يعزى إلى الرئيس أوباما فضل كبير فى تغيير صورة أمريكا فى العالم، ولعله مُنح جائزة نوبل لقيامه بذلك. لكن إن طلبت حتى من أشد معجبيه أن يذكروا الإنجازات التى حققها فى مسائل السياسة الخارجية، سيقولون بتردد: «من المبكر الكلام عن إنجازات». لكن هناك فى الحقيقة مكانا تنجح فيه سياسة باراك أوباما الخارجية فى بلد مهم للأمن القومى الأمريكى، ألا وهو باكستان. لقد صدرت سلسلة من الأخبار الجيدة من ذلك البلد المعقد، الذى لطالما وعد بالتحرك ضد المقاتلين الإسلاميين لكنه نادرا ما فعل ذلك. (السبب هو أن باكستان استعانت بالكثير من هؤلاء المقاتلين لزعزعة استقرار الهند، خصمها القديمة فى المنطقة، ولتعزيز نفوذها فى أفغانستان). خلال الأشهر القليلة الماضية، شن الجيش الباكستانى عمليات جدية وناجحة فى معاقل المقاتلين فى سوات وملقند وجنوب وزيرستان وباجور. بعض هذه المناطق هى أراض قاحلة حيث لم تتمكن أى حكومة باكستانية من بسط سيطرتها عليها، مما يزيد من أهمية هذا الإنجاز. لقد عزز الباكستانيون أيضا تعاونهم مع الولاياتالمتحدة لتشارك المعلومات الاستخباراتية، مما أدى إلى توقيف الملا عبد الغنى بردار، نائب قائد حركة طالبان الأفغانية، من بين شخصيات أخرى من حركة طالبان. لكن تجدر الإشارة إلى أن معظم أفراد حركة طالبان الذين ألقى القبض عليهم ليسوا من الشخصيات المهمة، ولطالما قام الجيش الباكستانى ب«اعتقال وإطلاق سراح» إرهابيين لإثارة إعجاب الأمريكيين والمحافظة فى الوقت نفسه على علاقاته مع المقاتلين. لكن يبدو أن هناك تحولا فى السلوك الباكستانى. سبب هذا النجاح وكيفية استمراره أمران يجب التعمق فى دراستهما لفهم طبيعة وحدود نجاحات السياسة الخارجية. أولا: لقد أحسنت إدارة أوباما تحديد المشكلة. فكبار المسئولين فى الإدارة توقفوا عن الإشارة إلى جهود أمريكا فى أفغانستان وتكلموا بدلا من ذلك عن «أفغانستانباكستان» للتشديد على أن النجاح فى أفغانستان يعتمد على الخطوات المتخذة فى باكستان. هذا أقلق الباكستانيين لكنهم فهموا الرسالة. فقد أدركوا أن عليهم أن يبرهنوا أنهم جزء من الحل وليسوا المشكلة. ثانيا: استخدمت الإدارة أسلوب الترهيب والترغيب. ففى أول حفل عشاء رسمى أقامه أوباما، تعمد دعوة رئيس الوزراء الهندى مانموهان سينج، وهى دعوة لم تلق استحسانا فى باكستان. وأوضح أوباما أن أمريكا ستستمر فى تعزيز العلاقة الخاصة التى نشأت مع الهند خلال عهد إدارة بوش، بما فى ذلك اتفاقية واسعة النطاق للتعاون النووى. لكن فى الوقت نفسه، أصر البيت الأبيض على أنه يريد علاقة وطيدة وإيجابية وطويلة الأمد مع باكستان. فالسيناتوران جون كيرى وديك لوجار كانا مسئولان عن إعداد أكبر مخطط مساعدات غير عسكرية أمريكية تقدم لباكستان على الإطلاق. كما أن المساعدات العسكرية للجيش الباكستانى تزداد أيضا. ثالثا: خصصت الإدارة الوقت والمجهود اللازمين لهذه المسألة. فقد اعتمدت مقاربة قائد المنطقة الوسطى الجنرال ديفيد بترايوس التى تشمل «الحكومة بكاملها» فى باكستان. واستعانت بكل عناصر القوة والدبلوماسية الأمريكية. وقام كبار المسئولين فى الإدارة ب25 زيارة إلى باكستان خلال العام الماضى، طالب خلالها جميعهم بأن يفى الجيش الباكستانى بتعهداته بمحاربة المقاتلين. أخيرا، وكالعادة، لعب الحظ والتوقيت دورا أساسيا. فالمقاتلون فى باكستان، على غرار المقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة فى كل مكان تقريبا، تخطوا الحدود وقتلوا المدنيين بوحشية وأقفلوا مدارس البنات وأرسوا ذهنية متخلفة تعود إلى القرون الوسطى. لكن الشعب الباكستانى الذى غالبا ما قلل من أهمية مشكلة الإرهاب أصبح يعتبرها «حربا باكستانية». والجيش الذى تأثر بالرأى العام شعر بأن عليه أن يحقق نتائج. هذه النتائج لا تزال أولية. فالجيش الباكستانى لا يزال مهووسا بالهند، وإلا كيف يمكن تبرير ميزانية ضخمة فى بلد صغير وفقير؟ وهو لم يتحرك بشكل جدى بعد ضد أى من المجموعات المسلحة الكبيرة التى تقوم بعمليات ضد أفغانستان والهند والولاياتالمتحدة. فحركة طالبان الأفغانية، ومجموعة حقانى، وقلب الدين حكمتيار، وعسكر الطيبة، والكثير من المجموعات الأصغر، كلها تعمل بحرية داخل باكستان. غير أن الجيش الباكستانى يقوم بأكثر مما كان يقوم به من قبل، وهذا يعتبر نجاحا فى عالم السياسة الخارجية. لن يدوم ذلك النجاح إلا إذا تابعت إدارة أوباما جهودها لتحقيقه. البعض يعتقد أن باكستان غيرت إستراتيجيتها الأساسية وأصبحت تعى الآن أن عليها قطع علاقاتها بالكامل مع هذه المجموعات. الأمر الغريب أن هذه النظرة الساذجة سائدة فى أوساط الجيش الأمريكى، الذى أمضى كبار مسئوليه الكثير من الوقت مع نظرائهم فى إسلام أباد لدرجة أنهم أصبحوا يعتنقون وجهة النظر الباكستانية. يعود إلى أوباما وفريقه تذكير الجنرالات بأن الضغط على باكستان أشبه بالركض على آلة مشى رياضية. إن توقفت، يدفعك الجهاز إلى الوراء ويرميك أرضا. Newsweek International