حتي المملكة العربية السعودية .. التي عرف عنها بإنتاج وتصدير الإسلام الوهابي الحمبلي إلي العالم العربي والإسلامي في التاريخ الحديث أرادت التغيير ... فتم تعديل وتغير نوعي في خطوة إصلاحية وصفها المحللون بالجريئة، عندما أعلن الملك عبد الله ملك المملكة العربية السعودية دخول قيادات دينية شابة ذات خلفيات فكرية منفتحة إلي المؤسسات القضائية والدينية ... وتم استبعاد العديد من رجال الدين أو ما يسمي "بالفتوجية الجدد" منهم علي سبيل المثال صالح اللحيدان الذي كان يرأس مجلس القضاء الأعلي صاحب الفتوي الشهيرة بإعدام أصحاب الفضائيات ... ولكن قاهرة "الإخوان المحظورة" مازالت تبث عبر أعضاء هذه الطائفة سمومها من خلال الفكر الوهابي الذي استوردوه واعتنقوه ومارسوا أفجر الجرائم بحجة الدفاع عن الإسلام ... ومازالت تفرز "طائفة اللحيدانية" نسبة لصالح اللحيدان السموم ضد المدنية والدولة العصرية ... وذلك من خلال الطلب الذي تقدم به احد نوابهم في البرلمان بهاء الدين عطية، بشأن تصريحات الوزير فاروق حسني بقبول الديانات الأرضية وأنها جزء من العقيدة ومن لا يقبلها متخلف، واعتبر السيد عطية هذا التصريح اعتداء علي الثوابت الإسلامية التي لا تعترف بالديانات الأرضية بل وزاد التجاوز عند المحظورة بأن طالبوا الوزير "بالوقوف عند حده" وأن يتم توجيهه إلي الخطأ الذي ارتكبه ... وبغض النظر عما تم في أروقة "المجلس الموقر" بعد تصريح السيد عطية "عضو المحظورة" صاحبة الشعار المطاط الشهير لاجتذاب جماهير أهانها إما الفقر أو الجهل من أن الوزير حسني مرتبط بترشيحه لليونسكو وأنه اعتاد إيذاء مشاعر المسلمين والاعتداء علي الثوابت الدينية، إضافة إلي تصريح النائب سيد عسكر _ ولا أعرف هل ينتمي إلي الطائفة المحظورة أما لا _ والذي قال بأن الوزير دائما يتعامل بمنطق "ما أقصدش" مثلما حدث في قضية الحجاب ... أقول بغض النظر عن هذه التصريحات المبنية علي تجاهل بالمقصود والمعني من تصريحات الوزير .. فهناك خلط _ قد يبدو متعمداً _ فيما يصرح به الوزير باعتباره المسئول الأول عن التنمية الثقافية في دولة عصرية ومدنية، وبين ترشيحه _ كرمز مصري ومسئول مصري لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو - والتي أشك أن من صرحوا هذا التصريح يعلمون اسمها بالكامل ولا أهميتها ولا أهدافها ولكنه الاستسهال كالعادة .. فوزير الثقافة لا يعني فقط إدارة المؤسسات الثقافية في دولة عصرية، وإنما وضع السياسات والاستراتيجيات لتنميتها وهذا ما عنيته وقصدته بأنه وزير التنمية الثقافية ... فالثقافة لا تحتاج لمن يديرها وإنما الثقافة تحتاج لتنميتها ... والتنمية تعني التطور ... ليس فقط تطور الأشكال بل المعاني والمفاهيم والأهداف ... لذلك فمن المفترض أن يكون هناك لكل من تصدي لتصريح الوزير أن يدرك أنه لم يكن هفوة .. ولا أهان به الإسلام ولا ارتكب خطأ ... ولا - وهذا هو الأهم وهو لب "القصيد" - تجاوز الدستور المصري العريق ... فهناك فروقات واضحة ... كما تبين مواد الدستور المصري المدني بين الديانة و العقيدة وذلك يثبت بأن ما صرح به الوزير عن الديانات الأرضية _ أي ما يسمي أو يقصده بالعقائد _ طبقا للتفسير العلمي لكلمة العقيدة _ وليس الدين _ هو صحيح ... إن الديانة تعني طبقا للمشرع المصري الديانة السماوية، أما العقيدة فهي تعني كل ما يعتقد به الإنسان حتي علي المستوي السياسي ... فالاعتقاد فيه عنصر من الاختيار الفردي مثلما يعتنق الفرد مذهبا معينا داخل دينه مثل أن يكون المسلم شيعيا أو سنيا أو يكون المسيحي أرثوذوكسيا أو بروتستانتيا ... ولكن يبدو أن "الإخوان المحظورة" تتبني النظرة القديمة والهدامة للدولة العصرية، حيث تنظر إلي الدولة علي أنها الهيئة المقدسة المنوط بها الوفاء بمهمة دينية علي الأرض، والتي يمكن ببساطة أن تأخذ السياسة طابع حملة عسكرية دينية يجري فيها إجبار معتنقي الديانات الأخري علي الدخول في الصف واضطهادهم أو علي أقل تقدير التمييز بينهم وبذلك تختنق فيها كل حرية للتعبير ... ولعل التاريخ يذكرنا بالتجارب الأليمة لحملات القمع هذه والحروب الأهلية وأعمال العنف الطائفية والتي ولدتها، والتي من نتيجتها انبثقت فكرة التسامح الديني، فحتي إذا كنا نعتقد أن ديننا هو الحقيقة الوحيدة التي لا معقب عليها، فإن تكلفة إجبار الآخرين علي قبوله هي ببساطة فادحة إنسانيا، بما لا يمكن معه احتمالها في عالم يتميز بتعدد الديانات واختلافها .. والتسامح لا يعني التخلي عن معتقداتنا الخاصة، وإنما هو يعني منح الناس الكرامة الإنسانية الأساسية بتركهم يقررون لأنفسهم حتي إذا كان ذلك يقودهم إلي اتخاذ قرارات خاطئة ... ويتسم النص الدستوري المصري الذي يقول في مادته (46) التالي.. "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية" بالعبقرية ... لماذا ؟ ... لأن المشرع عندما صاغ مصطلح حرية العقيدة كان يقصد المعتقد