المقاومة في العراق تعلن ضرب أهداف إسرائيلية في غور الأردن    إغلاق بلدية صيدا ومقر الشرطة بعد التهديدات الإسرائيلية    دمار شامل.. الجيش الإسرائيلي ينسف مربعا سكنيا في قطاع غزة بالكامل    مجدي عبد الغني يكشف عن التشكيل الأفضل ل لأهلي أمام الزمالك    رضا شحاته: هدف يوسف أوباما تسلل.. والفار في مصر يتم استخدامه عكس الخارج    إخلاء سبيل مساعدة هالة صدقي بعد سماع أقوالها في البلاغ المقدم ضدها    «العشاء الأخير» و«يمين في أول شمال» و«الشك» يحصدون جوائز مهرجان المهن التمثيلية    هيئة الدواء تحذر من هشاشة العظام    نقيب الصحفيين يعلن انعقاد جلسات عامة لمناقشة تطوير لائحة القيد الأسبوع المقبل    أحمد عبدالحليم: صعود الأهلي والزمالك لنهائي السوبر "منطقي"    تابعة لحزب الله.. ما هي مؤسسة «القرض الحسن» التي استهدفتها إسرائيل؟    هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب تستعد لشن هجوم كبير جدا على إيران    «هعمل موسيقى باسمي».. عمرو مصطفى يكشف عن خطته الفنية المقبلة    تحسن في الوضع المادي ولكن.. توقعات برج العقرب اليوم 21 أكتوبر    قودي وذا كونسلتانتس: دراسة تكشف عن صعود النساء في المناصب القيادية بمصر    مزارع الشاي في «لونج وو» الصينية مزار سياحي وتجاري.. صور    الأرصاد تحذر من نوة تضرب الإسكندرية خلال ساعات    كيف تعاملت الدولة مع جرائم سرقة خدمات الإنترنت.. القانون يجب    خبير استراتيجي: مصر تتخذ إجراءاتها لتأمين حدودها بشكل كامل    للمرة الرابعة تواليا.. إنتر يواصل الفوز على روما ولاوتارو يدخل التاريخ    أخر مسلسل قبل الوفاة.. أشرف عبد الغفور وناهد رشدي يتصدران أفيش نقطة سودة    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    واحة الجارة.. حكاية أشخاص عادوا إلى الحياه بعد اعتمادهم على التعامل بالمقايضة    تصادم قطار بضائع بسيارة نقل في دمياط- صور    ملخص مباراة برشلونة ضد إشبيلية 5-1 في الدوري الإسباني    بوتين يصف الوضع فى الشرق الأوسط بأنه "صعب للغاية"    الزمالك يهدد بالانسحاب أمام الأهلي.. تفاصيل أزمة الثلاثي وتدخل السفير    دراما المتحدة تحصد جوائز رمضان للإبداع.. مسلسل الحشاشين الحصان الرابح.. وجودر يحصد أكثر من جائزة.. ولحظة غضب أفضل مسلسل 15 حلقة.. والحضور يقفون دقيقة حدادا على روح المنتجين الأربعة    تصادم قطار بضائع بسيارة نقل ثقيل بدمياط وإصابة سائق التريلا    حبس المتهمين بإلقاء جثة طفل رضيع بجوار مدرسة في حلوان    صراع متجدد بين جوميز وكولر.. «معركة جديد علي حلبة أبوظبي»    جهاد جريشة: أكرم توفيق يستحق الطرد أمام سيراميكا كليوباترا    ضبط المتهم بقتل شخص فى عين شمس.. اعرف التفاصيل    النيابة تصرح بدفن جثة طفل سقط من الطابق الثالث بعقار في منشأة القناطر    النيابة العامة تأمر بإخلاء سبيل مساعدة الفنانة هالة صدقي    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكى بمحور الضبعة الصحراوى    «كارثة تحكيمية».. رسالة نارية من متحدث الزمالك قبل مباراة القمة في نهائي السوبر المصري    رسميا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 21 أكتوبر 2024    عمرو أديب بعد حديث الرئيس عن برنامج الإصلاح مع صندوق النقد: «لم نسمع كلاما بهذه القوة من قبل»    وفود السائحين تستقل القطارات من محطة صعيد مصر.. الانبهار سيد الموقف    وزير الزراعة: توجيهات مشددة بتسهيل إجراءات التصالح في مخالفات البناء    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 21 أكتوبر 2024.. استمتع بخدمة الآخرين    عمر خيرت يمتع جمهور مهرجان الموسيقى العربية فى حفل كامل العدد    نائب محافظ قنا يشهد احتفالية مبادرة "شباب يُدير شباب" بمركز إبداع مصر الرقمية    قوى النواب تنتهي من مناقشة مواد الإصدار و"التعريفات" بمشروع قانون العمل    سعر الذهب اليوم الإثنين بعد آخر ارتفاع.. مفاجآت عيار 21 الآن «بيع وشراء» في الصاغة    «شوفلك واحدة غيرها».. أمين الفتوى ينصح شابا يشكو من معاملة خطيبته لوالدته    ترحيب برلماني بمنح حوافز غير مسبوقة للصناعات.. نواب: تستهدف تقليل الضغط على العملة الصعبة    جاهزون للدفاع عن البلد.. قائد الوحدات الخاصة البحرية يكشف عن أسبوع الجحيم|شاهد    هبة قطب تطالب بنشر الثقافة الجنسية من الحضانة لهذا السبب    مدير مستشفى عين شمس: القضاء على الملاريا في مصر إنجاز عظيم    الانشغال بالعبادة والسعي للزيادة.. أمين الفتوى يوضح أهم علامات قبول الطاعة    للوقاية من أمراض القلب وتصلب الشرايين.. 6 نصائح عليك اتباعها    مجلس جامعة الفيوم يوافق على 60 رسالة ماجستير ودكتوراه بالدراسات العليا    أستاذ تفسير: الفقراء يمرون سريعا من الحساب قبل الأغنياء    جامعة الزقازيق تعقد ورشة عمل حول كيفية التقدم لبرنامج «رواد وعلماء مصر»    ماذا يحدث فى الكنيسة القبطية؟    هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخلفاء كانوا أكبر المريدين لمجالس المناظرات
نشر في نقطة ضوء يوم 02 - 02 - 2015

كان لفن المناظرات أثر بالغ في ترسيخ منهج المجادلة الفكرية عند العرب، وكان خلفاء العصر العباسي أول من انتبهوا إلى عمق تأثير هذا الفن النثري الجديد، فلجئوا إلى توظيفه في تجديد فكر الأمة وعقائدها.
ارتأى المسلمون عبر تاريخهم الممتد تبني فن المناظرة بين العلماء والأدباء، وذاع صيت المناظرة التي تقوم على المباحثة والتباري في إيراد الحجج المقنعة وذكر الأمثلة والشواهد التي تجعل الخصم يقر بالحق ويسلّم لصاحبه بما قال، وتنتهي تلك المناظرة عادة بتغلب أحدهما على الآخر واعتراف المغلوب بأفضلية صاحبه عليه وسطوع براهينه وصواب منطقه وصحة أفكاره.‏
ويقول الكاتب السوري محمود فاخوري إنه لا شك أن مثل هذه المناظرات المتخيّلة ذات أثر كبير في تفتح الأذهان وتمرين العقول على التفكير وحسن التأتي والبراعة في تناول الموضوع ومقارعة الحجة بالحجة والأخذ بأسباب الثقافة والمعرفة والإطلاع.
ويضيف “لقد عني أسلافنا بهذه الظاهرة الأدبية الفكرية، فوضعوا مناظرات بين أطراف مختلفة من الطبيعتين: الصامتة والمتحركة، فألّف الجاحظ رسالة بعنوان (سلوة الحريف بمناظرة الربيع والخريف)”.
ومن هذا القبيل تلك المناظرة التي أوردها الجاحظ أيضاً في مقدمة كتابه “الحيوان” بين صاحب الديك وصاحب الكلب وغايته من ذلك، الرياضة الذهنية والمحاجة العقلية التي تخدم ما قصد إليه من وراء تلك المناظرة.‏
ومن المناظرات الطريفة التي عني بها الأدباء في العصر المملوكي وما بعده، المناظرة بين السيف والقلم عن ابن نباتة المصري وغيره من أدباء ذلك العصر، فمن الشواهد التي ترد فيها على لسان السيف أشعار للقدماء تفضّل السيف على القلم قول أحدهم:‏
سل السيف عن أصل الفخار وفرعه‏..فإني رأيت السيف أفصح مقولا‏
ومما يرد على لسان القلم في تفضيله على السيف قول ابن الرومي:‏
كذا قضى الله للأقلام إذ بريت‏..أن السيوف لها مذ أرهفت خدم‏
على أن هناك مناظرات حقيقية جرت علانية بين أدباء معروفين وعلماء مشهورين كتلك التي قامت بين بديع الزمان الهمذاني صاحب المقامات والخوارزمي، ويقال إن الخوارزمي مات بعد قليل من الزمن عقب تلك المناظرة ولم تحتمل شيخوخته تلك الصدمة العنيفة.‏
الفضل في شيوع المناظرات الفقهية يعود إلى المعتزلة حيث اتخذوا من الجدل وسيلة لنشر أفكارهم لكن العصر العباسي مثل الفترة التي امتازت بالصراع الفكري الذي وقع في أوساط الفرق الإسلامية المختلفة وبين العلماء والأدباء على اختلافِ مشاربِهم، وقد كانت كل قضية فكرية تثير عددا من المعارك الكلامية التي يُتخذ لها ميدان في الكتب أو الرسائل أو المناظرات بين العلماء.
وتقول دراسة اشترك في إعدادها كل من الطيب زايد رابح من كلية الآداب جامعة بخت الرضا والمهدي مأمون أبشر من كلية الآداب جامعة الخرطوم، إن المناظرات تعد من أهم الفنون النثرية في العصر العباسي، كما تعدٌّ من الفنون الجديدة في النثر العربي، وقد نمت وازدهرت في القرن الثاني الهجري.
وقد كان لمجالس العلم والمناظرة مكانة سامية في العصر العباسي، لأنَّ خلفاء هذا العصر بحكم دعوتهم السياسية واستفحال أمر المدنية وعِظَم الحضارة في أيامهم، جعلوا من مراسيم بلاطهم وتقاليد ملكهم، عقد تلك المجالس إيناساً بالعلم وأهله وتنشيطاً للحركة العلمية، وتشجيع أربابها، وتقوية للدولة.
وفي بادئ الأمر كانت مجالس العلم مجالس للمناظرة والمذاكرة، تنعقد في المساجد وما يلحق بها من مدارس، ثم حبب إلى نفوس الخلفاء العباسيين استقدام العلماء إلى مجالسهم، وانعقاد حلقاتهم العلمية في قصورهم، وحاكاهم عِلية القوم وسائر الأمراء في ذلك.
ولقد اتخذ المهدي بن أبي جعفر المنصور مما كان يعقده للعلماء من مجالس، وسيلة لتحقيق مسائل الدين التي كان يتجادل فيها المتجادلون، وللردِّ على الزنادقة والملحدين. وطلب إلى العلماء أن يناقشوهم في حوارهم بمثل كلامهم من غير الاحتكام إلى القرآن والسنة، لأنَّ الجاحد لا ينبغي أن يُحتج عليه بما لا يؤمن به. فنشأ من ذلك علم الجدل والمناظرة وعلم الكلام، وانبنى على هذا أيضا، ترجمة علم المنطق ونقله إلى اللغة العربية، إذ هو أداة البراهين وآلة الفكر والبحث، كما اقتبس علماء الإسلام وأئمتهم علوم الرياضيات والطبيعيات والإلهيات، لاستخدام دقائقها من البراهين الفعلية والأدلة المنطقية.
وكان للمناظرات الأدبية دورٌ كبير في ارتقاء العلوم والآداب أذكت من روح المنافسة والحرص على التجويد. ومثل ذلك تلك المناظرة التي قامت بين الكسائي وسيبويه في العصر العباسي واستطاع الكسائي بدهائه أن ينتصر فيها على سيبويه الذي كان الحق معه ويظهر أن الصدمة كانت شديدة عليه فلم يلبث أن مات غمّاً.ويعود الفضل في شيوع المناظرات وازدهارها إلى المتكلمين وخاصة المعتزلة، حيث اتخذوا الجدل والمناظرة وسيلة اعتمدوا عليها في مباحثهم ونشر مبادئهم. وكان للجدل الفقهي، أيضاً، دورٌ في الارتقاء بفن المناظرات لاختلاف المذاهب الفقهية في بعض الفروع. وكان للعصبية إلى الشعراء وتعصّب النقاد لهذا الشاعر أو ذاك، إذكاءٌ لروح الجدل والمناظرة.
كما تأثر بعض الكتاب في العصر العباسي بالمناظرات الأدبية، فألَّفوا مناظرات خيالية كالمناظرة بين الديك والكلب عند الجاحظ وغيرها من المناظرات.ولم يقتصر فن المناظرة على الأدباء والشعراء والفقهاء فحسب، بل امتد ليشمل الطوائف الدينية والفرق التي لجأ بعضها إلى إعمال العقل بينما التزم البعض الآخر بالموروثات والنقل.
ومن المعلوم في تاريخ الفكر الإسلامي أن المعتزلة أعطوا للعقل نصيبا وافرا بين الأمور، يعتمد الحجة المنطقية في الرد، ويقدمون القياس للوصول إلى النتائج، فشهد العصر العباسي نشاطهم الملموس في مضمار البحث والمناظرة ومنذ أن عُرفوا كانوا “يحاورون أصحاب الملل والنحل في المساجد الجامعة، ومن حين إلى حين يحاور بعضهم بعضا في غوامض الفلسفة محللين مستنبطين، وكثيرا ما ردُّوا على فلاسفة اليونان واشتقوا لهم آراء جديدة، يدعمها العقل الذي شُغفوا به وبأدِّلته وبراهينه”.
فكثرت مسائل العلم وقضاياه، وتطلب ذلك أن يكون للاجتهاد مكانته في نشاط العلماء، وكل مجتهد يحاول أن يظهر رأيه ويدافع عنه، ويثبت نفسه في ميدان العلم أخذا وردا، فاستعَّرتْ نارُ المناظرات بين الفرق المختلفة، وأصبحت أسُس الحوار صلبة تحتمل ما يلقى عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.