«زي النهارده».. ثورة 30 يونيو تطيح بحكم الإخوان 30 يونيو 2013    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 30 يونيو    مقرر استثمار الحوار الوطني: أوربا في أزمة طاقة.. ومصر الوجهة الأهم لتوفير الطاقة المتجددة    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 بعد آخر ارتفاع الأحد 30 يونيو 2024    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم الأحد 30 يونيو    مقتل أربعة في نيكاراجوا وإجلاء المئات في المكسيك بسبب الأمطار الغزيرة    نتائج أولية.. الغزواني في المقدمة بانتخابات الرئاسة الموريتانية    رهينة إسرائيلية مطلق سراحها: هل يمكننا أن نتعلم الحب وليس الكره    قصف مدفعي للاحتلال على مناطق جنوبي رفح الفلسطينية    كوبا أمريكا 2024| منتخب تشيلي يتعادل مع كندا ويودع البطولة    شاهد محمد أبو تريكة يصنع الحدث في مواقع التواصل بعد احداث مباراة المانيا والدنمارك ... خالد منتصر يسخر من تصريحات محمد أبو تريكة    ياسر أيوب: اتحاد الكرة يعاني من تهديد الأهلي والزمالك في قرارات الانسحاب    جهاد جريشة: أطالب رابطة الأندية بالاعتذار للاتحاد السكندري    هشام يكن: الزمالك أخطأ لخوضه مباراة سيراميكا كليوباترا    الأرصاد الجوية: انخفاض طفيف في درجات الحرارة.. والقاهرة تُسجل 35 درجة    إعادة ضخ المياه إلى منطقة الدقى وإستئناف تسيير حركة السيارات (تفاصيل)    مدحت صالح يطرب جمهور الأوبرا بأروع أغانيه على المسرح الكبير    نجوم العالم العربي يطلوّن في البرنامج الجديد «بيت السعد»    "لو تجاري".. اعرف موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2024    الأرجنتين تصعق بيرو بثنائية لاوتارو وكندا تبلغ ربع نهائي كوبا أمريكا لأول مرة    "أبو الغيط": مبارك رفض التصدي للاتصالات الأمريكية مع الإخوان لهذا السبب    التطبيق من الغد، شعبة المخابز تكشف عن التكلفة الجديدة لإنتاج الخبز    تفاصيل جديدة عن زواج نجوى كرم    هل يجوز التهنئة برأس السنة الهجرية.. الإفتاء توضح    الصحة: مرضى الاكتئاب أكثر عرضة للإصابة بالسرطان    7 معلومات عن الأميرة للا لطيفة.. حزن في المغرب بعد رحيل «أم الأمراء»    عاجل.. لطلاب الثانوية العامة.. الأسئلة المتوقعة في امتحان الإنجليزي    أسعار ومواصفات بيجو 2008 موديل 2024    عصام عبد الفتاح يكشف فضيحة تلاعب كلاتنبرج بالخطوط لصالح الأهلي    ملف يلا كورة.. مصير الشناوي.. انتصار الزمالك.. ونهاية مشوار موديست مع الأهلي    حظك اليوم برج القوس الأحد 30-6-2024 مهنيا وعاطفيا    محمد رمضان يقدم حفل ختام ناجحا لمهرجان موازين وسط حضور جماهيرى ضخم    «السيستم عطلان».. رابطة مصنعي السيارات تكشف أسباب تكدس العربيات في الموانئ    ما هي أول صلاة صلاها الرسول؟.. الظهر أم العصر    من هو أول من وضع التقويم الهجري؟ ولماذا ظهر بعد وفاة الرسول؟    وزير خارجية اليمن: القضية الفلسطينية على رأس أولويات القاهرة وصنعاء    عاجل.. فيروس "حمى النيل" يهدد جنود الاحتلال الإسرائيلي.. وحالة من الرعب    اعرف وزن وطول طفلك المثالي حسب السن أو العمر    حكم الشرع في الصلاة داخل المساجد التي بها أضرحة.. الإفتاء تجيب    متحدث التعليم: شكلنا لجنة للوقوف على شكوى امتحان الفيزياء والتقرير في صالح الطلاب    عمرو أديب: مستقبل وطن يمتلك كوادر تنظيمية تستطيع تخفيف الأزمة الاقتصادية| فيديو    ضبط مسجل خطر بحوزته مواد مخدرة وسلاح ناري في الأقصر    حقيقة تأجيل الضمان الاجتماعي المطور لشهر يوليو 1445    الإجازات تلاحق الموظفين.. 10 أيام عطلة رسمية في شهر يوليو بعد ثورة 30 يونيو (تفاصيل)    ظهور مؤثر لVAR وقرارات مثيرة فى مباراتى الزمالك وسيراميكا والاتحاد ضد الداخلية    "طعنة بالصدر".. ننشر صورة المتهم بقتل سباك الوراق بسبب المخدرات    5 علامات تدل على خلل الهرمونات بعد الحمل.. لاتتجاهليهم    مصطفى بكري: إعلان تشكيل الحكومة الجديدة 3 يوليو    رئيس لجنة الصناعة ب«الشيوخ»: 30 يونيو ثورة شعب ضد قوى التطرف والتخلف استجاب لها قائد عظيم لتحقيق طموحات الشعب    بالتزامن مع بداية امتحاناتها.. 14 معلومة عن برامج الماجستير والدكتوراة المهنية بجامعة الأقصر    «الزنداني»: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر هدفها كسب تأييد شعبي    أستاذ علوم سياسية: الدول المنادية بحقوق الإنسان لم تقم بدور مهم حول غزة    د.حماد عبدالله يكتب: "البلطجة والسفالة" وسكان القصور!!    إصابة 4 أشخاص بينهم طفل بلدغات سامة في الوادي الجديد    أخبار × 24 ساعة.. وزارة التموين: سداد فارق تصنيع الخبز المدعم للمخابز البلدية    رمضان عبد المعز: الصلاة على النبى تنصرك على آلام وأحزان ومصاعب الدنيا    مجلس جامعة الأزهر يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    الري: توجيهات رئاسية بدعم أشقائنا الأفارقة في مجال الموارد المائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوريات البحر
نشر في نهضة مصر يوم 15 - 09 - 2008

ارتجفت من منظر خيط الدم السائل من بين فخذي شاقا طريقه تاركا خيوطا متعرجة علي رجلي المرتعشتين، هرعت إلي أمي والخوف يغمرني، ابتسمت أمي وحضنتني في صدرها بحنان وقالت: أنت كبرت خرطك خراط البنات، قلت لها: يعني ايه؟ قالت: يعني حتبقي ..
لم تكمل أمي ونادت علي جدتي تزف لها الخبر، طارت جدتي من الفرح وقالت كبرت بسرعة قبل الأوان عندك عشر سنين فقط، بكره حنروح البحر، لم أعرف لماذا كل هذا الفرح وبطني يعتصرها الألم وركبتي لا تقوي علي حملي، جاء أبي وهمست أمي في أذنيه بالخبر، قال بصوت مرتعش بالغبطة والبكاء كبرت قبل ميعادها، قالت جدتي بكره نشتري لها ملابس جديدة، ملابس بنات كبار، نحتفل بها، دخلت أمي معي الغرفة وجهزتني، استلقيت علي السرير وغطتني بملاءة خفيفة فقد كانت ليلة صيف حارة، شعرت بألم في نهداي المتحجرتين كثمرة الكمثري، بكيت وارتميت في حضن أمي واستسلمت لنوم عميق، في الصباح استيقظت في ساعة متأخرة، وجدت بجواري ملابس داخلية من الدانتيلا ومشد صدر ارجواني، طلبت مني جدتي أن اخلع ملابسي وارتيتها، لأول مرة اخجل من جدتي ومن جسمي، قالت لي لا تخجلي سأخرج والبسي علي مهلك، طبعت قبلة علي خدي، سألتها أين أمي، قالت ذهبت لشراء بعض الأشياء للبيت.
قالت جدتي بحزم من اليوم لن تلعبي مع الأولاد في الشارع، ولن تلعبي بعروستك القطنية فقد كبرت، أحسست بغضة في حلقي، أردت أن اصرخ، انحشر صوتي، فقد اشتعلت في فمي حروف وكلمات دهشتي الأولي ولم استطع أن أخرجها فقد أصابني الخرس، ما هذا الشيء الذي يمنعني من اللعب بعروستي ومع أصدقائي، أحسست بأن روحي محتجزة وراء جدار الدهشة والخوف ولم تكن أجنحتها ترفرف فقد كانت معقودة من ألم الجهل بأسرار الكون والجسد، أدركت أن طفولتي سرقت مني، جاءت أمي وأخبرتني إننا سنسافر إلي الإسكندرية عند عمتي لنحتفل باكتمالي، فرحت لأني أحب البحر جدا، حضرت شنطي وأخذت عروستي القماش المحشوة بالقطن ودسستها بين ملابسي، ودعنا أبي أنا وأمي وجدتي، استقللنا القطار وعندما اقتربنا من محطة "سيدي جابر" كان هواء البحر المنعش يلفح وجوهنا ونسائمه الخدرة تنعش أرواحنا، ركبنا التاكسي إلي بيت عمتي المطل علي البحر في سان ستيفانو استقبلتنا بترحاب كبير وحضنتني بحب ودفء، هذه عمتي التي كنت أشبهها إلي حد كبير وأحبها بجنون، وكانت جدتي دائما تقول لي أنت شبه عمتك وبتسلكي نفس سلوكها أنت لسانك طويل وجريئة ومجنونة زيها، كان جمال عمتي فاتن، جسدها رقيق دافئ وندي، جسد متفتح بالرغبة، عطشي لحب حقيقي رغم زواجها منذ خمس عشرة سنة، لكنه زواج محبط ومنكسر، .
عندما أقبل الليل ذهبنا إلي شاطئ البحر بعد أن تأكدنا من خلوه من البشر، قالت جدتي، لقد أحضرت دم خفافيش طازج..، طلبت مني أن أتجرد من ملابسي، رفضت وصرخت وبكيت، طمأنتني أمي وقالت لي لا تخافي انه طقس بسيط سيفيدك كثيرا، قامست جدتي بدهن جسمي كله عدا شعر رأسي بدم الخفافيش الذي كانت رائحته لا تطاق، طلبت جدتي من عمتي وأمي أن تخلعا ملابسهما، ثم قامت هي أيضا بذلك ونزلنا جميعا إلي البحر، كان القمر بدرا وضوؤه يتلألأ علي أمواج البحر وكانت السماء صافية والنجوم كثيفة محتشدة، وعلي ضوء خيوط القمر الفضية اللامعة المتراقصة غطستني جدتي في ماء البحر وأخذت تردد "يا موجة يا عالية اغسلي دم حفيدتي، خلي جسمها بض زي الحليب، ناعم طول عمرها، لا يكبر ولا يشيخ، ولا ينبت فيه شعر، يا قمر يا اللي في العلالي، خذ جسم حفيدتي العاطب وأعطيها جسماً أملس زي المرمر، يا قمرنا يا قمرنا، نور وجه حفيدتي وأحفظها من العين ومن الحساد وابعد عنها ولاد الحرام..".
استمرت جدتي تتلو الكلمات والرقيات، وبعدما انتهت طلبت منا إن نشكل دائرة، وكل واحدة منا تتمني أمنية في سرها ونهمس بها للقمر، أحسست بعد هذا الطقس الوثني بتغير ملمس جلدي ولون بشرتي، انفجر من جسدي العاري ماء الحياة، وإن وجهي كأنه وجه طالع من القمر، أحسست كأنني دخلت كالمسحورة في بحر يلقي بشبق الكون بين لجاج أمواجه، انفرط جسدي شظايا تبعثرت بين البحر والقمر، أخذتني غفوة صغيرة
تخيلت ان عرائس البحر شقت الماء وخرجت من الزبد الأبيض تتهادي علي رءوس الأمواج بتيجانها المصنوعة من أعشاب البحر تعبد القمر، جلست علي الصخور في هدأة الليل تناجي البحر المصطخب وتكلم النجوم وفي يد كل حورية قيثارة تعزف موسيقي حنون عذبة والحان رقيقة تسكب في النفس صبابة الهوي، بعد وقت قليل بدأت عرائس البحر تتقاذف وتتلاعب في تيار أمواج البحر وأخذت تقترب منا إلي أن أصبحت جزءاً من دائرتنا النسائية، حملتني عرائس البحر إلي قصرها المرجاني في أعمق أعماق الماء وقدمن لي لآلئ البحر ومرجانه ويقوته، أفقت علي صوت جدتي تناديني وصخب أمي وعمتي التي قبل خروجنا من البحر أخذتا تتراشقان بالماء وتلعبان، هناك شيء ما يربطني بالبحر، القمر والغيوم في السماء، بدأت اشعر بالبرودة تسري في جسدي، أخرجتني جدتي من البحر ولفتني ببشكير وردي وأخرجت ملابسي من حقيبة معدة لذلك وساعدتني علي ارتدائها، تمددت علي الرمل تحت عباءة القمر وتساءلت من أنت أيها الطفلة في قلب إعصار هذا الطقس الوثني..
في عين جدتي ألق لا ينطفئ ووحشة يقظة، وقسوة مخبأ داخلها حنين وإحباط داخلي، كان جسد جدتي فارع بض عفي، يرفض الملامسة والمداعبة، متحفز دائما ومتوتر وأحيانا متخشب رغم الشهوة المستترة التي تنبعث منه باستمرار، كانت قد امتنعت عن جدي منذ سنوات طويلة أذاقته العذاب وهو المتيم بحبها والغارق في بحر هواها، كنت أري دموعه تنهمر منه في ليال كثيرة وأنا في حضنه، كان يقول لي الحب قاتل والجمال غواية، كان قلبه الرقيق يرتجف وصوته ينخفض ويصل إلي الهمس عندما يتكلم عن جدتي وكان صدره يبتل من دموعه الموجعة، كنت أحس كل نبضة من نبضه وكل خلجة يتنفسها، كل شهيق وزفير يطلقه، كانت عصارة حزنه تنضح بكبريائه وكان جرحه عميقاً ينزف وحدة ودماً محروراً، ورغم غيظي من جدتي وشفقي علي جدي فكنت استمتع بالإبحار في غرائب أحلامها ورؤاها العجيبة التي كانت تقصها علينا.
ذهبنا إلي منزل عمتي، شربت حساء ساخناً ودخلت إلي الغرفة لأنام، الشرفة تطل علي البحر، وعلي سور الشرفة كانت هناك أحواض الزرع شديدة الخضرة، لامعة ومورقة، كانت رائحة الياسمين والقرنفل والريحان تنبعث منها وتتكاثف حدة هذه الرائحة عندما تهب نسائم البحر الرقيقة، وجدت القمر ساهرا وخيل إلي أنني أري وجهي فيه، وضعت عروستي في حضني وبدأت احكي معها عن القمر، جاءتني رائحة يتفتق منها جمر الأنوثة، أحسست إن الكون رحم امرأة واحدة، ذاب قلبي الصغير تركته هناك، هجرتني الطفولة، ابتعد قمر طفولتي وحل محله قمر آخر تشتعل فيه الرغبات، الشهوات، الأغاني الحزينة وفوضي العالم ودعت قمري القديم ورأيت غمامة تظللني وهمست "في حضرة الليل تأتي صبوة العشق المجلجل" من ينقذ قلبي المصهور تحت ذاكرة الطفولة، ما عدت أذكر غير أنني كنت في عرس أزف للقمر، اغتسلت بضوئه في ملح بحره، تنبهت، لقد رأيت القمر يبتسم لي ويرسل قبلة حنونة انزلقت علي خدي.... أغواني القمر وولدت منه.
اعشقني قبيل الغروب عند البحر
حيث طيور النورس تحلق فوق أشجار النخيل
تكسو السماء بالريش الأبيض
والصيادون يسحبون الشباك بعد رحلة
مليئة بالحنين وأغنيات شجية لزوجات ينتظرن
سيكون جسدي موجة رقيقة ووردة حب
ينبعث منها رائحة الحناء
ستري لون البحر والشمس والسماء
في عيني كحلا ملونا
ووجهي يشع منه رقة ورهافة وصفاء
خلق وميلاد، غرس وإثمار وخصب
سأغزل لك من أمواج البحر ثوبا فضيا
وسأجدل من العشب تاجا لؤلؤيا
أتشممك أغوص في عينيك اللوزتين
وأتلذذ من شفتيك الرقيقتين
وأستنشق عبر ملامحك نفسي
وسترمي شوقك اللامع علي الشط ليجيش البحر بأمواجه الهادرة
سندخل معا في حلل الجمال
سنمسك بقرص الشمس قبل أن يسقط في حضن البحر
نودع فيه شباك الأحزان
ونهيم في ليل وديع كطائر حر
كل شيء يدعونا للتوحد مع جنون الحب
عنفوان البحر وهدوؤه وشوشة الموج
طازجة الودع والصدف الحي، الذكريات المختبئة في الأعشاب
وبهاؤنا الساحر الذي يتلألأ مضيئا علي شط الرمل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.