاكمة نقدية؟ وفي ذلك يختلف جميع النقاد في نظرتهم للعمل الأدبي الواحد. ويرى الناقد د. علاء عبدالهادي، أن الأديب مسؤول عن أي عمل يكتبه، لكنه في الوقت ذاته ضد المنع والحذف ومن أشد المؤمنين بالحرية؛ لذا يقول بأن الأعمال الفنية لابد أن تناقش بشكلها الفني بعيداً عن التوقف الشكلي وحوارات وفقرات مبتسرة من النص الأدبي. ويرى الروائى ابراهيم عبد المجيد إلي أن المبدع الروائى أو حتى السينمائى، لا يقدم فكرة نظرية بل يرسم ملامح حياة يعيشها بخياله، مع شخصيات ربما يكون قد تعرف عليها أو التقى بها أو سمع عنها.. لذا فمن مسلمات الكتابة الأدبية أنه أثناء العملية الإبداعية قد تفلت بعض الشخصيات من قبضة المبدع وتستقل بذاتها، فلا يستطيع من الناحية الفنية أن يكبح جماحها، ولو حاول إلغاءها، يكون بذلك قد دمر العمل الأدبى بالكامل.. ضاربًا المثل بإعتبار الأدب من الحياة ذاتها، قائلًا: من الطبيعى أن يكون بين الشخصيات العمل الأدبى الطيب والشرير، المتدين والملحد، الأم الحنون والغانية وهكذا.. ودور الكاتب يتلخص فقط فى تحقيق التوازن بين تلك الشخصيات، بحيث لا يصب العمل الأدبى بإتجاه إنتصار الشر على الخير، ولكن الكتابة فى مجملها محاولة للوصول لعالم مثالى ينتصر لكل القيم الإنسانية النبيلة. ويؤكد الروائي محمود الورداني، أنه لا مجال لمساءلة المبدع عن سلوك شخصياته بالمرة، فالكاتب وإن كان يصنع هذه الشخصيات على الورق، إلا أنه فى الوقت ذاته يتأثر بالنماذج الموجودة حوله. ويضيف: الأكثر غرابة أن تنتزع بعض الألفاظ من سياقها فى متن العمل الأدبى ويتم التعامل معها كما لو كانت نصوص مستقلة بذاتها، دون الإلتفات إلى الإتجاه العام للعمل الأدبى والذى ربما يكون عكس إتجاه هذه النصوص المنزوعة تماماً، وفى مثل هذه الحالة لا يحق لأى جهة مساءلة المبدع، أما إذا كان العمل يسير باتجاه تحقير المقدسات أو التطاول على الأديان أو حتى النيل من منظومة العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة، ففى هذه الحالة فقط، يجب مساءلة الكاتب من قبل جهات الإختصاص والنقاد وغيرها من الجهات الأخرى، مع صيانة حقه فى التعبير عن آرائه والإختلاف مع الآخرين. وفي رأي الكاتبة الروائية سلوى بكر : شئنا أم أبينا يبقى العمل الأدبى أشبه بحالة أيديولوجية خاصة، تتفاعل فيها أفكار الكاتب، وهى الأفكار التى يقدمها بأساليب مختلفة؛ فتارة تنطق بها شخصيات العمل، وتارة يحملها السرد الروائى أو اللغة الروائية وثالثة ترد على لسان الراوى، وكل هذه الوسائل ما هى إلا أدوات لتوصيل رؤية الكاتب للعالم. وليس صحيحاً - والكلام لسلوى بكر - أن الكاتب لا علاقة له بشخوص أعماله؛ فكل شخصيات العمل الأدبى تحيا كما يريد لها الكاتب ووفقاً لرؤيته للعالم؛ لذا يحاسب الكاتب عنها، ولكن بالمعايير الأدبية؛ لأن الشخصيات والعالم الأدبى فى مجملها عالم متخيل؛ لذا يحاسب بمعايير الخيال لا الواقع؛ فالكتابة تحاسب بكتابة أخرى والفكر بالفكر، شريطة أن يحترم المبدع عقائد الآخرين وقناعات الجماعة، وأن يعبر عن آرائه بطرق سوية لا تزدرى الآخر بل تحاوره للعثور على إجابات صحيحة ومنطقية وحق الكاتب فى التعبير لا يجب أن ينال من حقوق الآخرين. أما الروائي محمد العشري، فيؤكد على أنه لايجب أن يحاسب الروائى على أقوال شخوص العمل الأدبي؛ لأن هذه الشخصية الفنية تعبر عن نفسها من خلال منظومة النص نفسه.. ولابد أن نفصل الكاتب عن النص، فلانستطيع أن نقول إن كل شخصيات نجيب محفوظ هي نجيب محفوظ ذاته؛ إذ لا يعقل أن يكون محفوظ هو ذاك الملحد أو المنفلت أو المجرم عبر أعماله الأدبية.. كما لايعقل أن تكون الأديبة هي تلك الراقصة أو المنحرفة التي عبّرت عنها من خلال عملها؛ لذا أرفض أن يقال إن العمل الروائي يُعبر عن وجهة نظر صاحبه بشكل مطلق.