بعد زيادة سعر أنبوبة البوتجاز.. مصطفى بكري يوجه نداء عاجلا للحكومة    صلاح سليمان: المرحلة الحالية مرحلة تكاتف للتركيز على مباراة السوبر الأفريقي    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    48 ساعة قاسية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الجمعة (ذروة ارتفاع درجات الحرارة)    عبد الباسط حمودة: أبويا كان مداح وكنت باخد ربع جنيه في الفرح (فيديو)    صفارات الإنذار تدوي في عدة مقاطعات أوكرانية وانفجارات ضخمة في كييف    شهيد ومصابون في قصف إسرائيلي على بيت لاهيا    وزير الأوقاف ينشد في حب الرسول خلال احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي    اليوم.. الأوقاف تفتتح 26 مسجداً بالمحافظات    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    "الآن أدرك سبب معاناة النادي".. حلمي طولان يكشف كواليس مفاوضاته مع الإسماعيلي    تعرف على قرعة سيدات اليد فى بطولة أفريقيا    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    بسبب كشك، مسجل خطر يقتحم حي الدقي ورئيسه يحرر محضرا    القبض على سائق «توك توك» دهس طالبًا بكورنيش المعصرة    سباق الموت.. مصرع شخص وإصابة آخر في حادث تصادم دراجتين بالفيوم    نقيب الفلاحين يقترح رفع الدعم عن أسمدة المزارعين: 90% منها لا تصل لمستحقيها    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    عاجل| إسرائيل تواصل الضربات لتفكيك البنية التحتية والقدرات العسكرية ل حزب الله    خزينة الأهلي تنتعش بأكثر من 3 ملايين دولار (تفاصيل)    كمال درويش: معهد الإحصاء ب «الفيفا» أعطى لقب نادي القرن للزمالك    الصومال:ضبط أسلحة وذخائر في عملية أمنية في مقديشو    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024    رسميًا.. إعادة تشكيل مجلسي إدارة بنكي الأهلي ومصر لمدة 3 سنوات    رسميًا.. فتح تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والدبلومات الفنية (رابط مفعل الآن)    عيار 21 يعود للارتفاعات القياسية.. أسعار الذهب تقفز 280 جنيها اليوم الجمعة بالصاغة    بايدن: الحل الدبلوماسي للتصعيد بين إسرائيل وحزب الله "ممكن"    بعد فيديو خالد تاج الدين.. عمرو مصطفى: مسامح الكل وهبدأ صفحة جديدة    عبد الباسط حمودة عن بداياته: «عبد المطلب» اشترالي هدوم.. و«عدوية» جرّأني على الغناء    «ابنك متقبل إنك ترقصي؟» ..دينا ترد بإجابة مفاجئة على معجبيها (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    ضبط 5000 زجاجه عصائر ومياه غازية مقلدة بمصنع غير مرخص وتحرير 57 مخالفة تموين بالإسماعيلية    المؤبد لعامل لاتجاره في المواد المخدرة واستعمال القوة ضد موظف عام في القليوبية    حسن نصر الله: "تعرضنا لضربة قاسية وغير مسبوقة".. ويهدد إسرائيل ب "حساب عسير" (التفاصيل الكاملة)    التفجير بواسطة رسائل إلكترونية.. تحقيقات أولية: أجهزة الاتصالات فُخخت خارج لبنان    بارنييه ينتهي من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: لن نعود لقطع الكهرباء مرة أخرى    محافظ القليوبية: لا يوجد طريق واحد يربط المحافظة داخليا    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    حدث بالفن| هشام ماجد يدعم طفلا مصابا بمرض نادر وأحدث ظهور ل محمد منير وشيرين    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    النيابة تصرح بدفن جثة ربة منزل سقطت من الطابق السابع في شبرا الخيمة    نقيب الأشراف: قراءة سيرة النبي وتطبيقها عمليا أصبح ضرورة في ظل ما نعيشه    حكاية بسكوت الحمص والدوم والأبحاث الجديدة لمواجهة أمراض الأطفال.. فيديو    وكيل صحة قنا يوجه بتوفير كل أوجه الدعم لمرضى الغسيل الكلوي في المستشفى العام    البلشي: إطلاق موقع إلكتروني للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    رئيس جامعة القناة يتفقد تجهيزات الكلية المصرية الصينية للعام الدراسي الجديد (صور)    فيلم تسجيلي عن الدور الوطني لنقابة الأشراف خلال احتفالية المولد النبوي    أمين الفتوى: سرقة الكهرباء حرام شرعا وخيانة للأمانة    التحالف الوطني للعمل الأهلي يوقع مع 3 وزارات لإدارة مراكز تنمية الأسرة والطفولة    مرصد الأزهر يحذر من ظاهرة «التغني بالقرآن»: موجة مسيئة    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    الداخلية تضبط قضيتي غسيل أموال بقيمة 83 مليون جنيه    بينها التمريض.. الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد لشهادة معاهد 2024    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    فحص 794 مريضًا ضمن قافلة "بداية" بحي الكرامة بالعريش    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكانة مسارح الطفولة في أدب الأطفال
نشر في نقطة ضوء يوم 20 - 01 - 2020

يدرك الطفل كل ما يحيط به عن طريق حواسه الخمس بدايةً، فهو يعرف خطر النار بعد أن يحترق بلهيبها، ويعرف استحالة التقاطه القمر بعد محاولات كثيرة للمسه، ثمّ يتعلّم ويتعرّف على الأشياء حين يسمّيها باللغة الأم التي يترعرع في أحضانها مع أسرته شفاهة، إلى أن يشرع في تعلّم الرسم والتلوين والكتابة، ثمّ ينتقل نحو التفكير بشكل مجرد، ولعلّ مسرح الطفل من أكثر الوسائل نجاعة في تعلّم الطفل اللغة، التي تكسبه القدرة على التفكير السليم، وتضعه في سلوك تربويّ مقبول وفق قيم المجتمع وثقافته، كما تزداد قدرته – عن طريق مسرح الأطفال - على التخيّل والتجريد الذهنيّ، ويتعرف على كيفية المحافظة على صحته وفهم المجتمع ورسم معالم علاقته بالوجود والتكيف مع متطلبات الحياة؛ المستدعية تفهمه للقيم والمعايير الاجتماعية والوطنية والعقائدية، وغيرها.
وقد عدّ المسرح: "أداة تربوية ممتازة بالنسبة للطفل، وهو عملية تثقيفية وتعليمية وتهذيبية متكاملة البنيان، متعددة الأبعاد، فمسرح الطفل يكتسي خصوصيات وفوائد وانعكاسات تربوية ونفسية لا يوفرها له لا التلفاز ولا السينما"، ولكن هل يكتفي المسرح بتقديم ما هو قائم وموجود للطفل؟ هل يكفي أن نعرّفه بالقيم والعادات والتقاليد السائدة للالتزام بها؟
يتضمن مفهوم مسرح الطفل أبعادًا متعددة؛ أولها: أنّه أحد مكونات أدب الأطفال الأساسية، وثانيها: اندراجه ضمن مفهوم الفن المسرحي الذي لا يتحقق من دون عروض مسرحية، ولعلّ ارتباطه بالمراحل العمرية الطفلية المتعددة يمنحه بعدًا مغايرًا لأدب الكبار الراقي في المسرح والشعر والرواية والقصة، إذ لا بدّ لأديب الأطفال أن يعي طبيعة مشاعر الأطفال وأفكارهم واحتياجاتهم ورغباتهم وسمات المرحلة العمرية؛ التي يكتب لها، وقد ذكر نعمان الهيتي أن: "في أدب الأطفال تتجسد أفكار الطفل ومشاعره، وتراعى خصائصه ونموه"، وقد حدّد رغبات الأطفال بمحاكاة الجماد والطبيعة وسماع الأصوات وإظهار الدهشة مما يقع عليه بصره، ونمو مخيلته عن طريق سماعه الحكايات.
وقد كان للمسرح دورٌ تنويريّ منذ نشأته لدى الإغريق، ولم يكن للأطفال مسرح مختصٌ بهم، بل كانوا يسمعون الأساطير والملاحم مع الكبار، ويشاهدونها تمثيلًا على المسارح، وكان المتلقي يكتسب قيمًا معرفية وجمالية وسلوكية جديدة مع كل عصر مختلف عما قبله، إن كان صغيرًا أو كبيرًا، إلى أن بدأ أدب الأطفال في أواخر القرن الثامن عشر في فرنسا، ثمّ أخذ بالتبلور منذ القرن التاسع عشر في بلدان الغرب، أما مسرح الأطفال فتمايز في القرن العشرين، حيث ورث عن المسرح عبر التاريخ دوره التنويري الدافع متلقيه تّجاه الحرية والمعرفة، والكفاح ضد الفساد والكذب والقهر، وهكذا سيجد المتابع أنّ توجيه المسرح الطفل نحو الحفاظ على القيم السائدة لا يكفي، بل لا بدّ من الحضّ على التغيير من خلال الكشف عن العيوب النسقية المتغلغلة في بنية المجتمع.
إضافة إلى أنّ مسرح الطفل يشجع الطفل الدخول في تجارب متجددة، فيتوسع وعيه، وينمو خياله ويتعلم كيف يتجاوز الخلل المجتمعي، ويكسبه السلوك القويم بتأكيده على القيم الإنسانية من صدق ومحبة وحرية وشجاعة... إلخ، كما أنّ تكوين الذائقة الفنية والجمالية تتطلب مراكمة الخبرات منذ نعومة الأظفار، ولا شك من أن مسرح الأطفال يلعب الدور الأبرز بتوجيه الذائقة الجمالية، التي تبقى مع المرء طوال عمره، ولم يكن مسرح الطفل هو العامل الحاسم في تكوين الذائقة والسلوك والفكر، بل تعدّ الأسرة والمدرسة والشارع عوامل مؤثّرة أيضًا، ولكن يبقى مسرح الطفل هو الوسيلة الأكثر نجاعة والمؤثّرة بالمعنى الإيجابي على حياة الطفولة، بل البدئية برسم ملامح الذائقة الجمالية.
اتساق عناصر عرض مسرح الطفولة
إن الكتابة لمسرح الطفل يتطلب امتلاك ناصية اللغة أولًا، والتمكن من التقنيات الكتابية ونظرياتها سردًا أو شعرًا أو إيماء، ومعرفة التجارب الكتابية السابقة في المسرح، كما يشترط بالكاتب أن يكون ذا معرفة علمية شاملة بميادين المعرفة والأدب والفنون والعلم، وأن يعرف الأحوال النفسية للذين يستهدفهم وفق أعمارهم وبيئتهم الطبيعية والاجتماعية، ويضاف إلى ذلك ضرورة معرفة المسرحيّ، كاتبًا أو مخرجًا أو ممثلًا، ميول الطفل الفطرية تّجاه ألعاب محدّدة.
ومن المسائل التي يأخذها بعين الاعتبار رجل المسرح، ومن يعمل في مسرح الأطفال توجهات المجتمع القيمية والأخلاقية، واهتمامات أفراد الأسرة، إضافة إلى تواصله مع المدرسة لمعرفة تطبيقاتها التربوية؛ لتتوافق عروضه المسرحية مع الأهداف التربوية والسلوكية التي تطمح إليها مناهج التربية والتعليم، كما عليه التوجّه إلى الملعب والحديقة والشارع؛ ليراعي خصوصيّات المكان، الذي يعيش في كنفه الأطفال المستهدفون من عروضه المسرحيّة.
ولعل في اهتمام المسرح بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يسهم في اندماجهم المجتمعي، كما يوظّف في علاج بعض الأمراض النفسية كأمراض النطق وعيوب الكلام والانطواء والخوف، ويسهم في تنمية الفعل الحركي المندفع للطفل، كالمشي والجلوس والتعامل مع الأشياء بطريقة صحية وسليمة، وهذا غيض من فيض الوظائف التي يؤديها مسرح الطفولة.
ويشترط أن تكون لغة العرض المسرحي مفهومة، صورة ودلالة، وتستخدم بحسب الفئة العمرية المستهدفة من العمل المسرحي، وضرورة أن تكون حركات الممثلين متناسقة مع أفعالهم الدرامية، ومنسجمة مع سمات الشخوص التي تقوم بأدوار على خشبة المسرح، وبالطبع لن يكتفي المسرحي بالحركة، إذ أمامه الأصوات والموسيقى والغناء والصور المعينة والإضاءة المناسبة والماكياج والأزياء والديكور، التي لا يمكن رؤيتها إلّا من خلال سينوغرافيا خشبة المسرح المتصلة بمنصته وكواليسه من جهة، وبصالته وجمهوره والفضاء الذين يتكون مع عناصر بناء العرض المسرحي ألوانًا وإضاءة وأصواتًا... إلخ، من جهة أخرى.
أما أهم ما يهتم به الطفل فهو الحكاية المروية، التي ينتج من بنيتها السردية أحداثًا تشكل سياقًا واحدًا بتراتبية الأفعال الدرامية المتواترة وفق قانون السببية.
ثمّ لا بد أن يأخذ الفريق المسرحيّ في عروض مسرح الطفولة الموضوعات المعالجة، فالموضوع التاريخي يختلف معالجته عن الاجتماعي وعن الأخلاقي التعليمي وعن السياسي،... إلخ، حيث نجد أنّ لكل موضوع أحيازًا مكانية متغايرة تبعًا لخصوصية الموضوعات المطروحة.
ومن خصوصية مسرح الطفل؛ التي على المسرحيّ أن يأخذها بعين الاعتبار، ألّا يسمح أن يكون في العرض فراغات أو انحيازات التي قد تكون ضرورية في مسرح الكبار، كما أن اللغة تكون واضحة وبسيطة بعيدة عن لغة المجاز والاستعارة والكناية، التي تمنح عروض الكبار قيمة جمالية أعظم من المباشرة.
ويشار إلى ابتعاد موضوعات المسرح عن العنف والكراهية والحزن والصخب، فالحوار المفهوم غير المحمل بالصراع العنيف الذي تقوم به شخصيات مضحكة – غالبًا - هي المحببة للأطفال، ولعلنا نجد اختلاف ثقافات الشعوب، فتنوّعت الرؤى نحو مسرح الطفولة.
ملامح من أزمة مسرح الطفولة العربي
تتجلى قوة مسرح الطفولة ببلدان الغرب في الإقبال الشعبيّ على العروض؛ نظرًا لثرائه وتعدّد اتجاهاته وانفتاح عروضه على الجميع، وذكر أنّه أضحى مسرحًا منتجًا يسهم في رفد الاقتصاد الوطني ودعمه، ويتجدد مسرح الأطفال في الغرب باستمرار؛ إذ أخرجوه من العلبة الإيطالية ومن الأماكن التي يعيش الطفل في أكنافها، وحدّثوا الأفكار، وطوّروا في الوسائل والأدوات والتقنيات، وجعلوا منه الأداة التثقيفيّة الأساسيّة بمواجهة التطرف والانحراف والعنف.
وفي كل الأحوال فإن مسرح الأطفال لا يتوانى عن تنمية ملكة خيال الطفل، لذلك يجد المتابع كيف يصنعون الدمى أو العرائس بألوان صريحة وجريئة، ويقدّمون قسمات الوجه معبرة ومبالغ بإيحاءاتها، أو رسم الأعضاء حيث تكون كبيرة جدًّا، إذ يوظّف من يعمل في مسرح الأطفال خياله بحالته القصوى، إلى أن يخرجه عن عالم الوجود إلى عوالم الفانتازيا.
ويصيغ المسرحي رؤية تربوية تعليمية، عن طريق مسرحة المنهاج المدرسي لتحقيق الأهداف، و: "تكمن أهمية مسرحة المناهج بتنمية الحصيلة اللغوية والمعرفية والمعلوماتية، واندماج المسرح المدرسي بالمدرسة، ويحقق غاياتها وأهدافها"، تُرى أين موقع مسرح الطفولة العربي من التعريفات المحددة له؟ وهل يعيش في أزمة، أو أنّه معافى ويحقق أهدافه السلوكية للطفولة؟
أرجع حفناوي بعلي الأزمة التي يعيشها مسرح الطفل العربي إلى: "التخلف الثقافي والاجتماعي في وطننا العربي والنقص المخزوني النظري والمعرفي للإحاطة بنظرية مسرح الطفل"، ويتساءل المرء عن آفاق أدب الطفولة العربي بكل أقسامه وأطيافه، وعن الإرادة السياسية شبه المعدومة تّجاه الاهتمام بمستقبل الأمة، التي تتمزق نتيجة رعونة الساسة وصراعاتهم المبنية على ولاءات قروسطية، طائفية وقبلية، وربما حزبية على طريقة العائلة والعشيرة، وغير خافٍ على أحد عدم إدراك أصحاب القرار أهمية المستقبل المرهون ببناء مسرح طفولي متقدم، يضع الأمة في معمعان التنافس الحضاري، الذي ينتصر فيه أصحاب الثورات العلمية والفكر التنويري الوقّاد، ويعرف المتابع أنّ مسرح الطفولة العربي ما يزال أرضًا بكرًا، تكتنفها الوحوش والثعابين، وربما الشياطين، أرضًا عطشى تحتاج إلى تضافر جهود الجهات المجتمعية والسلطوية والدينية للخروج من حالة التماوت التي تعيشها فاعليات مسرح الطفولة العربي.
إنّ ما قدّم في العصر الحديث والمعاصر العربي من عروض مسرحية لا يتعدى تقليد المسرحيين العرب لتجارب الغربيين من دون اهتمام كافٍ بالموضوعات، التي تختص بمشكلات الأطفال العرب، ولعل ذلك ما جعل التفاعل مع المسرح الطفولي ضعيفًا جدًّا، مما امتنع عالم الطفولة عن تكوين طقوسٍ اجتماعية جميلة تساوقًا مع حضور المسرح كما هو كائن في الدول المتحضّرة، ومن الشواهد نورد تجارب البلدان العربية مع مسارح المدارس، التي أنشئت بقرارات فوقية، من دون أن تتابع وضعفت وبدأت بالتلاشي قبل أن تؤسس ثقافة طفلية عربية مؤصّلة، لنجد توقّف معظمها في النهاية، وإن وجدت في هذه المدرسة أو تلك، فعروضها لا يعتد بها، لأنها تنتج من باب الواجب الوظيفي، غير سائلين على تراكم ثقافة وتجربة وطريقًا في مسرح الأطفال يتجاوز ما نحن فيه من قهر وتخلف وفساد.
إنّ بناء مسرح الطفولة العربي هو مشروع تحديث مجتمع على أساس سوسيوثقافي، هو مشروع يعنى إلى جانب عالم الأطفال ومشكلاتهم، يعنى بفضاءات القراءة والمشاهدة والسماع والكتابة والنقد والتربية والجمال والإبداع والسلوك.
ولأنّ الأطفال هم الذين يحدّدون معالم المستقبل، فيجب أن يوجّه الخطاب الثقافي بصفتهم المركز بالنسبة إليه، وليس من كونهم قاصرين أو ضعفاء، أو كما ينظر إليهم المجتمع بمنظار التخلف، فيعامل الطفل كونه في طور النمو، وليس من حقوقه أن يمارس حريته وحياته كما هم البالغون، الذين يطلبون إذعان الطفل لتسلطهم التافه، ومن التجمعات المجتمعية من يعامل الطفل، كما لو كان كبيرًا؛ فيطالبونه بواجبات الكبار، من دون فهم لحقوقهم ولطبيعتهم الطفولية المختلفة عنهم.
وقلما يجد المتابع دراسات عن مسرح الطفولة العربي في الثقافة العربية الحديثة طوال القرن العشرين تقريبًا، وإن ظهرت بعض الدراسات عن مسرح الطفل في العقدين السابقين من الألفية الثالثة، إلا أنّ مسرح الطفولة لا يزال يكتنفه الغموض، بل التغييب، كيف لا وواقع الطفولة - برمته – في المشهد الثقافي العربي يرثى له، فأطفالنا مهجّرون ومشردون أو معتقلون أو مرهونون للموت في ظلّ حكام الموت والقهر والفساد والجهلّ.
تصنيفات مسرح الطفولة
مسرح الألعاب
الإنسان كائن يلعب، ويتحرك تماهيًّا مع الطبيعة التي تتحرك بشكل دائم، ولعل في الطقوس التي يمارسها الإنسان قدرًا كبيرًا من اللعب الذي عدّ: "واحدًا من أكثر جذور أو أصول الأداء المسرحي وضوحًا"، والإنسان يكتسب الألعاب اكتسابًا بالتدريب والتجربة، فإذا كان اللعب في الطفولة المبكرة فرديًا فإنّه يتطور ليغدو جماعيًّا مع الأم أو الأخ أو الأب ثم الأقران... إلخ، ومن هنا فالآخرون هم من يبنون شخصية الطفل، وإن كان للجينات الفطرية دور مؤكّد، إلّا أنّ التربية والتجربة، لاسيّما في المراحل المبكرة من عمر الطفل، تحدد ملامح الشخصية وسماتها الرئيسة.
ولعلّ حكايات الجدة أو الأم ولعبها مع طفلها هو الشكل الجنيني الأول لمسرح الأطفال اللعبي، ويستكمل باقتراب الطفل من الحيوانات ومحاولة لمسها ومخاطبتها، ثمّ ملاطفته ومناغاته للدمى التي يقدمها إليه الأهل، ثم نجد اللعب الجماعي الذي يعتبر أهم أشكال مسرحة أنشطة الطفولة اللعبية، حيث نجد في حلقات اللعب عناصر التعلم والتشويق والمنافسة والتجريب، ويقوم اللعب الجماعي على الأفعال الحركية والعقلية والعاطفية للاستحواذ على رضى الأقران.
يقوم مسرح الألعاب لدى الأطفال على الحركة العشوائية والصراخ والغناء وفق لحن يحدد في أثناء اللعب، ويبقى هذا المسرح مؤثرًا في شخصية الطفل حتى سن السابعة من عمره، إذ يبدأ دور المدرسة بتقويم لعبه لينتظم وفق أعراف الجماعة وقيمها المتوارثة، لا سيما من خلال إجباره على تخفيض صوته والاقتصاد في حركته.
وتكثر الطقوس والحكايات الشعبية والفكاهات والرقصات وتتخم بها أوطاننا، ولعلّ تنوعها عوضت الطفل العربي عن العروض المسرحية، لاسيّما في الفئة العمرية الأولى.
وفي المجمل فإنّ مسرح الألعاب يتميز بفطريته، وتتطور فاعليته بالاكتساب البيئي، فيجعل العصا حصانًا مثلًا، كما يقوم على التسلية واللعب والغناء والأصوات الصارخة، ويتوالد اللعب عشوائيًّا بمشاركة الأقران في مكان بعيد عن تدخل الكبار، ولكنّه غالبًا ما يراقب من قبل الأهل، ويوجّه بتقديم الدمى التي تصوّت والمكعبات الكبيرة التي تجسد الأشياء المحيطة بالطفل، وفي البيئات المتخلفة يجبر الطفل على السكون والصمت.
مسرح المدارس
يبدأ بسرد حكاية بشكل مشوّق عن طريق اللفظ والحركة، ويجب على السارد أن يكون صاحب خيال خصب؛ ليجعل المتلقي متشوقًا للأحداث التراتبية الحاملة رؤية مستقبلية واضحة في ذهن السارد، والمتضمنة أهدافًا سلوكية يختبر وصولها إلى ذهن الطفل من خلال تقييم مدى استجابته لها ذهنيًّا وعاطفيًّا بعد الانتهاء من روايتها.
في هذا المسرح يؤخذ بعين الاعتبار متطلبات المنهاج المدرسي وتحويل موضوعاته إلى حكاية مروية أو مسرحة الأحداث عن طريق اللعب، إضافة إلى تقويم السلوك بما ينسجم مع ميول الجماعة وعاداتهم الاجتماعيّة، ويتسم مسرح المدارس بمنهجيته ورؤيويته ومسرحته مواد المناهج التعليمية، إضافة إلى صياغة المفاهيم الجديدة
عن الطفل، ويتسم – أيضًا – بحكائيته الأسلوبية، ويتحقق تواصليًّا وإرشاديًّا عن طريق الوعظ والتوجيه، ولعل من سماته الرئيسة ارتكاز تقديمه على التسلية والمتعة والسرور في أثناء تأديته، لكنّه مراقب من قبل الكبار لمنع الصغار من تجاوز القيم المجتمعية والأخلاق السائدة، ومن الناحية الفنية فهذا المسرح لا حيز مكاني له، فلا ضرورة لخشبة ومنصة وصالة جمهور، فغرفة الصف أو ساحة المدرسة أو الحديقة أو الملاعب أو... إلخ صالحة لإنجازه.
مسرح الطفولة
يتضمن اللعب وسرد الحكايات ويستهدف تفعيل مهارات الطفل في التخييل والتذكر والتفكير والتحليل والتركيب والتأويل والتجسيد والتحقيق، ولعله يستوعب مفهومي الفكر والفن اللازمين لتطوير التفكر والتخيل لدى الطفل، وهذا يحتاج لتقنية الجدل والحوار وتقبل الأسئلة واستعداد المربي أو المسرحي أو الأديب للإجابة الصحيحة، مع اشتراط وجوده في بيئة الطفولة ومعايشة أفرادها؛ ليدرك انفعالاتهم ولغتهم وعواطفهم وأفكارهم، وتتجلى أهمية مسرح الطفولة في تهيئة الطفل القادر على الفهم والتذوق؛ ليكون عماد المستقبل.. وبناء عليه فمن الممكن أن يقوم الأطفال بأدوار تمثيلية، وربما إخراج عروضهم المسرحية من دون تدخل الكبار، وبهذا فالاهتمام بهذا المسرح ضرورة لبناء مستقبل المجتمع.
في مسرح الطفولة تجيب العروض المسرحية على سؤال وجودي يتعلق بمفهوم الإنسان السوي، كما يقدم مسرح الطفولة عروضه بحيث تكون منطقية في أحداثها ومتراتبة زمنيًّا، وممتعة في أثناء حصول المتلقي أو المسرحي على معرفة، ويشترط فيها التحليق بخيال الطفل من خلال منحه مساحات من اللعب كبيرة؛ وصولًا إلى امتلاكه رؤيا عن الوجود وبناء علاقته معه.
ومن سمات مسرح المدارس أنّ يمثّل تصورًا متكاملًا عن الفكر والفن والأدب وذلك عن طريق الملاحظة والمحاكاة والتعقل، ويتسم أيضًا بإدخال الطفل في عالم التسلية والشعور بالفرح، ولعله يشترك في خصائص مسرح الكبار، ومن ثمّ فيحتاج مسرح المدارس إلى خشبة ومنصة وصالة، وإلى كاتب نصّ وسينارست ومخرج، وإلى كل ما يتعلق بالتقنيات المسرحية وأدوات المسرحة ووسائلها التي يختص في دراستها وإعدادها السينوغرافي، ومن نافل القول، إنّ هذا المسرح يحتاج – كما في مسرح الكبار – إلى فريق عمل متكامل، ويضاف إلى الفريق الأطفال الذين يشاركون في العرض، ليسهموا في الإعدادات بما فيها كتابة النص وإعداد السيناريو.
يتناسب هذا المسرح مع المراحل العمرية لأجيال الطفولة، وهم في عمر المدارس حتى نهاية الحلقة الثانية من مرحلة المدارس الابتدائية، ويعد الأساس الذي يبنى عليه فن المسرح بشكل عام.
ويتطور مسرح المدارس، ليحدّد مؤدّو الأدوار التمثيلية علاقاتهم مع الوجود، إذ يستطيع الطفل في المرحلة المتقدمة من جيل الطفولة أن يتلقى تدريبًا تحت إشراف مخرجين وكتّاب نصوص وفنيين؛ ليسهم بإنتاج عمل مسرحيّ متكامل البنية للكبار، ثم يبدأ بالتوجّه، ليصبح رجل مسرح في المستقبل، ولا شك أن التدريب يقوم به محترفون في صنعة المسرحة وبقية متطلبات عروض المسرحية.
في مسرح المدارس من الممكن أن يتعرف الطالب على طاقات جسده ووظائفها بشكل علميّ وعملي، ويتعرف على مكونات عمليات المسرحة كاملة، من كتابة النص حتى كيفية بناء علاقة مع الجمهور، وتشكيل فريق مسرحي معهم ومع أهل المسرح، بمعنى آخر؛ يشرع المتدرب بعد سن الثانية عشرة من عمره في امتلاك الأدوات والوسائل والتقنيات المعرفية والجمالية والفنية المسرحية اللازمة للأداء المسرحي الرؤيوي المجسد لأفعال شخوص المسرحية التي تتجاوز اللعب والتسلية إلى بناء رؤى فكرية ضمن إطار النص المكتوب.
مسرح الدمى والعرائس
عرف العرب تجربة مسرحية على يد ابن دانيال في العصر المملوكي؛ إذ كان يصنّع دمى من الجلد ويلاعبها من وراء ستار، وكان مسرحًا معبّرًا عن واقع الحياة الاجتماعية.
ولعلّ ابن دانيال عرف هذا الفن عن طريق مسرح الدمى الياباني الذي نضج فيها، إذ صنّعوا دمى أو عرائس بالحجم الطبيعي للإنسان، وكان يتضمن إنشادًا وسردًا للقصص، وقد ينقلب المسرح تلقائيًّا وتشرع الشخصيات الرئيسة بالرقص مثلما ترقص الدمى بحركات غير منتظمة، ثمّ انتشر هذا الفن على وجه البسيطة لدى الشعوب كلّها، بصفته وسيلة ناجعة للتعليم والتربية موظّفًا الموسيقى والغناء والحركات المثيرة للعقل والوجدان، ولا تخلو عروضه من حكاية تسرد على المتلقين، وغالبًا ما يؤدّي هذا النوع من المسرح بالغًا متدربًّا على أداء جملة من التقنيات مستخدمًا أدوات ووسائل إبداعية، لخلق حالة من البهجة والمسرة والتسلية والفائدة في نفوس مشاهديه، وهو يقدّم لكل المراحل العمرية الطفلية، وقد يمتد إلى البالغين، ونحن نعرف أن مسرح كراكوز وعيواظ - الذي انتشر كثيرًا منذ القرن التاسع عشر في البلدان العربية - جنس نمطيّ لمسرح العرائس استهدف الكبار قبل الصغار للتأثير على سلوكهم وعقولهم.
إنّ مرونة انتقال مسرح الدمى في الأحياء والمدارس والبيوت يمنحه ميزة عن باقي أصناف مسرح الطفولة، كما أنّه يضمن فاعليات اللعب للفئات العمرية المبكرة، ويتميّز بقدرته على توصيل المعلومات وتحقيق الأهداف السلوكية في المناهج المدرسية في مراحل تدريسها كلها.
من مستلزمات مسرح الطفولة
إنّ أجواء الحكاية، سردها أو قراءتها أو تمثيلها هي الأساس الذي يبنى عليه مسرح الطفولة بشكل عام، وبداية، لا بد من وجود نصّ يتضمن حكاية يحدد استخطاطية أو استراتيجية للفئات العمرية المستهدفة ولموضوعاته وأهدافه السلوكية مع اقتراحات الكاتب التقنيات والأدوات اللازمة لنقل النص إلى عرض تمثيلي، ولعل قرين المؤلف هو المخرج الحامل رؤى فنية لتجسيد النص على خشبة المسرح أو مكان العرض، ثمّ يتكوّن فريق العمل الذي يضمّ الفنيين والممثلين، كما يؤخذ بعين الاعتبار ذائقات المتلقين واهتماماتهم؛ ليكونوا مسهمين في إنتاج العرض النهائي، كما هناك دور للناقد حيث: "يجب أن يتفرد ناقد مسرح الطفل ببحوثه حول إنتاج مسرح الأطفال وإعادة إنتاجه، كونه يحتاج إلى تسويق واستهلاك، مما يلبي بحسب منظومة حاجة الاستهداف في إطار البيان العقائدي العام قبل تلبية المالية والروحية".
والمسرح بشكل عام فنّ زماني يغلب على بناء نصّه الحوارية بين الشخوص، والمحاكاة للوجود الواقعي والطبيعي والتخيلي، وهو مولود التناص والحوارية مع نصوص أخرى، كما يشترط بأي نصّ مسرحي، أن يحمل رؤى جمالية ومعرفية وقيمية جديدة، ترتكز على نتائج العلوم المعاصرة، وتؤسس حالة وعي جديدة في المجتمع، ولعلّ مفهوم الذات الفاعلة، فردًا كان أو جماعة، التي تقدّم نفسها مستقلة عن طغيان العقل الجمعي رافضة مصادرة حق التفرّد، متجاوزة العيوب النسقية، راسمة معالم قيم جديدة أكثر إنسانية هو الأساس الذي يجب أن ينبني عليه مسرح الطفولة، ولعلّ في التذكير خيرًا، التذكير بممارسة القيم الإنسانية المتمثلة بالسلوك البشري الخيّر المفعم بمعاني السلام والصداقة، والعاطفة الإنسانية السمحة والمحبة، والميل نحو التعاون والمشاركة والحصول على المعرفة وتذوق الجمال وتهذيب النفس، وممارسة النظافة والحفاظ على الصحة، هي ما يسعى مسرح الطفولة على تأكيدها، إضافة إلى زرع روح التمرد على الفساد والجهل والاستعباد ومواجهة الظلّام والمحتلين والأشرار، وعدم الاستسلام للأهواء، والانتصار لتحقيق الرغبات المبنية على التخيل والعقل.
في مسرح الطفولة يكون عامل الحسم للغة التي تتضمن الأصوات والحركة والأفكار والتصورات الذهنية، ويظهر من خلالها الموضوعات والعواطف، وإذا كانت اللهجات العاميّة هي اللغة الأم التي تحتضن المولود، فيسمع الطفل من محيطه الببئي كثيرًا من المعارف والقيم ويتعلم السلوك المتوائم معه، فإنّ جماليات اللغة الفصيحة تكون إضافة لجماليات اللهجات المحلية، وهي ضرورة فالطفل يبدأ بتعلمها لحظة دخوله إلى الروضة، فيتذوق جمالها عن طريق الأناشيد والحكايات المروية التي تستهدف إكساب الطفل مفردات وعبارات جديدة يعبر بها عن أفكاره بأساليب مختلفة عما تعلمه في طفولته المبكرة.
ولعله يدرك من خلال تلقيه لمسرح الطفولة كيف يؤنسن الجماد عن طريق الحوار مع الأشياء والحيوانات، كما يتعلّم الطفل كيفية القراءة المستدعية وقفًا أو تنغيمًا أو سكوتًا أو تواصلًا عن طريق استخدامه لعلامات الترقيم.
وفي مسرح الطفولة تقدم الشخصيات متحولة من حالة إلى أخرى أكثر إيجابية، ويميل الطفل وينجذب لهذه الشخصيات التي تمنح العرض رؤى حركية وتحدد بداية الحدث المغاير لنهايته عن طريق إبراز محطات التحول التي مرّت فيها الشخصية، والتي تتشابك مع بعضها بعضًا مع إظهار التنوع في السمات والأفعال، وتكون الشخصيات – عادة - أقل عددًا من شخصيات مسرح الكبار.
ويميل الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخّرة الذين يشاركون ويتلقون عروض مسرح المدارس للمشاركة بالحدث المسرحي، لذلك يأخذ المسرحيّ بعين الاعتبار مشاركتهم الوجدانية والجسمانية في الأفعال الدرامية الممثلة، وغالبًا ما تستخدم صيغ الأسئلة في سياق النص أو العرض.
ويرتكز مسرح الطفولة على استشراف المستقبل، ولا يتماشى معه التصورات الجامدة والماضوية والمعلبة، بل يحتاج إلى رؤى استدلالية، توظّف كفاءات الطفل العقلية في الفكر والتخيل والتأمل ومهاراته السلوكية التي تنزع به تّجاه التغيير لبناء شخصيته بشكل حرّ ومسؤول.
يقوم مسرح الطفولة - في هذا العصر - على الأطفال القابضين على المعارف من مناهلها المعاصرة أكثر بكثير من الكبار، عن طريق قدراتهم التواصلية مع مواقع الشبكة العنكبوتية وممارسة الألعاب الإلكترونية والسرعة في إنجاز اللقاءات فيما بينهم، واكتساب مهارات مختلفة عما عرفه جيل ماقبل الألفية، وربما جيل الألفية، وقد ذكر أنّ "المسار المحدد نحو تفعيل ثقافة مسرح الطفل وإشراكه في العمل الإبداعي تبقى من المسؤوليات التي يجب عدم الاستهانة بها في ظل التطور المذهل وتوفر الإمكانيات". نحن أمام جيل ما بعد الألفية حاليًّا، الجيل الذي لا يزال في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وأكبرهم في سنوات الجامعة الأخيرة، جيل يحمل طاقات مختلفة تمكّنه من إنجاز مهام متعدّدة في نفس الوقت، غير قادر على الانتظار والصبر على ما يعكّر صفو حياة أفراده، كما كانت الأجيال التي سبقتهم تعتد بالصبر والجلد والانتظار، جيل مؤمن بقدرته على التغيير، على الرغم من عدم اضطراره - بالنسبة إليه - معرفة كلّ شيء عن الأرض والكون من أجل تغييره، وإذا كان مسرح المدارس يتفاعل مع طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية، فإنّ المسرح الجامعيّ ينفتح تجاه مسرح الكبار، ولا بدّ أن يقدّم رؤى مغايرة لما عرفه جيل الألفية وما قبلها من أجيال خائبة قياسًا للأجيال الجديدة.
إنّ الأسئلة المطروحة أمام مؤتمر الأطفال راهنًا تتعلق بالقراءة الموضوعية لحاضر المسرح العربي، وتحديد معالم أزماته: أين تتموضع أزمة مسرح الطفولة العربي ضمن أزمات المجتمع العربي؟ وما هي طبيعة العلاقات الجدلية بين أزمة مسرح الطفولة العربي وأزمات المجتمع العربي؟ وهل الوعي بثقافة الطفل ومستلزمات مسرح الطفولة وبأزمة غياب حقوق الطفل العربي وتهميشه تكفي لحل أزماته؟ ما طبيعة الصراعات التي يجب أن تعالج بصفتها مؤسسة لموضوعات الخطاب المسرحي الطفولي ومضامينه؟
لا يكفي أن نعدّد موضوعات المسرح العربي؛ التي تنوّعت من واقعية وفكاهية وخيالية وتاريخية ودينية... إلخ، التي غالبًا لم تستند على مرجعيات معرفية صحيحة، فهي استمدت مادتها الأولية من ترجمات تجارب مسرحية صدرت في الغرب تماهيًّا مع ثقافته، أو من التراث السلفي من دون أن يعالج ليكون عصريًّا، وحلّ هذه المشكلات الشائكة يتطلب البحث عن مرجعيات للكتابة على الصعيد الكوني عبر المثاقفة مع الشعوب الأخرى، وعلى الصعيد القومي والوطني والمحلي في ظلال التسامح والمحبة ووجود ألفة في التنوع الثقافي المتسم به مجتمعنا، ارتكازًا على نتائج الثورات العلمية المعاصرة، إضافة إلى:
- تقويم تجربة أدب ومسرح الطفولة العربيين موضوعيًّا، والتشجيع على تأليف النصوص وتقديم العروض بوحي من التكنولوجيا الرقمية المعاصرة، التي وسعت دائرة نقد النصوص والفنون لتشمل النقد الثقافي والاجتماعي والحضاري.
- دراسة مستويات الخطاب اللغوي، وتحديد طبيعة اللغة المستخدمة في كتابة النصوص وإعداد العروض المسرحية؛ وفق مبدأ الكشف عن جماليات اللغة العربية.
- البحث في ميادين الأساطير والسحر والخرافات والفانتازيا والحكايات الشعبية في رسم معالم مسرح جديد.
- توجيه القراءات النقدية لبلورة استخطاطية مناسبة تعين كتاب مسرح الأطفال في التحصّل على منهجية مناسبة لكتابة النصوص، ووصولًا إلى تشكيل فريق مسرحي متكامل بغية العرض في مكان مناسب.
- رسم خارطة طريق ثقافية لأدب الأطفال العرب، بحيث تشمل الفنون الزمانية والمكانية والإنشاد والفصاحة، وقد ذكر حفناوي أن مسرح الأطفال: "لا يمكن أن يتطور من دون أسس ورؤى لتكوين نظرية لأدب ودراما الأطفال التي تلخص عناصر نظرية أدب الأطفال في الإيقاع والخيال واللغة من جهة، والممتع والواقع والتلقي من جهة اخرى"، ومن ثمّ يعالج موضوع مسرح الطفولة العربي.
- إن تفكيك ما تمّ إنجازه في البلدان العربية من مسرح الطفولة بميادينه كلّها، يفسح المجال لتشييد رؤى جديدة مستمدة من روح جيل ما بعد الألفية، وهذا يستدعي عملًا ميدانيًّا للتنقيب في عروض المسارح وفي مجلات الأطفال وأرشيف التلفاز والإذاعة والسينما وكتب النقد المسرحي ونقد أدب الأطفال والمسرحيات المنشورة، والمسح الميداني لما يتم العمل به حاضرًا، لا سيما ما ينفذه الأطفال بأنفسهم، بعد عهد ثورة الربيع العربيّ التي تتمدّد منذ نحو ثماني سنوات في أقطار الوطن العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.