خلال الأيام القليلة الماضية احتفلت الكنيسة القبطية الارثوذكسية بالعيد السابع والثلاثين لجلوس قداسة البابا شنودة الثالث علي كرسي مار مرقس الرسول كاروز الديار المصرية التي بشرها بالمسيحية في أواسط القرن الأول الميلادي، حيث كان قداسته قد تولي منصبه هذا في 14 نوفمبر من عام 1971م ليصبح البطريرك السابع عشر بعد المائة من باباوات الكنسية المصرية، تلك الكنيسة الوطنية العريقة التي قال عنها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في أحد مؤلفاته أنها "مجد مصري قديم ومقوم من مقومات الحضارة المصرية". والحق ان مظاهر الاحتفال بعيد جلوس قداسته كانت بالغة الروعة، إذ شاركت فيها جماهير المصريين، مسلمين ومسيحيين، من أبناء مصر الطيبة التي لا تعرف في جوهرها إلا معاني الحب والخير والتسامح والسلام.. وغيرها من القيم الإنسانية النبيلة، وهو الأمر الذي عاينته بنفسي عن قرب. لقد كان البابا العظيم، صاحب المواقف الوطنية الجليلة، كثير التواضع وهو يطالب الاقباط بمسامحته في أي تقصير صدر منه أثناء خدماته، مؤكدا ان الصفة التي ينبغي ان يتحلي بها البطريرك هي صفة الخادم، وكذا قوله الذي نشرته وسائل الإعلام: "الله وضعنا في هذا المنصب لنكون خداما للشعب وإذا اوقفنا هذه الخدمة لا نستحق وظفيتنا.. نحن لا نعطي لأننا لا نملك شيئا وكل ما في أيدينا هو ملك لهذا الشعب، فواجب الكاهن الصالح هو التعب في خدمة الناس ليستريحوا". كما شهدت فاعليات الاحتفال ايضا قيام البابا شنودة بافتتاح المرحلة الأولي من المركز الثقافي القبطي بالكاتدرائية المرقسية الكبري بالعباسية، والذي يضم مكتبة ضخمة تحتوي علي آلاف الكتب والمخطوطات وقاعة مؤتمرات كبري، وقد أشرف علي تأسيسه رجل متميز هو نيافة الأنبا أرميا سكرتير قداسة البابا والذي يستحق الكثير من الشكر والتقدير علي هذا العمل الجليل، والذي ساهمت فيه مجموعة من الشخصيات العامة الفاعلة في المجتمع منهم د. ثروت باسيلي ود. فوزي اسطفانوس والمهندس نجيب ساويرس. لقد كان حفل الافتتاح تجسيدا حقيقيا لمعني المواطنة المصرية اذ حضره مئات من الشخصيات العامة منهم الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الاوقاف والدكتور احمد درويش وزير التنمية الادارية والدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب والدكتور اسامة الباز المستشار السياسي للسيد رئيس الجمهورية والدكتور عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة والمستشار عدلي حسين محافظ القليوبية والدكتور علي السمان رئيس لجنة حوار الاديان، وكذا اعضاء المجمع المقدس واعضاء المجلس الملي العام، واخرون كثيرون من المفكرين والمثقفين والاعلاميين، حتي انني شعرت وكأن مصر كلها مجتمعة في هذا الاحتفال. وفي كلمته التي جذبت القلوب والعقول معا، قال البابا شنودة الثالث انه اهدي المركز مكتبته الخاصة بما فيها من مؤلفات وابحاث، كما اهداه مكتبة اسلامية كاملة تضم تفسيرات القرطبي والبخاري والغزالي، فضلا عن تفسيرات فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي. واوضح قداسته ان المركز الثقافي القبطي سوف يكون نواة لانفتاح الكنيسة المصرية علي حضارات العالم بما يحتوي عليه من ثقافات متعددة، وانه لن يكون قاصرا علي الكنيسة وحدها، اذ يستطيع الباحثين والراغبين في المعرفة الاستفادة منه. القراء الاعزاء.. لندعو لقداسة البابا شنودة الثالث بدوام الصحة والعافية، وان يحفظه الله لنا، ويحفظ وطننا الغالي مصر وشعبها من كل سوء.