تناولت في مقالي الأسبوع الماضي، أسباب تفشي أزمة البوتاجاز الحالية وقلت إن الاحتكار والفساد هما من أبرز الأسباب التي وراء تفاقم تلك الأزمة وأوضحت أن احتكار الحكومة ممثلة في وزارة البترول وشركات الإنتاج والتوزيع التابعة لها لقطاع البترول من الألف إلي الياء، أي من التنقيب عنه وحتي تكريره وتوزيعه وتسويقه وتصديره، بل وقيامها بإمداد الغاز الطبيعي للمنازل والمصانع وتوزيع أنابيب البوتاجاز بالإضافة إلي إصلاح الأجهزة المنزلية التي تعمل بالغاز والبوتاجاز ولم تترك الحكومة المحتكرة شيئا من كعكة الغاز للقطاع الخاص سوي توزيع الأنابيب علي المنازل أي أن عمال البوتاجاز أو السريحة فقط هم الذين يعملون خارج المنظومة الاحتكارية للحكومة لأنهم يقومون بتوصيل أنابيب البوتاجاز من المستودع إلي المنازل بمقابل كبير يفوق ثمن الأنبوبة الأصلي. وكما في علم السياسة فإن احتكار السلطة يؤدي إلي الفساد والاستبداد فإن احتكار الحكومة لقطاع البترول من التنقيب حتي توزيع الأنابيب أدي إلي إيجاد سوق سوداء كبيرة وأزمة في سلعة حيوية لا تقل أهمية عن رغيف الخبز وهي وقود البوتاجاز بل إن تلك الأزمة لو تفاقمت بشكل أكبر كانت ستؤدي إلي غليان شعب وانفجار مجتمعي والسبب بالطبع سيعود إلي أنبوبة البوتاجاز. والسؤال الآن لماذا تصر الحكومة علي احتكار سلعة الطاقة أو بمعني أدق الغاز والبوتاجاز ولماذا كل هذا الفساد في توزيع وبيع الأنابيب والإجابة بالطبع أن تجارة البترول رابحة جدا كما أن الدعم الحكومي المبالغ فيه للغاز الطبيعي والبوتاجاز وراء التكالب علي الدخول في سوق الطاقة المنزلية من أجل التربح من بيع اسطوانات الغاز وسرقة الدعم الحكومي وزيادة عدد لصوص قوت الشعب أو القطط السمان في عصرنا الحالي. فالغاز الطبيعي والبوتاجاز من السلع الشديدة الطلب عليها ولا يخلو بيت مصري من استعمال البوتاجاز أو الغاز في حياته اليومية حتي في الريف فعصر استعمال وابور الجاز قد انتهي كما أن استخدام "الجلة" والكانون انقرض من بيوت الفلاحين، أي أن عهد الجلة انتهي بوجود الحكومة الذكية وعصر الوزراء المهندسين. وبالتالي فإن احتكار الحكومة لتوزيع الغاز والبوتاجاز يحقق لها مكاسب رابحة وتستطيع في أي وقت رفع ثمن الوقود، لأنها محتكرة وتستطيع أيضا أن تفرض رسوما باهظة علي توصيل وتركيب الغاز الطبيعي للمصانع والمنازل دون اعتراض من الزبائن لأنها تحتكر ذلك وتجني مكاسب طائلة. وفي المقابل وبسبب الدعم الحكومي لاسطوانات الغاز والذي يبلغ ربع ثمن بيعها عند استلامها من المستودع تكالب تجار السوق السوداء ولصوص قوت الشعب من أجل سرقة جزء من الدعم الحكومي وللبوتاجاز ومثلما كان يحدث في الستينيات والسبعينيات وقت ازدهار المجمعات الاستهلاكية وبيع اللحوم والفراخ المدعمة بها وأيضا السكر والشاي والزيت وكل الاحتياجات المنزلية أصبح هناك دلالات عصريات وبلطجية أسواق يقومون بشراء عشرات الأنابيب المدعمة بسعر مضاعف وبالاتفاق مع أصحاب المستودعات أحيانا بل ومع سائقي عربات نقل اسطوانات البوتاجاز أحيانا أخري من أجل تخزينها وبيعها بأسعار مضاعفة وذلك بالاتفاق مع بعض المسئولين في شركات توزيع البوتاجاز من خربي الذمة وأصحاب النفوس الضعيفة وأيضا مديري المستودعات وبالتالي تباع الأنبوبة بحوالي خمسة وعشرين جنيها في المتوسط أي عشرة أضعاف سعرها الذي يبلغ جنيهين ونصف الجنيه بل وتباع بأكثر من هذا السعر في المناطق النائية. وبعض القري وذلك لأصحاب مصانع الطوب ومزارع الدواجن وهؤلاء هم لصوص الدعم والحلقة الفاسدة في توزيع سلعة شعبية حيوبة والحل من أجل وصول الدعم لمستحقيه والقضاء علي لصوص القوت وقلع جذور الفساد خاصة في توزيع اسطوانات الغاز.. هو تخفيف الحكومة قبضتها عن قطاع البترول وأن تعود إلي دورها الحقيقي كما في أي دولة تتبع منهج السوق الحر أي تنسق وتشرف وتراقب وتضع سياسات لا أن تتحول إلي تاجر يربح من قوت الشعب أي تخفف الحكومة من قبضتها الاحتكارية وتعطي الفرصة للقطاع الخاص كي يقوم بدوره في توزيع الغاز والبوتاجاز بأسعار عادلة وتحت رقابة حكومية صارمة. وأن تقوم الدولة أيضا بإعادة النظر في دعم أنابيب البوتاجاز بل إن من الممكن أن يكون سعر الأنبوبة الحقيقي من 10 15 جنيها في مقابل زيادة الدعم النقدي، حتي يذهب ذلك الدعم إلي لصوص القوت بل إلي خزانة الدولة كي تعيد ضخه إلي الشعب بعدالة وهذا يتطلب إجراءات ثورية وقرارات فورية بل والأهم حكومة رشيدة وهذا هو الأساس.