قوافي الأيام ترسّمَ مستبشرا بقهوة صباحه لنهاية أمسياته العليلة , فارجاً أغصان غرفته المطلة على زقاق عذرية طفولته , يبتسم عبق الهواء من خريفه , وزحف كبرياء الشمس , من ستائر ألف ليلة وليلة , تذكره بعهد خلا , أيام آشور ونزوات شهريار . كالعادة , ارتقى تفاصيل يومه , موشحاً بردائه المخملي , موقدا سيجارته مرتشفا كوب الشاي المغربي الأخضر , حنينا وتذكرا لصباه المغربي , متفائلا بدعاء جدته الحدباء , المتواتر والمحشو في سرادق طلباتها المنزلية , مؤطراً بحكايا تجار اليهود . انسّلَّ الفتى من قبو منزل العائلة المتأرجح بين رغبات أهله والخاضع لتفانين نظرياتهم الأخلاقية , متجها لواحة التناقضات ورقص غانيات التجارة على أوتار تقاطعات السوق . منتظرا وراجيا تنفس الصباح , ليخرج من الصومعة , متبخترا في الزقاق الطويل مؤخرا الخطوات قائداً ثورة خروج الطالبات إلى مدارسهن والأخريات إلى وظائفهن على ممر الفحول المتسكعين على جوانب الطريق , وفتانا مبالغا بنشر العطور الفرنسية على مشارف وخفايا جسده مغازلا أحاسيسهن موقدا لرغباتهن . يتقلب ببطء داعياً الأنظار له والأنوف لعطره , تاركا إحساس الرغبة في ملامسة جسده لكل من تلهو بقربه . يرسو في متجره , مجردا بوابته من لمسات الكساد , مغازلا الزبائن بقوافي التجار , مقلبا من حوله على اكف المزاح بسياسة التوافق . الأيام توائم بناظريه , يأتي هذا وتنسحب تلك , وتلهو الساعات , والأمل بغد أفضل لاتتكرس فيه احتمالات التغيير والهزيمة , ناشرا لشراع الأمل والخلود . لم تفارقه خواطر الاستعانة بممرضة تطبب رغبات زبائنه , فدية حرية مواعيد الغرام وأحلام الصبا والمذاكرة والشغف بالسهر , كاسرا قيود كسرى العادات والتقاليد العائلية . ترك الخواطر تأخذ تدريجها متدلية لفسحة الواقع . على إكسير سيدة مسنة , رغم الوعول المحيطة بها المتمرسين بافتراس الأنثى المسورة بحصن حصين , على مبدأ امتلاكهم لمفتاح سحري لكل أنثى , محاكين في ذلك الغرائب والعجائب من ملاحمهم الأرجوانية , متناسين أن العذرية للرجل أيضا , يفقدها بافتتانه بأول جسد. أثّّّرَت فيه تلك الأساطير , محاولا أن لا يغفو بين أحضان غرائزه , وارثاً من سجاياها افتقاد الوصول لقلب امرأة , منتظرا وراضيا مبادرة عجوز البراري الهرمة , لتغرس فيه أصول الهوى وجنونه , منعكسا على مشواره المفعم بمقالب النساء , مستصحبا صديقه القلب المنفطر الواهن , مرتلا شعر نزار وأنت عمري , متلذذا بمتعة خاصة يملؤها الشوق لمتعة أبدية , تذوب النرجسية في بودقتها . دعي في احد الليالي البغدادية المقمرة لسهرة عرس فلان وفلانة . ذهب بخيلائه المعتاد , راصفاً النوايا في جيب خفايا القدر , وصل هناك وجالس الساقي , ناقلا النظر مقتنصا الهفوات متفرسا مابين الثنايا صوب أجساد الصبايا والمومسات , ولم يلحظ سيدة الآنسات !!! شفافة لتتراءى , رقيقة لا لِتُمس , ظمآنة لا ترتوي , هي من بادرته وأذاقته رحيقها , لتبدأ الحكاية , مع التي بعثرت قوافي الأيام .