سمير مرقص هو مفكر سياسي مصري، عيّنه رئيس جمهورية مصر العربية محمد مرسي يوم 27 أغسطس 2012 مساعدًا له لملف «التحول الديمقراطي». يُعد مرقص أول مسيحي يتولى منصب مساعد رئيس الجمهورية المصري. أسند إليه قبل عام من ذلك التعيين منصب نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشمالية. وفي أول حوار له منذ تعيينه، لفت إلى أنه يجب التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر على أنهم «واقع»، ودعاهم في الوقت نفسه إلى عدم إقصاء أي جماعة وطنية، وأن يعلموا أن «مصر لا تُبنى بلون واحد». استقال احتجاجًا على الإعلان الدستوري المكمل "نوفمبر 2012"، كما أنه كان قد انتخب عضوًا في لجنة صياغة الدستور الجديد إلا أنه استقال منها احتجاجًا على تشكيلها. وفي إحدى الندوات تحدث المفكر عن مجموعة من القضايا التي تسيطر على المجتمع المصري الآن ومنها قضية العنف، فيرى أنه إذا كان العنف قد تسيد المشهد في الشارع المصري، فيجب معالجة أسبابه الحقيقية، بعيدًا عن حل أمني يزيد المشكلة تعقيدًا. وطالب المفكر المصري جميع الأطراف بالتعامل مع عقلية شباب الثورة الذين يمتلكون رؤيا مغايرة بإمكانها أن تقدم حلولًا صائبة ومباشرة بعيدًا عن لغة التنظير. وتحدث المفكر سمير مرقص وقال: منذ عرفت طريقي إلى الكتابة والظرف واللحظة هما ما يفرضان عليّ الاختيار، فإذا أردت أن أتخصص في موضوع وجدت أنه من الأهمية معرفة موضوع آخر، ثم أكتشف أن الموضوعات "منفدة على بعض" مما يعني استحالة تناول أي موضوع من زاوية واحدة. ولفت إلى أن التعاطي مع الظواهر والقضايا قد خنقها التناول الضيق، واعترف بأنه كان منشغلًا في البداية بالعلاقات الإسلامية المسيحية في مصر، وسرعان ما اكتشف أن الموضوع ما هو إلا جزء من التجربة التاريخية في التعايش مع المصريين، ولا بد من رؤية الأمر في إطار اللحظة التاريخية التي تمتد جذورها إلى دخول الإسلام إلى مصر واختلاف الحكم إلى أن وصل للدولة الحديثة، وهو ما جعله يراها بشكل أعمق بوصفها جزءًا من سياق كبير. وأشار المفكر إلى مستجدات الدولة الحديثة التي قامت على يد محمد علي، وفرضت مساحات بحثية إضافة إلى دور الغرب، وتأثيره في العلاقات. وتطرق إلى التسعينيات والحريات الدينية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وشغفه بالوصول إلى ماكينة صناعة القوانين في أمريكا، وخلص في دراسته إلى أفق الحركة المجتمعية ودور الحركات الدينية واليمين المسيحي الجديد الذي يقترب من حركة الإخوان من حيث النمو والانتشار وخطابه السياسي. وأضاف: "ما أحاول قوله أن الدراسة تهب العمق وتوسيع زاوية الرؤيا، وكلما تضيق زاوية الرؤيا فإن تفسيرك لها ضيق". الحركات الدينية وتناول مرقص في حديثه قراءة الحركات الدينية خارج مصر ولاهوت التحرير في أمريكا وانحيازها للغلابة واقترابها من الاشتراكية، وهو ما جعله يهتم بكيفية تقدم هذه الدول وقال: ما أحاول قوله أن خبرتي هي خبرة الرؤيا ذات الزاوية الواسعة.. والخبرة المصرية مختلفة عن سوريا والشام.. فمصر لم تعرف نظام الطوائف، وهو ما جعلها تفتح أفق تأثير الغرب على العلاقات في إطار الخبرة المصرية المهمة في الإطار التي تعاملت مع الحاكم الوافد والتعاطي معه. وألمح إلى دراسته حول كتابات "برنرد لويس" في كتابه "الغرب والشرق الأوسط" الذي قام فيه بدراسة تحليلية للنص وهو ما ساعده لاحقًا في معرفة دور الغرب في إعادة تشكيل المنطقة. أما كتابه "الإمبراطورية الأمريكية" فقد كان يدور حول فكرة العلاقة والدين والدولة في أمريكا، ورؤية "ناين اليفين" للعالم، وأثر هذا على مجتمع مثل مجتمعاتنا، وخاصة الميكانزمات التي تساعد في الوصول إلى الحكم. وحول الإجابة عن سؤال هل هناك إمكانية في ظل هذا الصدام إلى التعايش؟ كان كتابه "الآخر والحوار والمواطنة"، وناقش من خلاله مفهوم الآخر فقهيًّا ولاهوتيًّا ومعيشيًّا، وكيف تعايش المصريون في إطار حاكم واحد ومستعمر وافد. وقال مرقص: إننا لم نقرأ تاريخ مصر جيدًا وكل ما وصلنا منه هو تاريخ السلطة وليس تاريخ الناس، وكنا نختار أسوأ ما فيه بجهل، وكنا نصدق الكثير من المغالطات التي نصل بها إلى مرتبة الحقائق مثل: "المصري خانع وطيب ولا يثور"، وتساءل هل الطيبة تمنع قيام الثورة؟. وأوضح أن المصريين من أول من قاموا بثورة ضد الإقطاع منذ الفراعنة، وهي الثورة التي ظلت ممتدة في عصر الولاة والدولة الحديثة، وأكد على أن المصريين في حالة مزمنة من الانتفاض والاحتجاج، وقال: إن التماثل الديني لم يكن ميزة الحاكم الوافد، فالحاكم المسلم السني لم يكن مختلفًا عن غيره وأرهق المصريين: الأقباط بالجزية والمسلمين بالخراج، وعمد إلى مص دمائهم، ولذلك فإن فكرة التماثل الديني والمذهبي لم تكن ميزة.. الحاكم هو الحاكم ولا شيء يهمه غير المصالح.. نموذج الدولة وصحح سمير مرقص نموذج الدولة العثمانية التي استمرت خمسة قرون، ونخورت فيها الامتيازات الأجنبية فتدهورت أوضاعها وخضعت للضغوط الأجنبية بشكل غير مسبوق. بينما يرى بعض السلفيين أنها نموذج للدولة مما جعلني أدرسها بعناية، ورأيت أن أكثر المؤيدين الدكتور الشناوي يسجل نقاط ضعف الدولة العثمانية. وهو ما يعني أن القول بأنها كانت "مودليز" لدولة دينية غير صحيح؛ لأنها في الحقيقة امتدت وتراجعت وانهارت وخضعت لضغوط أجنبية فيما يعرف بسلسلة الإصلاحات. ورصد مرقص انقطاعنا عن تاريخنا، وقال: إن هذا ليس مصادفة فمصر منذ بداية التسعينيات انقطعت عن جديد العلم. ولاحظ أن مدرسة التاريخ المصري والفلسفة والعلوم السياسية المصرية تجمدت عند نهاية الثمانينات فلم نقرأ جديدًا.. وتذكر مجلة العلوم الاجتماعية وأشار إلى مدرسة من الرموز في مختلف المجالات ظهروا مع عشرينيات القرن الماضي، ووصلت ذروتها إلى مستوى كبير في نهاية الثمانينات وتوقفت عند هذا الحد. وضرب مثالًا برسائل الماجستير والدكتوراه التي يقف فيها تاريخ أحدث المراجع عند نقطة معينة. وقال: "كنت أقوم بدراسة مسيحية وهي خريطة معرفية، فاكتشفت أن العلم متوقف عند نقطة معينة والعالم يسبقنا بكم مذهل، ومن شهرين شاركت في مناقشة رسالة دكتوراه وكان فيها جهد مهم إلا أنها متوقفة عند لحظة معرفية تجاوزتها منظومة المعرفة الإلكترونية، كما أن البحث لدينا جهده فردي وكل الباحثين هواة. وفاض مرقص بالحديث حول المواطنة، وهي القضية التي انشغل بها ونقلها إلى خارج مصر من مفهوم المواطنة بالمعنى القانوني والدستوري وعدد مراحل كثيرة للمواطنة. ونقل وجهة نظره حول الدستورية القانونية التي تتحدث عن حق المواطنة من منظور دستوري، وقال: إن من اشتغلوا عليها هما البشري، ووليم سليمان قلادة - رحمه الله -. وأضاف: "حاولنا أن نشتغل على المواطنة من منظور اجتماعي اقتصادي بمعنى متى تزدهر وتتقلص، وأوجدنا تعريفًا أن المواطنة هي حركة الحياة اليومية".. وثورة 25 يناير أسست لفعل المواطنة، فالشباب عندما تحرك أحدث تغيرًا ولو جزئي بوصف المواطنة، حركت الناس في إطار لمنظومة الاجتماعية. المسلمون والأقباط وتابع: لابد من فهم العلاقة بين المسلمين والأقباط وفق منظور أوسع، فعندما نقول: إن هناك توترًا دينيًّا بين الفريقين فلا يجب التعامل معه كنتيجة نتيجة، وإنما البحث في أسبابه وإشكالياته داخل المنظومة الاقتصادية المتوترة، فالعلاقة بينهما تزدهر عندما يزدهر الاقتصاد والدليل على ذلك عند دراسة جغرافيا التوتر الديني سنكتشف أنها المناطق الأكثر فقرًا والأقل تنمية، ففي الطبقات الفقيرة تكثر المشاكل الاجتماعية وعندما تصعد إلى المناطق الغنية تجد أن التوترات تقل، وترى المشاكل مختلفة تمامًا ولا يمكن التعامل مع المسلمين والأقباط بمنعزل عن مشاكل المجتمع. وعرض مرقص مراحل المواطنة منذ محمد علي ومرورًا بثورة 19، ثم عصر عبد الناصر والستينيات وأخيرًا عقب ثورة 25 يناير التي باتت فيها المواطنة حقيقة. وأشاد بتعبير أحد الشباب عندما سُئل عن ثورة يناير فأكد على أنها ثورة بدأ فيها سلطان الشعب وليس سلطان الحاكم، وقال مرقص: إن الدولة الحديثة المقوم الرئيس فيها الفرد والسلطة تكون للمواطنين والثورة تنقلنا إلى هذه المرحلة. وندد بالإعلان الدستوري ووصف الدستور بأنه دستور الغلبة، وشرعية الإكراه وممارسة العنف ضد المواطنين ويتضمن إعاقة للمرحلة السادسة للمواطنة. وقال: لم نزل كنخبة غير قادرين على الاستجابة للمستجدات السريعة للغاية مع كتل شبابية تمثل ثلث المجتمع المصري، وهم مصر القادمة، ولابد من الاستجابة لهم، فالأوطان لا تبنى بالأعمال الخيرية وإنما بمعدل تنموي، ودول كالهند، والبرازيل، وماليزيا قدمت ما يسمى بنموذج الدولة، والتنمية ليست مشروعات استثمارية ساذجة ومتخلفة. مهمة الثورة وأكد سمير مرقص أن الثورة لحظة تاريخية مهمة ودراستها لا تكتمل إلا بشهادات الشباب أنفسهم وقال: "قرأت الكثير من أعمال صدرت لشباب يكتبون تجربتهم منها كتاب "أهو ده اللي ثار" واستخدم فيه المؤلف - كما نرى - أغنية درويش بتنويع إيجابي، كما حاول أن يسجل الشباب شهادتهم الشفوية أو ما جاء على فيس بوك، وهو ما يكشف شيئًا بديعًا جدًّا على بساطته فيها من أن الحياة تمس القلب بشكل مباشر، وقرأت كتاب "مذكرت التحرير" لمجموعة شباب يكتبون يومياتهم بشكل متداخل خلال الفترة، واعتبرها كتابات معبرة جدًّا وتعطي أن هناك كتلة شبابية تفكر بطريقة مختلفة، وتكسر كل ما هو محظور ولهم طريقة جديدة علينا أن نفهمها. والمذهل أنهم يضعون حلولًا بسيطة لمشكلات كبيرة ومعقدة؛ لأن لغة الكمبيوتر لخصت الموضوعات في كلمات قليلة إنها "ثقافة الباس وورد". دنيا أخرى لها تصورتها وأفكارها.. سمعت حديثًا لمذيع مع شاب من شباب 6 إبريل قال له: رفعتم شعار "سلمية.. سلمية" فماذا عن المندسين؟.. فرد عليه ببساطة: إنها مسئولية الشرطة.. وبالتالي نحن أمام رؤية جديدة. أي سلطة جاءت أو سوف تأتي لابد أن يكون المعيار الأساسي للحكم فيها هو الاستجابة لمطالب يناير وإن لم يحدث ذلك فمن حق الثوار أن يستمروا، فالثورة لا علاقة لها بالانتماءات وعندما تضغط عليه يثور. وعن إضراب الأطباء وغيرهم من المهن التي تؤدي إلى تعطيل حياة الناس قال مرقص: الأوروبيون كونوا تقاليد السياسة عبر قرون، وهذه الخبرة تكون بالممارسة والظلم يولد الكفر!. وسخر مرقص من تعامل النخبة مع الظروف الراهنة وقال: نظريًّا أنا في جبهة الإنقاذ، والمشكلة أن التعامل مع المشكلة يتم بالمناورات نفسها، وكأن مصر هي هي قبل 25 يناير، بينما في الحقيقة أنها اختلفت وتطورت.. ومنحنى عملي كنائب محافظ تجربة اكتشفت فيها أن مؤسسات الدولة قد وصلت إلى انهيار كارثي ومرافقها لم يصرف عليها منذ عشرات السنين.. إننا في محنة ولا يمكن معها استخدام الحلول النمطية. وأضاف: مصر تعاني من مشاكل حقيقية منذ عقود والعلاج عبارة عن مسكنات، مصر متعرية من المرافق ومتدهورة وفي أزمة والخطاب الديني لا علاقة له بالواقع، وكأن مصر تكتشف هويتها من جديد، لم تكن مشكلة الهوية تشغل بال المصريين وعبقرية مصر أنها متعددة العناصر.. مصر مر عليها من الثقافات وهضمت وشكلت تركيبة حضارية تسمح لها بمسيحية خاصة، وإسلام الخبرة، المصرية المركبة.. ففي مولد النبي لا يمنع أن تبقى على التقاليد الفلكلورية الشعبية الفاطمية.. مصر محروسة بالسيدة خديجة والسيدة نفيسة والسيدة زينب.. استمرارية حضارية من إيزيس والعدزا والسيدة زينب. مشكلة التيار السلفي أنه انقطع عن الخطاب.. أنت أمام مركب متعدد العناصر لسبب أو لآخر ولا ننتظر من يفتي لنا، فهذه إهانة والأمام الشافعي غير مذهبه عندما جاء إلى مصر وتتلمذ على يد الليث بن سعد.