استطاعت الحركة النسائية المصرية بمختلف مكوناتها وعناصرها، أن تحقق إنجازا كبيرا بحصولها علي كوتة نسائية في انتخابات البرلمان لمدة دورتين متتاليتين هما دورة 2010 ودورة 2015 القادمتين، وذلك كشكل من أشكال التمييز الإيجابي للمرأة والمعمول به في دول عديدة لمراحل محددة وبأشكال مختلفة، بغرض إنصاف المرأة التي تمثل 50% من المجتمع عمليا ولكنها محرومة من التمثيل المناسب لنسبة وجودها ولدورها في المجتمع لأسباب عديدة، منها الموروثات الثقافية المتخلفة والقهر الذكوري الذي يمارس عليها أحيانا بدعاوي دينية تعتمد علي تفسيرات بشرية محافظة ومتزمتة ومعادية للمرأة، وأحيانا أخري بالاعتماد علي عادات وتقاليد أكسبت الرجل علي مر الزمان حزمة من المكتسبات التي تضمن له قهر المرأة وحرمانها من حقوقها الطبيعية كإنسانة لا تختلف عنه سوي في بعض التفاصيل القليلة التي أقرتها الأديان لحكمة إلاهية. و الحكمة من التمييز الإيجابي تقوم علي أساس أن الفترة الزمنية والمساحة التي يتم فيها التمييز الإيجابي من المفترض أنها تكون كافية لأن تستعيد الفئة المميزة وضعها الطبيعي وأن تسترد حقوقها المنقوصة، حيث إنه بعد انتهاء فترة التمييز الإيجابي تكون تلك الفئة في وضعية تسمح لها بممارسة كافة حقوقها الطبيعية والمشروعة، وذلك من خلال تصحيح منظومة القيم من ناحية وبتدريب الفئة المميزة علي الممارسة واكتساب المهارات والثقة اللازمتين لتأكيد حق تلك الفئة في الوجود والمساواة ليس فقط في الحصول علي الحقوق، ولكن أيضا في أداء الوجبات تجاه المجتمع. ولكي تحقق عملية التمييز الإيجابي الهدف منها، وذلك فيما يتعلق بموضوع الكوتة النسائية في الانتخابات البرلمانية القادمة، وجب علينا تأمل ودراسة كيفية تطبيق الكوتة علي أرض الواقع وذلك بما يحقق الأهداف التالية : أولا :تحقيق أوسع مشاركة سياسية للمرأة ترشيحا وانتخابا، بمعني أن يكون لدينا العشرات، بل المئات من المرشحات وكذلك جذب الملايين من الناخبات للمشاركة في عملية التصويت، والأكثر من ذلك المشاركة في عمليات الدعاية الانتخابية وتمثيل المرشحين والمرشحات في اللجان الانتخابية ذاتها كما في أعمال فرز الأصوات وكذلك في أعمال مراقبة المجتمع المدني علي سير العملية الانتخابية والوقوف علي مدي ديموقراطيتها. ثانيا : تغيير القيم والموروثات الثقافية المختلفة التي تصر علي أن المرأة مكانها المنزل فقط، وأن لا مجال لمشاركة المرأة في الشأن العام، وأنها بطبيعتها غير قادرة علي تولي المهام السياسية الكبري وغير ذلك من القيم والأفكار التي تحط من شأن المرأة وتظهرها وكأنها مخلوق ناقص الأهلية ويحتاج دائما إلي من يأخذ بيده ويتولي إدارة شئونه لأنه عاجز عن القيام بذلك بالأصالة عن نفسه. ثالثا :القدرة علي إفراز نماذج ناجحة لقيادات نسائية قادرة علي أن تشارك في إدارة شئون الأمة من خلال الوجود الفاعل في البرلمان والمشاركة في إصدار التشريعات ومراقبة الأداء الحكومي ونقده وتصويبه بل وأحيانا قيادة التصدي للأخطاء ومحاربة السلبيات والدفاع عن مصالح الشعب بأكمله رجالا ونساء. رابعا :اكتساب الثقة في النفس وثقة المجتمع في قدرة المرأة علي المشاركة السياسية الفاعلة جنبا إلي جنب مع الرجل، بما يجعل مسألة اختيار المرأة كممثل للأمة، بعد انقضاء مرحلة التمييز الإيجابي مسألة طبيعية ومقبولة مجتمعيا، ويجعل اختيار الناخب لمن يمثله في البرلمان لا يقوم علي الجنس أو الديانة، بل يقوم علي أساس برنامج المرشح أو المرشحة ومدي تعبيره عن مصالح الناخبين. و كما لاحظنا أن أهم الأهداف التي يجب تحقيقها خلال فترة التمييز الإيجابي والتي يعتمد تحقيق باقي الأهداف عليها، هو توسيع دائرة المشاركة السياسية للمرأة ترشيحا وانتخابا، لذلك فإننا نقدم للسادة المسئولين عن تحويل القانون الخاص بالكوتة النسائية في البرلمان إلي خطوات عملية وتنفيذية وإلي كافة المنظمات ونشطاء المجتمع المدني المهتمين بقضايا المرأة في مصر وكذلك للرأي العام بالمقترح الآتي : أولا :السماح للنساء المترشحات بالنزول في الدوائر الانتخابية التقليدية الحالية وهي 220 دائرة انتخابية حتي الآن، أي تتنافس النساء في 220 دائرة انتخابية لكي تفوز امرأة في كل دائرة. ثانيا :حساب نسبة الأصوات التي حصلت عليها المرأة الفائزة في كل دائرة منسوبة إلي عدد الأصوات الكلية بالدائرة. ثالثا : رصد أعلي نسبة حصلت عليها كل امرأة في كل محافظة من محافظات الجمهورية، وتكون المرأة الحاصلة علي أعلي نسبة أصوات في المحافظة هي الفائزة الأولي في المحافظة، تليها من حصلت علي النسبة الأقل وهكذا. رابعا :يتم اختيارال64 امرأة الفائزات بطريقة تجميع الفائزات الأوائل في المحافظات، وبالنسبة للمحافظات التي بها أكثر من امرأة واحدة مثل القاهرة علي سبيل المثال، تؤخذ المرأة الأولي والثانية والثالثة والرابعة طبقا لنسبة أصوات كل منهن في دائرتها. إن تطبيق ذلك المقترح بتلك الطريقة لا يتعارض مع الدستور ونصوص القانون الجديد الخاص بتخصيص 64 مقعدا للمرأة في انتخابات 2010، 2015 البرلمانية القادمة علي سبيل التمييز الإيجابي للمرأة، حيث إنه يعالج تفاصيل طريقة اختيار ال64 امرأة فقط، وهي تفاصيل يمكن الاجتهاد فيها بما يحقق الهدف النهائي من عملية التمييز ذاتها. إن الطريقة المقترحة تضمن لنا وجود مئات المرشحات المتنافسات في جميع الدوائر الانتخابية بالجمهورية، كما تضمن لنا فرصا حقيقية وعادلة ومتكافئة للمنافسة، حيث إن الدوائر الانتخابية مازالت صغيرة ومحدودة المساحة وعدد الناخبين، بما يمكن المتنافسات من عرض برامجهن ورؤاهن وأفكارهن علي جمهور الناخبين والناخبات بصورة واقعية ومنطقية أما البديل المطروح حتي الآن فهو تقسيم دوائر النساء علي شكل دوائر كبري ربما تشمل محافظة بأكملها أو نصف محافظة علي أفضل تقدير، وهو أمر مناف للعقل والمنطق، بالإضافة إلي أنه لا يشجع المرأة فعليا علي المشاركة لا علي مستوي الترشيح ولا علي مستوي الانتخاب. وأستطيع القول بأن مقترح الدوائر الكبيرة الواسعة المترامية الأطراف هو مقترح مغرض، حيث إنه يضمن مشاركة المرأة من حيث الشكل فقط، ولا يضمن أي تغيير حقيقي بعد انتهاء فترة التمييز، لكي تعود المرأة إلي ما كانت عليه من قبل، وهكذا تتأكد وجهة نظر القائلين بأن المرأة مكانها المنزل وأنها لا تصلح للعمل العام وأن التجربة أثبتت ذلك. وأخيرا فإنني أتوجه إلي كل من هو معني بشأن المرأة ومعني بتطوير المجتمع المصري وتنميته الإنسانية الشاملة، أن يتعامل مع المقترح الخاص بتوسيع مشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية القادمة بشئ من الجدية، أو الاجتهاد في تقديم مقترحات وأفكار أخري بديلة وعملية وتنفيذية لتطبيق قانون الكوتة بأفضل صورة ممكنة وذلك بما يمكن من الاستفادة من تلك الفترة وهي العشر سنوات القادمة في إحداث تغيير حقيقي في أوضاع المرأة، فهي فرصة تاريخية لتحقيق العدل والإنصاف للمرأة المصرية، إن أحسن استغلالها.