اشترطت الحكومة السودانية عدم التدخل في آراء الجنوبيين للاعتراف بنتيجة الاستفتاء علي مصير جنوب السودان المقرر في 9 يناير المقبل، في حين طلبت حكومة الجنوب نشر قوات حفظ سلام علي طول حدوده مع الشمال. وقال وزير الخارجية علي أحمد كرتي عقب اجتماع وفد مجلس الأمن الدولي مع علي عثمان طه نائب الرئيس السوداني وعدد من المسئولين إن الحكومة أكدت التزامها بنتيجة الاستفتاء وحدة أو انفصالا، مؤكدا سعيها لاستدامة السلام وتنفيذ كل بنود اتفاقية نيفاشا "وسط كثير من التعقيدات". وذكر كرتي أن الحكومة طالبت بوقف بث أجواء الحرب التي تتبناها بعض الدول، داعيا إلي المعاملة المتوازنة بين الحكومة ومخالفيها، وأكد أنها ماضية في تنفيذ استراتيجيتها حول تحقيق السلام بدارفور. وكانت قوي سياسية سودانية معارضة - أبرزها حزبا الأمة والمؤتمر الشعبي- قد عبرت عن خيبتها إزاء اللقاء الذي جمعها بالوفد الدولي، معتبرة أنه كان بمثابة "حفل استقبال لا أكثر" ومشيرة إلي أنه لم يتطرق لجوهر قضايا البلاد. وزار الوفد إقليم دارفور، وأبدي قلقه علي لسان المندوبين البريطاني مارك ليال جرانت والأمريكية سوزان رايس من تصاعد العنف، وطالب بتوفير حماية أكبر للاجئين ولقوة حفظ السلام. لكن حاكم ولاية شمال دارفور عثمان يوسف كير اتهم الوفد بإصدار أحكام سياسية، ودعاه إلي تبني نظرة أكثر حيادا، كما حذر من أي محاولات لإضعاف الدور الحكومي، مشيرا إلي أن ذلك سيؤدي إلي إبطاء عملية السلام. وبالتزامن، قال دبلوماسيون إن رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت طلب من وفد مجلس الأمن نشر قوات حفظ سلام علي طول الحدود المفترضة بين شمال السودان وجنوبه قبل إجراء الاستفتاء وهو ما رفضته الخرطوم. وأوضح الدبلوماسيون أن أعضاء الوفد اتفقوا علي دراسة الطلب الذي تقدم به سلفاكير خلال اجتماع في جوبا عاصمة الجنوب الأربعاء الماضي. وقال دبلوماسي آخر رافق الوفد الدولي إن اتفاقية السلام الشامل لا تنص صراحة علي نشر قوات، "لذا قد يتطلب الأمر بعض التعديلات". ونقل مراسل الجزيرة في الخرطوم عن مصادر رسمية سودانية رفضها لهذا الطلب، مؤكدة أن ذلك سيؤثر علي أجواء الاستفتاء وسيؤدي إلي تعقيد الأمور. وفي تطور آخر، حذرت الحركة الشعبية من تكرار التجربة الرواندية في السودان، مشيرة إلي أن "ثقافة الكراهية هي التربة الخصبة لما حدث في رواندا"، وطالبت وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة كمال عبيد بالاستقالة مع وجوب محاسبته لقيادته تيارا يدعو للفتنة بين الشماليين والجنوبيين عقب استفتاء الجنوب علي حق تقرير مصيره. وقالت الحركة في بيان إن الوزير "يستخف بالدستور ويضرب أسس المواطنة ويدعو لنسف آلاف الأعوام من الإرث المشترك بين السودانيين الشماليين والجنوبيين، كذلك يقوم بابتزاز الناخبين الجنوبيين في شمال السودان قبل الاستفتاء ويضع أسسا لعنف لفظي يعقبه العنف المادي". وفي السياق نفسه طالب مجلس سلاطين جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق مجلس الأمن الدولي بالمساعدة في ترحيل النازحين الجنوبيين بالشمال إلي مناطقهم الأصلية بالجنوب قبيل موعد الاستفتاء. وأعلن المجلس في مذكرة دفع بها إلي وفد مجلس الأمن مسئوليته المباشرة في ترحيل الجنوبيين المقيمين بالشمال، مطالبا مجلس الأمن بتوفير ثلاثة آلاف عربة لنقلهم، ودعا إلي إجراء الاستفتاء في موعده بجانب إجراء المشورة الشعبية لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. واستعجل مجلس السلاطين إعلان نتيجة التعداد السكاني المعاد في جنوب كردفان وتسريع خطوات حل أزمة دارفور وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وتشكيل مفوضية حقوق الإنسان. كما أدان اعتقال بعض الطلاب الجنوبيين في المسيرة التي نادت بانفصال الجنوببالخرطوم، مطالبا السلطات بإطلاق سراحهم علي وجه السرعة وتقديم الخدمة الطبية. وفي استعراض علني نادر الحدوث لغاية الآن اشتبك مؤيدو استقلال الجنوب مع شرطة مكافحة الشغب ونشطاء مؤيدين للوحدة في العاصمة السودانية الخرطوم. واندلعت الاشتباكات في الخرطوم بعد أن برز نحو 25 جنوبيا يلوحون بلافتات ويرددون شعارات تدعو إلي الاستقلال في حين كان نحو 3000 شخص يتظاهرون تضامنا مع الرئيس السوداني عمر البشير. وقد تدخلت شرطة مكافحة الشغب وفرقت الطرفين، واعتقلت عشرة من المتظاهرين الجنوبيين، مؤكدا أن الأوضاع عادت إلي الهدوء. من جهة أخري أعرب المبعوث الأمريكي السابق إلي السودان أندرو ناتسيوس عن اعتقاده أنه سيتم تأجيل الاستفتاء بالسودان. وحسب ناتسيوس الذي عمل مبعوثا خاصا للسودان في الفترة بين عامي 2006 و2007، فإن الاستفتاء المرتقب يقوضه الأسلوب الذي يسبب التباسا وتشويشا في مغزاه ومعناه، وكذلك العملية المتباطئة الخاصة بالتحضيرات اللوجستية لعمليات الاقتراع، إلي جانب بعض المشكلات الأخري. يذكر أن المبعوث الأمريكي الحالي للسودان سكوت جريشن يقوم بزيارات مستمرة لهذا البلد، لمواصلة الضغط علي كلا الجانبين من أجل إجراء استفتاء ناجح.