طرح أسئلة علي المرشحين حول معتقداتهم الدينية ينبغي ألا ينظر إليه كمؤشر علي موقف معاد للدين. بل علي العكس، ذلك أن هذا النوع من الأسئلة يأخذ الدين علي محمل الجد _ أكثر جدية من مواقف معظم سياسيينا ووسائل إعلامنا من الدين حالياً. وسط حملته الرئاسية ضد ريتشارد نيكسون قبل خمسين عاماً، ألقي السيناتور جون إف. كنيدي خطاباً في هوستن يروم تبديد مخاوف الناخبين بشأن ديانته الكاثوليكية، شدد فيه علي أن الفصل السادس من الدستور ينص علي أنه لا "اختبار ديني" يمكن أن يمنع مرشحاً من التطلع إلي منصب سياسي. وذهب "كنيدي" أبعد من ذلك ملمحاً إلي أن ديانته الكاثوليكية ينبغي ألا تكون مجالاً للتدقيق العام، ومعتبراً أن التعامل مع المعتقدات الدينية لرجل سياسي علي أنها غير ملائمة سياسياً، يعد إهانة لتقاليد المواطنة النبيلة في أمريكا. مثَّل الخطاب نجاحا كبيرا _ ليس فقط لأنه ساهم في فوز كنيدي، بل لأن تأثيراته الطويلة هي إقناع الصحفيين والنقاد والمواطنين بشكل عام بعدم التساؤل بشأن التداعيات السياسية لمعتقدات المرشحين الدينية. ولئن كان من المقبول حينها بحث وتقييم الأخطار العامة ل"الدين" في الحياة العامة، فإن تقييم معتقدات خاصة بات ينظر إليه علي أنه ضرب من ضروب التعصب. ولكن ليس لوقت طويل، ذلك أنه منذ صعود "اليمين" الديني في أواخر السبعينيات، عمل المتدينون التقليديون علي إدخال الدين إلي المجال السياسي، حيث دفعوا الشخصيات العامة إلي وضع معتقداتها الدينية في صلب هوياتها المواطنة وحملاتها السياسية؛ كما خطا الرؤساء الأمريكيون، من جيمي كارتر إلي جورج بوش، خطوات واضحة نحو إرضاء وتلبية هذا التوقع. واليوم، توجد معتقدات أوباما في صلب النقاش العام؛ ذلك أنه إذا كانت شخصية "فوكس نيوز" جلين بِك تنتقد مسيحية أوباما، فإن قرابة خمس الأمريكيين يعتقدون خطأ أن الرئيس مسلم. وقد يكون من المغري هنا التشبث بحجة كينيدي القديمة والرد علي ذلك بالقول إن ديانة الرئيس لا علاقة لها بالموضوع، وإنها ليست موضوعا للتداول، ولكنها لا هذا ولا ذاك في الواقع؛ ذلك أن السجالات حول بناء مركز إسلامي في مانهاتن وتهديد قس كنيسة في ولاية فلوريدا بإحراق المصحف في الحادي عشر من سبتمبر تُبرز أهمية آراء الزعماء السياسيين حول الدين. وبدلاً من الإقدام علي المهمة المستحيلة المتمثلة في إقصاء الدين عن الحوار السياسي، فإننا في حاجة إلي نوع جديد من الاختبار السياسي لزعمائنا. وخلافا للاختبارات التي ينص عليها الدستور، فإن هذا الاختبار لن يهدد بمنع المنتسبين لديانات معينة من المنصب العام رسمياً. ولكن لما كانت القناعات الدينية لا تتناغم دائما مع ممارسة الحكم الديمقراطي، فإن السماح للناخبين باكتشاف هذا التنافر والاختلاف أمر مشروع تماما. كل ديانة تتميز عن الأخري بمعتقداتها الخاصة حول التاريخ البشري، والعالم، إنها ادعاءات ملموسة وخاصة حول وضع المجتمع الديني بصفة عامة، وحول طبيعة السلطة الإلهية والسياسية، وحول موقع النبوءة في الحياة السياسية والدينية، وحول نطاق المعرفة الإنسانية، وحول دور الدين في التاريخ البشري، وبالتالي، فإن مواقف الزعماء من مثل هذه المواضيع قد تختلف؛ ما يعني أن معتقداتهم قد تتعارض مع متطلبات وشروط الحياة السياسية الديمقراطية وقد لا تتعارض. ومن أجل مساعدتنا علي اتخاذ القرار، ينبغي علي كل المرشحين الطامحين إلي شغل مناصب عامة عليا أن يجروا الاختبار الديني، الذي يمكن أن يشمل الأسئلة التالية: كيف يمكن لعقائدك وممارساتك الدينية أن تتعارض مع إنجازك لمهام منصبك؟ وكيف سيكون رد فعلك في حال أصدرت كنيستك مرسوماً دينياً يتعارض مع واجبات منصبك؟ وما الذي تعتقد أن البشر يمكن أن يعرفوه بشأن الطبيعة والتاريخ؟ وهل تعتقد أنه ينبغي استعمال القانون من أجل فرض الآراء الدينية بشأن أمور معينة؟ بيد أن طرح أسئلة علي المرشحين حول معتقداتهم الدينية ينبغي ألا ينظر إليه كمؤشر علي موقف معاد للدين. بل علي العكس، ذلك أن هذا النوع من الأسئلة يأخذ الدين علي محمل الجد _ أكثر جدية من مواقف معظم سياسيينا ووسائل إعلامنا من الدين حالياً. والواقع أن حوار القس "ريك وارن" مع "ماكين" و أوباما خلال حملة 2008 الرئاسية كان خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن كان "وارن" محاوراً "طيباً" جداً لدرجة أنه سمح للمرشحين بالحديث باستعمال عبارات مبتذلة وكليشيهات؛ غير أن الأحسن من ذلك ربما هو نقاش رئاسي خاص يخصص للدين والأخلاق يطرح فيه الصحفيون والزعماء الدينيون أسئلة مركزة حول معتقدات المرشحين. ذلك أنه من المهم جداً إذا كانت ديانة مرشح ما مجرد تعبير عام عن ديانة مواطنة أمريكية _ أو ما إذا كان سيعلن، لدي إجرائه الاختبار، (مثلما فعل كينيدي) أنه في حال وقوع صدام بين ولائه الديني والسياسي، فإن الأولوية تُمنح دائما للدستور. كانت تلك الحالات السهلة؛ أما في الحالات الأخري _ عندما ينكر السياسي الحاجةَ إلي الاختيار أو الشرح، مشدداً فقط علي أنه من الممكن المزاوجة بين معتقداته الدينية والحكم الديمقراطي في مجتمع تعددي - فعلينا أن نحفر وننبش عميقاً حتي نحدد كيف من المرجح أن يفكر هذا المرشح ويتحرك عندما تتصادم المطالب المختلفة لهذين المجالين، مثلما سيحدث بكل تأكيد. إن خطاب أوباما عام 2008 حول القس "جيرميا رايت"، وعقيدته المسيحية، وتقاطعها المعقد مع القصة المؤلمة للعرق في أمريكا يبرز كمثال جيد لكيفية إجراء الاختبار الديني _ والنجاح فيه؛ فقد قاوم أوباما إلقاء ذلك الخطاب، ولكن العديد من الأمريكيين تمكنوا من معرفة أشياء مهمة حول الرجل وعقليته عندما استمعوا إليه وهو يتحدث حول بعض من أعمق المسائل السياسية والروحية والأخلاقية في الحياة. وبالتالي، فمن شأن عملية سياسية أرغمت المرشحين علي الانخراط بانتظام في مثل هذا التفكير حول التوترات والعلاقات بين الدين والحكم أن تساهم في زيادة التفاهم الديني الذي ما أحوجنا إليه هذه الأيام.