في خطوة تهدف إلي الضغط علي الحكومة الإسرائيلية لوقف سياساتها التهويدية والاستيطانية للقدس الشرقية وتنذر في الوقت نفسه عن انقسام النخبة السياسية الفلسطينية، أعلنت قيادات من قوي اليسار الفلسطيني وأخري مستقلة رفضها قرار القيادة الفلسطينية العودة للمفاوضات -بأي شكل- مع حكومة الاحتلال في ظل استمرار الاستيطان. وتوعدت هذه القوي بسلسلة من الفعاليات تحرك الشارع الفلسطيني للضغط وإسقاط ما وصفته "بالخطأ الذي ترتكبه القيادة بالعودة إلي المفاوضات". ودعت هذه القيادات الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) للعودة الفورية عن قرار استئناف المفاوضات بكل أشكالها ونقل ملف القضية الفلسطينية إلي مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. من جانبه يري عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية عمر شحادة أن العودة إلي المفاوضات الآن هي إقرار بأن الاستيطان لا يمثل عقبة في وجه عملية السلام، بل تحمل إجازة باستمراره. وأوضح شحادة أن العودة إلي "متاهة المفاوضات" الآن بدون وقف الاستيطان وجراء الضغوط الخارجية سيلحق ضررا فادحا بالقضية الفلسطينية وحركة التضامن الدولي معها. وعبرت القوي الفلسطينية عن استهجان ما وصفوه ب"الاستقواء بالمظلة العربية الرسمية علي الهيئات الوطنية والمزاج الشعبي المعارض للعودة للمفاوضات" معتبرين ذلك "تطورا خطيرا" في السياسة الفلسطينية. وبدلا عن المفاوضات، دعت هذه القوي إلي "مراجعة سياسية شاملة تصوغ استراتيجية وطنية قائمة علي تعبئة وتنظيم الشعب لمواجهة الاحتلال" وإقامة جبهة موحدة للمقاومة الشعبية وتعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية لمتابعة وتنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية وتقرير القاضي الدولي ريتشارد جولدستون. وحول قدرة القيادة الفلسطينية علي التراجع عن المفاوضات مع الضغوط الأمريكية، قال الأمين العام لحزب الشعب بسام الصالحي إن علي القيادة مقاومة الضغوط حتي توضع أسس حقيقية تؤدي إلي سلام عادل، لأن المفاوضات التي دارت منذ 18 عاما بشروط إسرائيلية وضغوط أمريكية "فشلت بشكل كامل". وأضاف الصالحي أن علي القيادة الالتزام قبل كل شيء بقرار المجلس المركزي الفلسطيني الذي ربط استئناف المفاوضات بوقف الاستيطان والممارسات الإسرائيلية وخاصة في مدينة القدس، والالتزام بإطار مرجعي واضح يقوم علي أساس إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة. وبين أن تكرار المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان وبدون تدخل أممي لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية يعني أن التفاوض مرهون فقط بالرغبة الإسرائيلية والإرادة الأمريكية، مما يهدد العملية السياسية بالانهيار والمس بمصداقية القيادة الفلسطينية وإمكانية إقامة الدولة. وفي نفس السياق أكد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عبد الرحيم ملوح أن القوي الفلسطينية عامة بات لديها إجماع حول عبثية المفاوضات، مؤكدا أن هذا الرأي استقر عليه غالبية أعضاء اللجنة التنفيذية في اجتماعها الأخير. وأضاف "ظهر في اللجنة التنفيذية مؤخرا إجماع حول قضيتين، وهما أن المفاوضات غير المباشرة لن ينتج عنها شيء، وأن الأمريكيين ليسوا بصدد الضغط علي إسرائيل، ورغم ذلك كان هناك خلاف حول الموقف من الذهاب أو عدم الذهاب إلي المفاوضات". وأوضح ملوح أن أكثر من عام علي انقطاع المفاوضات لم ينتج سوي المزيد من الاستيطان، ولكن "من الأفضل مليون مرة أن تبقي الأمور مجمدة من أن نذهب إلي مفاوضات في ظل استمرار هذه السياسة الإسرائيلية". وفي سبيل دعوة الجبهة لمراجعة سياسية وطنية شاملة، قال ملوح إن القوي الفلسطينية تجري اتصالات مضاعفة مع حركة حماس من أجل إقناعها بالتوقيع علي الورقة المصرية لتساهم في تعزيز الموقف الفلسطيني المعارض للمفاوضات. وعن تداعيات قرار العودة للمفاوضات علي الأرض، حذر منسق لجنة مقاومة الجدار والاستيطان في الضفة الغربية جمال جمعة من أن هذا التوجه سيقوض حركة مقاومة الاستيطان ومصادرة الأراضي. وأكد جمعة ان العودة إلي المفاوضات تعني أن الاحتلال سيضاعف استهداف العمل الشعبي، وسيضعف موقف السلطة في دعم حركة المقاومة الشعبية. وأعلن جمعة أن فعاليات ومسيرات مقاومة الاستيطان وبناء الجدار علي الأرض الفلسطينية ستستمر وستحمل في الفترة المقبلة شعارات ضد العودة إلي المفاوضات في ظل الاستيطان، في محاولة للضغط علي القيادة للتراجع عنها. وفي السياق ذاته، قال منسق لجان مقاومة الاستيطان إن الفلسطينيين في الضفة "يعيشون اليوم نكبة جديدة تتمثل في فرض أمر واقع بواسطة تصاعد البناء الاستيطاني" مشيرا إلي أن المخططات الإسرائيلية تتحدث عن 73 ألف وحدة سكنية منها 15 ألفا قيد البناء. وهذا يعني، حسب جمعة، أن عدد المستوطنين في الضفة سيتضاعف في عشر سنوات، وسيشكل ثلث السكان في الضفة، الأمر الذي يعني استحالة إخراج قرابة مليون و200 ألف مستوطن عند تطبيق حل الدولة الفلسطينية.