رفع المرشح الجمهوري "جون ماكين" أثناء مؤتمر الحزب الجمهوري شعار "استخراج النفط وإنتاجه داخل أمريكا" كحل لمشكلة ارتفاع أسعار النفط وتقليل اعتماد أمريكا علي نفط الخارج بعد 26 عامًا من إقرار الكونجرس حظرًا لاستخراج النفط من المياه القريبة من شواطئ المحيطين الأطلنطي والباسفيكي، وفقًا لقانون أُقِرَّ في عام 1982، مرر مجلس النواب الأمريكي يوم 17 سبتمبر الماضي مشروع قانون جديداً يقدم خطوة صغيرة نحو إنهاء هذا الحظر جزئيًّا، ليسمح بالاستخراج في مياه هذه الشواطئ، وبحيث تبتعد مسافة المياه المستخرج منها النفط عن أرض الولايات الفيدرالية بين 50 و100 ميل. القانون الذي مرره مجلس النواب بموافقة 236 نائبًا ومعارضة 189، وسط معارضة شديدة من النواب الجمهوريين، سوف يعرض خلال الأيام المقبلة علي مجلس الشيوخ. لكن لا يتوقع غالبية المراقبين الأمريكيين أن يوافق عليه المجلس، كما لا يتوقعون أن يُمرر المجلس مشروعه الخاص حول قانون الطاقة الشامل قبل أن ينهي مجلس النواب اجتماعاته نهاية شهر سبتمبر. وقد جاءت موافقة الديمقراطيين الذين يحظون بالأغلبية علي تمرير هذا القانون بعد أن احتدم الجدل في الآونة الأخيرة بين نواب الكونجرس حول سياسة الطاقة وأمن الطاقة في الولاياتالمتحدة، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات، وكذلك بعد أن أضحت سياسات الطاقة إحدي المعارك الكبري المشتعلة علي صعيد حملتي المرشحين للانتخابات المحتدمة حاليًا، الرئاسية منها أو انتخابات الكونجرس. فقد رفع المرشح الجمهوري "جون ماكين" أثناء مؤتمر الحزب الجمهوري شعار "استخراج النفط وإنتاجه داخل أمريكا" كحل لمشكلة ارتفاع أسعار النفط وتقليل اعتماد أمريكا علي نفط الخارج، في حين أن المرشح الديمقراطي "باراك أوباما" وحين أدرك تحول قضية ارتفاع النفط لقضية رأي عام بدأ الجمهوريون يفوزون بها، أعلن أنه مع اعتماد استراتيجية استخراج النفط والغاز الأمريكي، ولكن كجزء من حزمة سياسات متكاملة للطاقة وضعها في برنامجه الانتخابي. مراجعة قانون الطاقة.. تكتيك ديمقراطي لا يعني تمرير مجلس النواب لهذا القانون الحد من أو إنهاء ذاك الجدل الصاخب الذي ثار مؤخرًا بين الديمقراطيين والجمهوريين، فمن المتوقع أن يثير القانون عدة إشكالات أخري أكثر مما يسهم في وضع سياسة واضحة للتنقيب عن النفط الأمريكي واستخراجه. فقد وصف بعض النواب الجمهوريين مشروع القانون بأنه "عار" وضعه متعصبون بيئيون، لأنه واقعيًّا لا يقدم شيئًا يذكر لاستخراج النفط، بل يقدم فقط غطاءً سياسيًا للديمقراطيين لمواجهة الضغوط والمطالب التي تدعو لاستخراج النفط لمواجهة ارتفاع الأسعار. وتساءل زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس النواب "جون بوهنر John Boehner" عن حجم النفط الذي قد يستخرج؟، قائلاً: "إنه صفر.. فقط صفر، لأن الديمقراطيين لا يريدون استخراج النفط بل أرادوا الظهور بمظهر من صَوَّتَ لصالح الطاقة". وحقيقة فقد سعي الديمقراطيون إلي تطبيق أجندتهم الخاصة بالطاقة، فهم لم يُقصروا مشروع القانون علي مسألة استخراج النفط والغاز، بل إنهم صاغوه في سياق سياسة أشمل للطاقة تحافظ علي عوائد شركات النفط والضرائب من أجل استكمال خطط الطاقة البديلة التي ينتهجونها منذ 30 عامًا. أبرز عناصر القرار ومن أبرز العناصر التي تضمنها القرار، ما يلي: 1 فتح المياه الفيدرالية فيما وراء 50 ميلاً من الأرض علي طول شواطئ الأطلنطي والباسفيكي لاستخراج النفط والغاز الطبيعي، في إنهاء للحظر الذي دخل حيز التنفيذ منذ 26 عامًا، وبحيث يشترط موافقة الولاية علي الاستخراج في المناطق التي تبعد عن الشاطئ ما بين 50 و100 ميلٍ، وفيما بعد المائة ميل، لا يشترط موافقة الولاية. 2 سترد أكبر خمس شركات نفطية مبلغ 18 بليون دولار في غضون 10 سنوات، أي لا إعفاءات ضريبية علي هذه الشركات، كما ستدفع شركات النفط عوائد ضريبية إضافية علي النفط المستخرج من أعماق مياه خليج المكسيك. وسوف تستخدم هذه المبالغ للمساعدة في تطوير المصادر الأخري البديلة للطاقة، مثل السولار، وقوة الرياح، والمصادر العضوية الأخري للوقود المتجدد. 3 يتم ضخ 70 مليون برميل نفط من المخزون الاستراتيجي الحكومي لزيادة المعروض في السوق والحد من ارتفاع أسعار النفط. ويُقدر حجم هذا المخزون بحوالي 727 مليون برميل. 4 يعد تقديم شركات النفط رشاوي للموظفين الحكوميين والفيدراليين لتقديم تسهيلات أو تهربات ضريبة جريمة فيدرالية، وقد أضيف هذا البند بعد فضيحة جنس ومخدرات ارتبطت بأحد المكاتب الفيدرالية وموظفي شركة للنفط. 5 اعتماد مبالغ إضافية من حصيلة الضرائب لصناعات الطاقة البديلة، وخاصة الرياح والسولار، وتطوير إنتاج الإيثانول "السيليلوزي" وغيرها. 6 توفير المتطلبات اللازمة لتوليد 15% علي الأقل من الكهرباء بواسطة السولار والرياح والمصادر الأخري. 7 منح إعفاءات أو تخفيضات ضريبية لأصحاب المنازل التي تلتزم المعايير القياسية في استهلاك الطاقة وتوفيرها، وللشركات التي تشجع موظفيها علي استخدام الدراجات في التنقل. وأمام عناصر هذا القانون، فقد واجه الديمقراطيون انتقادات شديدة من النواب الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ، إذ اعتبر بعضهم أن الإجراء الديمقراطي بمثابة رد فعل سياسي فقط، وذلك علي خلفية نتائج استطلاعات الرأي التي أظهرها معهد جالوب، فقد اعتقد 57% من الأمريكيين مقابل 41% ضرورة استخراج النفط في شهر مايو، فيما أظهر استطلاع آخر أجري في منتصف شهر يونيو عن أن 60% مقابل 34% يفضلون تطوير مصادر الطاقة الأمريكية علي حماية البيئة. وإضافة لذلك، فإن المشروع الديمقراطي، لم ينهِ الحظر علي كافة المناطق المتوقع استخراج النفط منها بكميات كبيرة مثل الساحل الشرقي لخليج المكسيك، بل إنه قد استمر في فرض الحظر علي استخراج أنواع معينة من النفط، وتحديدًا "الزيت الحجري" أو "النفط الحجري Oil Shale"، الموجود بين الصخور، والذي يتركز في مناطق مثل Colorado, Utah, and Wyoming، والتي تحوي نحو 800 بليون برميل، ويمكنها أن تنتج أكثر من 40 ضعفًا من النفط الذي يمكن أن يستخرج من المناطق المحدودة علي الشواطئ المحيطية. بين سياستين متناقضتين تأسيسًا علي ما سبق، فإن الديمقراطيين لم يستجيبوا لرغبة غالبية الجمهوريين الذين قضي منهم نحو 130 نائبًا عطلة أغسطس، وهم يضغطون علي الديمقراطيين لفتح كافة المناطق لأعمال الاستكشاف والاستخراج، كما أنهم لم يتمكنوا من قيام "مجموعة العشرة Gang 10"، وهي مجموعة تشكلت من خمسة نواب جمهوريين التحق بهم خمسة من الديمقراطيين لصياغة مشروع جديد لسياسات الطاقة يقوم علي فتح المناطق لاستخراج النفط، بإعداد مشروع يلبي هدفهم وهدف الرئيس بوش، والتي من أبرزها فتح المحمية القومية للحياة البرية في المنطقة القطبية الشمالية الواقعة في ولاية ألاسكا the Arctic National Wildlife Refuge (ANWR) أمام أعمال استخراج النفط. لكن المجموعة التي زاد عدد أعضائها إلي 22 اكتفت باقتراح منع حظر التنقيب علي شواطئ فرجينيا ونورث كارولينا وسوث كارولينا وشاطئ خليج فلوريدا، دون الساحل الشرقي لخليج المكسيك. أمَّا الديمقراطيون، فيقولون بأن أيكولوجية عديد من المناطق، وخاصة في المحمية القومية بألاسكا وشواطئ خليج المكسيك، لا تسمح بمثل هذا التطوير الذي يطلبه الجمهوريون، وأن إجمالي التكلفة لاستخراج هذا النفط ستمد الولاياتالمتحدة بأقل قدر ممكن من مصادر الطاقة، هذا إضافة إلي اعتبارات حماية البيئة والحفاظ علي حياة أنواع نادرة من الحيوانات والطيور في هذه المناطق، فضلاً عن أن التنقيب والاستخراج يوازيهما تغير مناخي يضر بالولاياتالمتحدة. ويؤكد الكاتب علي أن استخراج النفط الأمريكي لن يترك أثرًا يُذكر علي السوق العالمي، لأن احتياطي النفط الأمريكي لا يتجاوز 3% من إجمالي الاحتياطي العالمي، في حين يستهلك الأمريكيون نحو 24% من النفط العالمي، ويعتمدون علي أكثر من 65% من الطاقة من النفط الخارجي. ولأنه يتوقع ألا يتجاوز حجم النفط المستخرج داخليًا عن 75 بليون برميل، ومع توقع زيادة الطلب علي النفط بنسبة 30% حتي عام 2030، فإنه من الصعوبة بمكان أن تعتمد الولايات علي ذاتها في توفير النفط.