لا يزال السؤال عن مدي مسئولية رجل الأدب عن حوارات شخوصه وآرائها مثار جدل، إذ باتت إشكالية لم تُحل بعد، ولم تنته علي مدي المائة عام الأخيرة من عمر الأدب المصري؛ فإلي مَن تُنسب النصوص الخارجة علي السياق علي لسان أبطال الروايات، أو أحاديث الاشمئزاز والنفور من بلد ما وأهله، والتي تعد في كثير من الأحيان نوعاً من التعصب؟ بل وهل هذه الفقرات اللاذعة التي ترد في النص الأدبي تعبر رأي المؤلف ذاته ووجهة نظره في الواقع؟ وهل يحق له التبرؤ مما كتب أو جاء علي لسان شخصياته الأدبية؟•• تساؤلات طرحناها علي عدد من المثقفين والأدباء للوقوف علي إجابات لها . فيقول الروائي سليمان فياض: المؤلف مسئول عن اختياره لنموذج الشخصية الأدبية التي وضعها علي الورق، كما أنه مسئول كذلك عن الكلام الذي يضعه علي لسان الشخصية، أما من يحكم علي العمل الأدبي، فليس هو الحوار المباشر بين شخوصه، بل الكتابة الفنية بمجملها .. إذن فلابد أن نحدد نوعية محاكماتنا للعمل الأدبي؛ بمعني: هل يتم الحكم عليه من منظور ديني أم أخلاقي أم من كونه حدوتة طويلة لم يتفق بشأنها بعد، أم أننا نحاكمه محاكمة نقدية؟ .. ولا شك أنه تباعًا لتلك الحالات تختلف نظرة النقاد للعمل الأدبي الواحد . وبسؤاله: هل يحق للمؤلف التبرؤ مما كتب، أو جاء علي لسان شخصياته الأدبية؟، قال الروائي إبراهيم عبد المجيد: المؤلف لا يقدم فكرة نظرية، بل يكتب ملامح حياة يعيشها بخياله، ومن المتعارف عليه أنه أثناء العملية الإبداعية، قد تفلت بعض الشخصيات من قبضة المبدع وتستقل بذاتها، فلا يستطيع من الناحية الفنية أن يكبح جماحها، ولو حاول إلغاءها، يكون بذلك قد دمر العمل الأدبي بالكامل .. ويضيف: وعلي ذلك؛ فمن الطبيعي أن يكون بين الشخصيات العمل الأدبي: الطيب والشرير، المتدين والملحد، الأم الحنون والغانية .. وأشار إلي أن دور الكاتب يتلخص فقط في تحقيق التوازن بين كل هذه الشخصيات، بحيث لا يصب العمل الأدبي باتجاه انتصار جانب علي آخر، علي أن تكون الكتابة في مجملها محاولة للوصول لعالم مثالي الذي ينتصر فيه المؤلف للقيم الإنسانية النبيلة . أما الروائية سلوي بكر، فتقول: شئنا أم أبينا فإن العمل الأدبي يبقي أشبه بحالة أيديولوجية خاصة، تتفاعل فيها أفكار الكاتب فيقدمها بأساليب مختلفة؛ فتارة تنطق بها شخصيات العمل، وتارة يحملها السرد الروائي، وثالثة ترد علي لسان الراوي، وهذه الوسائل ما هي إلا أدوات لتوصيل رؤية الكاتب للعالم .. وتوضح: ولكن ليس صحيحاً أن الكاتب لا علاقة له بشخوص أعماله؛ فكل شخصيات العمل الأدبي تحيا كما يريد لها الكاتب ووفقاً لرؤيته للعالم، لذا فلابد أن يحاسب الكاتب عنها، ولكن بالمعايير الأدبية؛ لأن الشخصيات والعالم الأدبي في مجمله عالم متخيل، ولكن يجب أن تتم محاسبته بمعايير الخيال لا الواقع؛ فالكتابة تحاسب بكتابة أخري والفكر بالفكر، شريطة أن يحترم المبدع عقائد الآخرين وقناعات الجماعة.