خلال مخاطبته لعدد من الدبلوماسيين المرموقين وكبار مسئولي إدارته في السابع والعشرين من شهر مارس المنصرم، استعرض الرئيس أوباما استراتيجيته الجديدة الخاصة بكل من أفغانستانوباكستان. وبذلك أعلن تحمل مسئوليته إزاء منطقة -تعد وفقاً لمنظور الأمن الأمريكي- الأشد خطراً في العالم كله. وكان أوباما علي قدر كبير من الوضوح والمباشرة في تعليقاته الواردة في الخطاب المذكور. من ذلك علي سبيل المثال وصفه للوضع في أفغانستان بكونه "شديد الخطورة"، إلي جانب وصفه للعام الماضي بأنه "الأكثر دموية وحصداً للأرواح منذ اندلاع الحرب في عام 2001. إلي ذلك أضاف القول: "إن تنظيم القاعدة يدبر فعلياً لشن هجمات جديدة علي أمريكا، انطلاقاً من الملاذات الآمنة المتوفرة لقادته وعملياته داخل الأراضي الباكستانية". ومن أجل مواجهة هذه المخاطر الأمنية مجتمعة، أكد أوباما علي ضرورة التعاون الوثيق والعمل المشترك مع الحكومة الباكستانية المنتخبة. وفي خطوة واضحة ومفارقة لسياسات سلفه بوش، قال أوباما إن الجهود الحربية الجارية حتي الآن في العراق، ليس لها بالضرورة أن تكون عائقاً أمام زيادة المساعدات المدنية والعسكرية التي تقدمها بلاده لكل من أفغانستانوباكستان. وأعرب الرئيس عن أهمية تبنيه لاستراتيجية أقوي وأكثر شمولا وذكاءً إزاء كلتا الدولتين الجارتين اللتين يكمن فيهما خطر تمرد "طالبان" و"القاعدة". أما فيما يتعلق برأيه في حكومة نظيره الأفغاني حامد كرزاي، فكان أوباما في أشد الوضوح والصراحة وذلك حين أشار إلي ضعف هذه الحكومة وعجزها عن مواجهة المخاطر الأمنية الكبيرة التي تتربص بها وباستقرار أفغانستان كلها. وخلافاً لعناد وإصرار إدارة بوش السابقة علي البقاء ومواصلة الحرب مهما كانت التكلفة والنتائج، أعلن أوباما ضرورة إيجاد مخرج مسئول لبلاده من ذلك المأزق. لكن قبل أن تحين لحظة التفكير الجدي في ذلك المخرج، لا بد من زيادة وتشديد معايير المسئولية وقياس تقدم أداء الجهود الأمريكية وتلك التي تبذلها الحكومات الإقليمية، لاسيما حكومتا أفغانستانوباكستان. غير أن أوباما لم يحدد علي وجه الدقة ماذا تكون تلك المعايير التي تحدث عنها في اللقاء المذكور. وفي المقابل أبدي أوباما اهتماماً كبيراً بخطورة الأوضاع في باكستان، وضرورة تكثيف التعاون مع إسلام آباد في مواجهتها. وفي ذلك الإطار، قال إن تنظيم "القاعدة" وغيره من الجماعات الأخري المتعاونة أو المتحالفة معه، أزهقت مجتمعة أرواح آلاف المواطنين الباكستانيين منذ هجمات 11 سبتمبر وحتي اليوم. أوباما يدرك جيداً أن العمليات العسكرية ليست كافية لوحدها، طالما أن الهدف الأقصي هو تحقيق الاستقرار العام في منطقة القبائل المضطربة. وضمن مساعي إقناعه لبقية دول العالم بمدي سعة وعالمية الخطر الذي يمثله تنظيم "القاعدة" وعناصر حركة "طالبان" المتحالفة معه، تعمد أوباما الإشارة إلي هجمات جزيرة بالي الإندونيسية، ثم إلي الاعتداءات التي تعرضت لها لندن عام 2005، وتلك التي وقعت في أنحاء متفرقة من دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، خلال السنوات الماضية التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر علي الولاياتالمتحدةالأمريكية، إضافة إلي شنها لسلسلة من العمليات المتصلة والمتفرقة، راح ضحيتها آلاف الباكستانيين والأفغان. وقال أوباما إن علي إسلام آباد أن تبذل جهداً أكبر وأكثر فعالية في مواجهة المتطرفين الذين يعززون مواقعهم ويقوون شوكتهم داخل حدود أراضيها، لاسيما في مناطق القبائل التي لا تزال تدار فيدرالياً. ومما يستدعي أهمية تكثيف الجهود في تلك المنطقة بالذات، الاعتقاد الشائع بوجود بن لادن وذراعه اليمني الظواهري فيها. ويمثل هذا الوجود بحد ذاته سبباً كافياً لتعزيز التنظيم الإرهابي جهوده، وتدبيره مزيداً من المخططات لشن عمليات إرهابية جديدة علي الولاياتالمتحدة بالذات. علي أن أوباما يدرك جيداً -علي نحو ما عبر عن ذلك في خطابه المذكور- أن العمليات العسكرية التي تشنها أمريكا وباكستان وحلفاؤهما الغربيون، ليست كافية لوحدها، طالما أن الهدف الأقصي لهذه العمليات هو تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في منطقة القبائل المضطربة. وعليه طلب أوباما من كونجرس بلاده، الموافقة علي خطة مساعدات اقتصادية لباكستان مدتها خمسة أعوام، بقيمة 1.5 مليار دولار سنوياً. والهدف من الخطة هو مساعدة باكستان علي بناء المدارس والطرق والمستشفيات، في إطار مسعي لتمكين حكومة باكستان المهزوزة المزعزعة، من بناء مؤسساتها السياسية الديمقراطية، حتي تتسني لها مواجهة النشاط التخريبي المدمر الذي تقوم به الجماعات الإرهابية المتطرفة داخل أراضيها. كما أن من الأهداف النهائية الرئيسية للخطة، كسب عقول الباكستانيين وقلوبهم. لكن من الملاحظ عدم تعرض أوباما للتحدي الأكثر خطورة وجدية الذي تواجهه حكومة إسلام آباد، ألا وهو تعاون قسم من جهاز المخابرات الباكستاني ISI مع متطرفي "طالبان". فوفقاً للمعلومات الاستخباراتية الأمريكية، لا يزال القسم S يتعاون مع متمردي "طالبان"، علي زعم أن الخطر الأمني الاستراتيجي علي باكستان هو الهند. وتبدي عناصر المخابرات القيادية في ذلك القسم، قلقاً جدياً من النجاح الذي أحرزته الهند في اختراقها الدبلوماسي لأفغانستان منذ هجمات 11 سبتمبر، إضافة إلي القلق من توطيد نيودلهي لعلاقاتها مع كابول. خلاصة القول إن خطاب أوباما آنف الذكر، كان بمثابة مناشدة وجهها إلي العالمين الإسلامي والغربي لمساعدة واشنطن في حربها علي المتطرفين. واختتم أوباما خطابه بعبارات قوية تحدث فيها عن قتل تنظيم "القاعدة" وحلفائه للآلاف في شتي دول العالم، وقال إن دماء المسلمين التي سفكها مقاتلو التنظيم ولطخوا بها أيديهم، تفوق غزارة أي دماء أخري سفكوها منذ هجمات 11 سبتمبر. وبتأكيده علي طبيعة عمليات التنظيم واتساع دائرة خطرها العالمي، إنما عبّر أوباما عن أمله في أن تجتذب سياساته المعلنة إزاء كل من باكستانوأفغانستان، المزيد من الدعم الإقليمي، بما فيه احتمال توثيق التعاون مع إيران. فليست لهذه الأخيرة مصلحة في عودة "طالبان" إلي سدة الحكم في أفغانستان، أو أن يساعد المتطرفون في الإطاحة بحكومة إسلام آباد، لتحل محلها حكومة متعاطفة مع "طالبان".