توصف الشجاعة بصفات عديدة منها شجاعة الاعتراف. وهذا النوع افتقدنا إليه عبر عقود طويلة، هذه الشجاعة تقودنا إلي تشخيص ما حولنا عبر الحقيقة، الأمر الذي يؤدي إلي احترام الثوابت في المجتمع والعمل من أجل صيانتها. إن ما حدث في نجع حمادي هو نتيجة لاحتقان طائفي كانت محصلته القتل علي الهوية الدينية.. وليس ما حدث هو وليد الصدفة. كما قال البعض، بل هو اصرار كامل وضح لنا في مناحِ شتي منها اختيار توقيت تنفيذ الجريمة. كما أن من سقطوا برصاصات الغدر هم من الشباب في معظمهم. واختيار المنطقة التي تتم فيها الجريمة. بعض هذه الأسباب وغيرها يعبر عن رسالة واضحة المعالم بل مدبرة تماما في تنفيذها. ولعل صحيفة الوفد كانت صاحبة رؤية تستحق الدراسة. وذلك حينما نشرت بعددها 7136 في 10/1/2010 بقلم مجدي سلامة تحت عنوان "في حوار بلا خطوط حمراء قلت للغول: أنت متهم بتدبير حادثة نجع حمادي" يرد الغول.. هذه حادثة عارضة لعبت فيها الصدفة دورا أساسيا ثم يستطرد قائلا.. الآن الحمد لله والمسألة ماشية تمام أي تمام هذا ثم وجه المحرر سؤاله للغول مرات عديدة متهما إياه بضلوعه فيما حدث وقال له: تعرض أنصارك لبعض الأقباط في انتخابات 2005. واعتداؤهم علي بعض محلات الأقباط. ولم يرد الغول علي السؤال في تجاهل شديد متحدثا عن محافظ قنا. ثم إن الغول يعود ليهون من الأمر بقوله إن المجرم الذي ارتكب الحادث مسجل خطر. كما اشارت بعض الصحف لعلاقة هذا المجرم بقيادة حملات انتخابية يقودها لصالح الغول. وهنا يطفو سؤال مهم يحتاج إلي اجابة قاطعة.. اذا كان من تم القبض عليهم وصفوا بانهم المجرمون الذين ارتكبوا الحادث.. فأين المحرضون لهؤلاء المجرمين؟ ولماذا لم توضح لنا الداخلية الحقيقية؟ ان القبض علي المحرضين علي هذه الجريمة يجب ألا يفلتوا من العدالة مهما كانت مراكزهم. إن هذا الأمر هو حجر الزاوية في وضع الاصابع علي الخيط الأول للجريمة. واتساءل أيضا إذا كانت هناك جريمة اغتصاب لفتاة مسلمة ارتكبها شاب مسيحي.. فكم جريمة أيضا ارتكبها شاب مسلم في حق فتاة مسيحية؟ التاريخ مملوء بكل الحوادث.. لماذا إذ هذا الانتقام الجماعي، ان هناك عوامل كثيرة تمزق هذا المجتمع وتقدد نسيجه الذي يحتاج إلي خيوط قوية وطويلة جديدة لرتق هذا النسيج الذي أبلاه الجهل والتعصب! لماذا لا تحتسب هذه الجريمة علي انها بين مصريين لماذا التصعيد، أليست هناك جوانب مضيئة في هذه العلاقة التي تغنينا بأنها أزلية. ولنقرأ معا ص4 من جريدة الشروق 16/1/2010 وذلك الخبر عن "قبطي ينقذ مسلما من 3 أشقياء". حدث ذلك مع المواطن علي محمد أحمد في بورسعيد حينما خطفه 3 أشقياء تحت تهديد السلاح الأبيض. وكشفت التحريات ان شابا قبطيا يدعي روماني نصيف مواس انقذه من قبضة هؤلاء، واكتفي بالتعليق بأن كلا منهما مصري! كما أن آذان غالبية المصريين باتت أسيرة لتديين كل شيء. فالبث الإعلامي في معظمه يمثل خطورة شديدة علي سلام هذا الوطن فقد تضاعفت اعداد القنوات الدينية. فإذا تكلمنا عن فضيلة الدين وسماحته فهذا شيء جميل. لكن ما يحدث هو ذلك الزخم لتلك المقارنات بين الأديان وانتقاد كل صاحب معتقد لمعتقد الآخر وقد يحدث ذلك بين أصحاب العقيدة الواحدة! إلي جانب الفتاوي التي اباحت تكفير الأقباط وهذا ما اقبل عليه وقاله د.عمارة. ناهيك عن مكبرات الصوت التي تبث من بعض المساجد وتكيل سبا علنيا للمسيحيين وعقائدهم. بل واتهامهم بالكفر. واذكر في شهر سبتمبر الماضي ولدي زيارتي للمعمورة بالإسكندرية وبالتحديد أثناء خطبة الجمعة التي يعتبرها الاخوة المسلمون ثمرة الاسبوع قال الخطيب يومها للاقباط اهانات وقال إن صيامهم باطل ونعتنا بالكفر لأننا لم نسلم وجهنا لله ولم ننطق الشهادتين! قلت في نفسي الحزينة... مالك يا أخي ومالنا.. اتركنا في شأننا طالما نحن كفارا في تقديرك. وتساءلت ألم يكن من الأجدر بهذا الرجل ان يوجه علوم ونصائحه إلي مستمعيه فيكون ثوابه حقيقيا؟ لكني بعد سماع هذا الرجل والعشرات بل المئات مثله تأكدت تماما بأن الحرائق قادمة لا محالة! إنها فقط مسألة وقت لان النار مهما اعتلاها الرماد فتأججها يكون حتميا. وتعالوا معنا لنطالع تلك الكتب التي اكتظت بها بعض الارصفة وحملتها أرفف وفتارين بعض المكتبات.. وجميعها تحمل نقدا شديدا وهجوما ضاريا تطعن في عقيدة الديانة المسيحية.. وكثير من هذه الكتب تصف المسيحيين بالكفر والارتداء واحتراما للمساحة لم اذكر منها لكن القاريء الفطن والمثقف العارف يعرف ويدرك ذلك جيدا.. واتساءل هنا لو أن مسيحيا لا قدر الله نشر كتابا به تجريحا أو ما يشبه ذلك لعقيدة أخي المسلم. لنا أن نتصور ماذا سيكون رد الفعل.. وسيحدث مالم يحمد عقباه! وهنا نري كيف يكون الكيل ونؤكد أيضا التمييز والتفرقة ونحن لا نقبل اطلاقا مهما يحدث أن يكون هناك تصرف يسيء إلي أخي المسلم احتراما لمبدأ المواطنة وتنفيذا لتعاليم الخالق بحب كل الناس حتي الاعداء منهم وأخي المسلم ليس عدوي. ولنا مثال حي في مسألة الكيل والمكيل في ذلك الشاب الذي حكم عليه بالاعدام لقيامه بقتل شقيقته التي اعتنقت الإسلام. لماذا فقدنا العدالة وكلنا بمكيالين نعم يقول هذا المحكوم عليه بالاعدام، رامي عاطف خلة منتظرا ذلك الحكم "إن النية كانت مبيتة لاعدامه لانه علم بأن زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية قدم واجب العزاء لأسرة أحمد صلاح "القتيل زوج اخته"، واخبره بأنه سيتم اعدامي "جريدة صوت الأمة 16/1/2010 المحررة سمر الضوي"، واعتقد أن المناخ السييء والمحتقن الذي يعيشه العديد من الناس في محافظتي قنا والمنيا والعديد من البؤر الاخري هذا المناخ يجب أن يحفزنا للتحرك للعلاج ولابد أيضا من أن نلغي من حياتنا ما يسمي بذلك النفاق الاجتماعي والاخلاقي وذلك الرياء الواضح في تعانق اللحي وتبادل القبلات.. لان ذلك لا يتم بصدق! ولقد حان الوقت ان يعاد النظر في الغاء وجود ملف الاقباط "كما اسموه"، من يد أمن الدولة. فهنا تكون مقدرات التمييز والكيل المتقلب. فيجب أن يحكم شعب مصر قانون واحد. والقانون أيضا أين هو ذلك الغائب والغريب عنا وعن ديارنا. وأدق الأمثلة علي غياب القانون وتوظيفه ما يسمي بالمجالس العرفية للتصالح تضيع في حبائلها حقوق الاقباط وتجرح إرادتهم تحت سطوة الأغلبية والكلام المعسول والتغني بالوحدة الوطنية والوعود الواهية لغد لا يأتي. ان الاستمرار في هذه الجلسات يزيد النار تحت الرماد ولا يطفيء بحال نار قلوب المظلومين. وللأسف الشديد ان هذه المصالحات الزائفة ورغم جسامة ما حدث في نجع حمادي الا انها عادت لتطل برأسها من جديد، اسجل ذلك من خلال ما نشرته الدستور يوم 14/1/2010 عن رغبة اعضاء مجلسي الشعب والشوري وبعض القيادات الشعبية والدينية في اجراء مصالحة وعمل مسيرة شعبية تحمل لافتات الهلال والصليب وتجوب المدينة. ولا تعليق!! أما عن محافظ قنا فهو ليس بموجود علي الساحة فلا هو عالج الأمور بحكمة ولا هو كان دقيقاً فيما قاله وأقبل عليه والدليل الدامغ علي ذلك تكرار الاعتداء علي اقباط نجع حمادي في اليوم التالي؟ وتركه للأمور حيت تفاقمت واصبح مستحيلا علاجها ان قصور امكانيات المعالجة بالقانون الدولي والعدل والحق وعدم التمييز.. كل ذلك يمنح الفرصة للأجانب بانتقاد شئوننا. وربما تنادي بعض الأصوات بما هو مرفوض في شأن التدخل تحت لواء قوانين الأممالمتحدة لحماية أي جماعة يصيبها غبن أو ظلم.. لكنا جميعا معشر المسيحيين وعلي رأسهم قداسة البابا شنودة الثال سنرفض تماما أي حلول لمشاكلنا يكون من الخارج اننا قادرون بالحب والقانون وتنفيذ مباديء المواطنة أن نحقق كل ما هو عادل وحق. نعم إن للقانون هيبة ووقاراً لكنهما بدون تنفيذ وتفعيل القانون يصبح حبراً علي ورق. أن ذلك أيضا يخلق سياجا يقف حائلا ضد ما يوجه لمصر من انتقادات دولية عبر محاور مختلفة تمثل عالمنا الذي ننتمي إليه! وهناك دور مهم نام في عسل الاهمال والصمت وهو إعادة النظر في مسألة اقباط المهجر. وتلك الاتهامات التي تكيلها بعض الصحف المستقلة وكل الصحف الصفراء لهذا القطاع المصري الذي لم نحسن التعامل معه بحكمة وحب واعتقد ان الغاء وزارة الهجرة كان من دافع اهمالنا لأبناؤنا في الخارج. ما أحوجنا إلي هذه الوزارة التي تخلق الود وتحقق الاستثمار والمعني واضح لكل من يحب مصر فليست هناك أم تلفظ أبناءها. اعتقد اننا لو قدمنا لابناء مصر في المهجر يد الحب والدعوة من خلال موعدين كل عام في الشتاء والخريف لنستضيف ليس الاقباط بل كل مصريو المهجر في رحلة علي سفح الاهرامات نرحب بهم نعلم الأبناء تاريخ أجدادهم نتدارس معهم كل شيء نعم كل شيء نتخيل لو حدث ذلك كم ستكون الفائدة وكم هو الحصاد المرتقب من الحب والمال؟