إيمان رسلان الصدفة فقط هي التي جعلتني أطلع علي كتابي الدراسات الاجتماعية والتربية الدينية للصف الرابع الابتدائي.. وبعد مطالعتهما قررت اغلاق الكتابين وأدركت ان مادتين علي هذه الدرجة من الأهمية في تكوين عقل التلميذ.. تصاغ المادة العلمية بهما بمثل هذا الاستخفاف- لا يمكن ان تساعد ليس علي تكوين قومي أو وطني للطفل، بل حتي علي التفكير العلمي المنطقي. ولنبدأ بكتاب الدراسات الاجتماعية الذي يبدأ درسه الأول بالتعريف بالمادة أي مفهوم الدراسات الاجتماعية.. نظراً لأن التلميذ يدرس لأول مرة في حياته مواد الدراسات الاجتماعية أي التاريخ والجغرافيا.. ولا أعرف سر تأخر تدريس التاريخ والجغرافيا إلي سن 10 سنوات للطالب ولماذا لم يدرسهما في سن مبكرة عن ذلك سواء عن طريق إدخالهما كموضوعات مستقلة في مناهج اللغة العربية، أو ان يبدأ دراستهما مبكراً، ولماذا نترك أطفالنا في مراحل التكوين الأولي بدون أي معلومات صحيحة حتي عن تاريخ مصر وموقعها ودورها؟ المهم بعد الصفحة الأولي والتعريف يأتي الدرس الأول بعنوان التضاريس وتترك للمدرس شرحها في سؤال عن أشهر الجبال وسؤال آخر عن أهم سواحل مصر والمدن الواقعة عليها ثم يلي ذلك مباشرة أسئلة من أنواع النبات وعلاقتهما بالمطر؟! ويستمر الكتاب في هذا الفصل علي هذا المنوال من الأسئلة بدون أي معلومة للطالب ثم الدرس الثاني عن مفهوم الخريطة وبه صورة صغيرة جداً لخريطة صماء لمصر ثم صور باهتة كلها لمنطقة كوبري قصر النيل - بالقاهرة - ثم حديث عن رموز الخريطة وكيفية فهمها- أما الأغرب فهو ان كل سطر به سؤال، فأين المعلومة حتي اجيب عن السؤال اصلا؟ فمثلا السؤال حول اكتب ملاحظات حول خريطة لمنطقة قصر النيل بها اسم نادي الجزيرة وفندق مشهور، والمطلوب ان يكتب ما يلاحظه الطالب ألم يكن من الأفضل مثلا ان نعطي للطالب اسم المدينة التي تضم هذه المناطق حتي يتعرف الطالب علي وجود هذه المعالم بمحافظته- حتي علي سبيل الحفظ والتلقين- ثم كان الأعجب في هذا الباب الذي ينفتح به حياة الطالب لدراسة الجغرافيا هو اسئلة من نوع اذكر اسماء الموانئ والمطارات علي خريطة مصر؟! وهذه أسئلة عجيبة ومدهشة للغاية لاني اثق ان 99% من شعب مصر لا يعرف اسماء الموانئ والمطارات بها أو موقعها علي الخريطة ألم يكن من الأفضل ونحن نتحدث للطالب لأول مرة أن نفتح عقله بخريطة للوطن مصر التي يحمل هويتها، ثم بالتدريج نعرفه علي أهم المدن بها والعاصمة مثلا ثم نتحدث معه تدريجياً عن موقع مصر وأهميتها ونهر النيل والصحراء إلي آخره.. أليس من الأفضل ان أعطيه المعلومات أولاً عن وطنه وموقعه بدلاً من تأجيل ذلك إلي الجزء الأخير من الكتاب والأهم ألا أصدم الطالب في أول صفحة له مع الجغرافيا بأسئلة عويصة لا تساعد الطالب علي حب المادة نفسها أو حتي مده بالمعلومات التي تساعد في بناء شخصيته. أما الجزء الآخر من الكتاب والمتعلق بالتاريخ فالحمد لله بدأ بالحديث عن الحضارة الفرعونية باعتبارها أقدم حضارة إنسانية ولكن لم يكن من الأفضل ان يخصص صفحتان أو ثلاث للحديث أولاً عن هذه الحضارة وتاريخها قبل الانتقال إلي معلومات تفصيلية مثل الإدوات المستخدمة وعصر البرونز والحديد مع ملاحظة مهمة هي كثرة الأسئلة أيضا في كل فقرة فالكتاب عبارة عن عنوان فقط ثم سؤال عليه؟.. وهذا منطق غريب لاعداد كتاب مدرسي، فإذا كان الهدف هو ان يبحث الطالب بنفسه عن المعلومة أو ان يشرحها المدرس، فهذا ليس تطويراً أو أننا نساعد الطالب علي الإبداع لأن في التاريخ.. خاصة تاريخ مصر القديم من الأفضل أن نيسر للطالب في كتابه المدرسي المعلومة، - أخذين في الاعتبار البيئة المصرية- التي لا يمتلك الملايين فيها جهاز كمبيوتر منزلي للبحث عن المعلومة، ناهيك حتي إذا توفرت لن تكون مكتوبة بالشكل العلمي الصحيح وأعتقد انه كان يمكن الرجوع إلي علماء الآثار المصريين وعلي رأسهم د. زاهي حواس لسؤاله حول كيفية وضع المعلومات للتلميذ خاصة وانه أول مرة يتعرف علي تاريخ الفراعنة - هذه نقطة مهمة جداً في تكوين الطالب المصري وفي وعيه وثقافته لأن اعطاءه المعلومات الكافية والصحيحة عن جذوره وتاريخه، سوف تزيد من انتمائه للوطن واعتزازه بالتاريخ وأيضاً للحفاظ عليه وليس هدمه خاصة في ظل دعاوي كثيرة متطرفة تدعو إلي هدم التراث ونبذ تاريخ الفراعنة باعتباره أوثاناً.. وما الهدف من تدريس مثل هذا المنهج، وطبعه وتوزيعه علي طلابنا وهو يفتقد لأبسط المعلومات المهمة وفقط هو مجرد عنوان وتحته أسئلة؟ أما كتاب التربية الدينية لنفس الصف فهو أقل أخطاء من كتاب الدراسات الاجتماعية ولكن هناك ملاحظة رئيسية خاصة في الجزء المتعلق بسور القرآن الكريم وهي كثرة دعوة الطلاب للاستعانة بالحاسب الآلي "الكمبيوتر" في سماع وحفظ وتفسير الآيات- ومرة أخري لا أعتقد ان 99% من طلاب مصر لديهم أجهزة كمبيوتر منزلي والسؤال الأهم ما الغرض ان نلجأ للكمبيوتر في الحفظ والتسميع- هل هذا هو التطوير ولاسيما تطوير الخطاب الديني- ولماذا نترك الطالب للبحث في تفسير الآيات لاخرين ولماذا يبحث الطالب عن معلومة خاصة في الدين "لدي الفضاء المعرفي الواسع" الا نخشي من لجوء الطلاب في هذه الحالات التي لا تتوفر فيها المعلومات بالكتاب المدرسي الي "قنوات وبرامج التطرف".. وهل مثل هذه المناهج الدراسية تفسر لنا ازدياد حدة التمسك بالشكليات من ديننا الحنيف واللجوء الي مصادر اخري للمعرفة دليل اخر من سيطرة وذيوع تفسيرات اثرت علي مجتمعنا الان ولاسيما علي نسيجه الوطني. الغريب ان هذه المناهج التي اطلعت عليها بالصدفة هي مناهج مطورة وجديدة دفعت فيها ملايين الجنيهات من اجل التأليف واللجان والطباعة- الي اخره من قضايا متعلقة بالمناهج الدراسية واعتقد بقناعة تامة ايضا ان هناك العديد من المناهج الاخري في جميع المواد الدراسية بجميع السنوات تتضمن مثل هذه الرؤية في كتابة مناهجنا وتأهيل طلابنا. والحل ليس فقط في اعادة النظر في هذه المناهج واللجان المسئولة عنها كما صرحت مصادر بوزارة التربية والتعليم مؤخرا وانما الحل في وضع رؤية متكاملة للهدف من المناهج الدراسية ولاسيما في اللغة العربية والدراسات الاجتماعية والتربية الدينية وان لا تخضع الرؤية منفردة في هذه القضايا لرأي وزراء وخبراء التعليم والمناهج فقط لان مع خالص الاحترام وحفظ الالقاب قد يبعد عنهم الهدف الثقافي والمعرفي لبناء الشخصية المصرية والوطنية خاصة في ضوء الاخطار الكثيرة التي يتعرض لها الوطن سواء من قوي من الداخل او في الخارج لذلك لابد من اشتراك مثقفي وعلماء مصر في لجان وضع المناهج واهدافها وان هذا الغرض يتم بتعاون جميع الجهات في مصر وعلي رأسها مؤسسات وزارة الثقافة وان لا يترك الامر بمفرده ليضع مسئولين يتغيرون كل فترة من الزمن، فلابد من وجود رؤية علمية وثقافية ولغوية للهدف من التعليم وليس ترك الامر لرؤي شخصية ولجان ومسابقات والنتيجة كما نلمسها جميعا ومنذ سنوات مزيد من التدهور في مستويات التعليم ولاسيما في المعلومات والاهداف التي يحصل عليها الطالب. وخير ختام لذلك سوف اضرب مثالا واحدا سمعه الآلاف في مصر، فقد سأل احد المذيعين عدداً من الطلاب عن مناسبة اجازة 25 ابريل كل عام وللعجب كانت الاجابة باجماع شديد انها بسبب اجازة 6 اكتوبر ولا تعليق!!