يصادف اليوم الثلاثاء التاسع من نوفمبر، وفي مثل هذا اليوم من عام 1989 احتفلت المانيا بذكري مرور عشرين عاما علي سقوط حائط برلين الذي اقامه الروس عام 1961 بطول 25 كيلو مترا بارتفاع مترين ليفصل بين الذل والهوان في المانياالشرقية وبين الابهة الديمقراطية في المانياالغربية.. وفي ذلك اليوم وقف الشعب يرقص وقفز مليونان من الالمان الي الغرب... كما يقول "انيس منصور" .. وفي التاسع من نوفمبر عام 1977 اطلق الرئيس العبقري انور السادات قنبلته الاختراقية في مجلس الشعب المصري في اخطر خطاب سياسي عرفته مصر المعاصرة وقال انه مستعد للذهاب الي اخر مكان في العالم حتي لا يصاب اي جندي عربي... وقال "انه مستعد للذهاب الي الاسرائيليين في بيتهم .. الي الكنيست ذاته ... لتحقيق الانسحاب .. والوطن الفلسطيني .. وتفويت الفرصة عليهم" .. وقال الرئيس السادات في افتتاح الدورة الثانية لمجلس الشعب "انني مستعد للذهاب الي جنيف دون التقيد باي اجراءات ... ولن تستطيع اي قوة في العالم ان تمنعني من المطالبة بالانسحاب الكامل ... وحقوق الشعب الفلسطيني"... قال الرئيس السادات "اننا لا نخشي علي الاطلاق اي صورة من صور المواجهة مع اسرائيل، بعد ان وضعناها في حجمها الطبيعي بعد حرب رمضان المجيدة واصبحت كيانا يمكن وقفه عن حد.. وردع عنوانه". وفي الساعة الثامنة من مساء التاسع عشر من نوفمبر اتجهت انظار العالم كله الي الرئيس انور السادات وهو يهبط في مطار بن جوريون مبتدئا رحلة السلام التاريخية ... قال الرئيس السادات قبل ان ينزل من الطائرة: "معي مقترحات عملية السلام... وانا اعلم تماما ماذا اريد".. وفي الساعة الرابعة الا الربع بعد ظهر العشرين من نوفمبر استمع العالم كله الي صوت السلام يعلنه السادات امام اعضاء الكنيست.. حطم السادات تقاليد وتجاوز خرسانات واقتحم مجهولا من اجل وطنه وشعبه .. قبل ان يقتحم شعب ذاق مرارة القسوة والظلم ليهدم سور العزلة والحرمان باثنتي عشرة سنة كانت فاصلة بين تحطيم السادات لاسطورة اسرائيل وتحطيم الالمان لاسطورة الديكتاتورية والشمولية.. وبعد قنبلته بالكنيست بعامين وفي السادس والعشرين من مارس 1979 وقعت مصر مبادرة السلام... وسأكتفي في هذا المقال استعراض ما كتبه قامات كبري عن هذا الحدث في حينه... يحيي حقي ... "لقد ترك الرئيس السادات اثرا عميقا في نفسي خاصة بعد ان استمعت اليه مرتين.. فعقب كل حديث رفعته الي اقصي قمة ممكن ان يبلغها اعجابي بانسان فكان حديثه الاول مع وفد الكونجرس قبل سفره الي اسرائيل، والحديث الثاني هو خطابه في الكنيست الذي عبر فيه عن كل ما يعتمل في نفوسنا في منطق صحيح... ولقد فوجئت بمبادرة الرئيس السادات للسفر الي اسرائيل ولكن مثل هذه المفاجأة لا تستغرب لانه قد قال مرارا انه لا يهتم بالشكليات ويؤمن بالسلام". نجيب محفوظ: "ظاهريا تبدو مبادرة الرئيس السادات وكانها احدثت شقاقا بين العرب، ولكن يجب ان نتذكر ان الموقف العربي لم يخل من شقاق في اسعد ايامه واوقاته، لذلك نعتبر الشقاق الاخير اهون من سوابقه بالنظر الي انه جاء نتيجة محاولة حسم لحل القضية المستعصية منذ ثلاثين عاما، وهو في الوقت نفسه شقاق مؤقت لانه اذا تمخضت المبادرة وما يتلوها من اتصالات عن حل معقول للقضية فسيمحي الشقاق بطبيعة الحال". احسان عبد القدوس: "انا اعتبر ان السلام هو التعايش والواقع ان مصر كانت ومازالت بلد التعايش بين المسلمين واليهود والمسيحيين، وقد وصل هذا التعايش الي جميع المستويات، سواء من الناحية الاجتماعية او السياسية... ومن المعروف ان العرب كلهم وعلي رأسهم مصر لم يعرفوا ابدا بانهم ضد السامية لانهم هم انفسهم ساميون... واليهود اولاد عمومتنا فعلا ولولا الشر الذي يتشكل احيانا في صيغ سياسية كالصهيونية لكنا قد عشنا العمر كله كأولاد عم في عائلة واحدة". صلاح طاهر: "ان الفن لا يزدهر الا في جو من الحرية، ولا توجد حرية بغير امن، وفي اثناء الحروب يتقلص ابداع الفنان، وتحد حريته وينكمش فنه، ويدور الفن في دائرة مفرغة قصارها عمليات من التعبير عن الخراب والدمار، وتتجدد عمليات التعبير هذه طوال فترات الحروب، وهي عملية تعبيرية فائدتها محدودة، ومرهونة بملابسات تقيد من انطلاق الفنان وابداعه ومهما كانت هذه المبتكرات التي يبدعها الفنان، فانه بالقطع ستكون غير سارة لمن يتلقاها من خلال العمل الفني .. هذه المبادرة الشجاعة هي اسهامة حقه في اضفاء الرفاهية والطمأنينة علي الجنس البشري كله في عصر لا يستقر فيه الامن، ويهدد الدمار سلامة الانسان وسعادته... لذلك كان الاقتراح بترشيح الرئيس لنيل جائزة نوبل في نظري اقل ما يمكن ان يعطي له". السندباد حسين فوزي:"المبادرة عمل بطولي فدائي لان الرجل قدير علي معني المخاطرة من كل نواحي المخاطرة، وهو يقتحم طريقه الي الخط الفاصل بين الحرب والسلام... والسادات لم يكن في يوم الايام من السياسيين التقليديين، ولكن ممارساته السياسية اثبتت انه فوق الدبلوماسية، وانه رجل دعوة بمعني الكلمة ... والرئيس السادات في تحركه نحو السلام يمثل نبض الشعب المصري، وكثيرا ما قلت في كتبي ان شعب مصر يمثل بطبيعته شعب السلام، وانه صانع حضارة اكثر منه مثير حروب... لقد اثار السادات دهشة العالم بخطاب نموذجي في اداب السياسة والحرب والسلام". يوسف ادريس: "لا يوجد عاقل واحد في الدنيا مهما كان اتجاهه يستطيع ان يقول للسادات (اخطأت)!.. السلام ليس هو الخطأ... ان الحرب في احيان تكون خطأ... بل احيانا الجرم الاكبر.. والسلام هو لغة العصر ... والمفاوضات هي اداته". واخيرا... فلتكن كلمة عبد الرحمن الكواكبي خير ختام حينما قال" "إن الترقي يعني الحركة الحيوية اي حركة الشخوص والمجتمعات، ويقابله بالضرورة الهبوط وهو الحركة الي الموت او الانحلال... واذا رأينا في امة _ اي امة _ اثار حركة الترقي هي الغالبة علي افرادها حكمنا لها بالحياة، ومتي رأينا عكس ذلك قضينا عليها بالموت" ... رحم الله الرئيس السادات. E mail: [email protected]