أظهر الاستطلاع أن هناك "شبه" ثبات في الإجابات والآراء علي مدار سنوات الاستطلاع، وأن عامل الديموغرافيا كان له تأثير طفيف علي آراء الاشخاص مع علاقة ضعيفة بين الدخل وترتيب الأولويات تُعد استطلاعات الرأي العام من الموضوعات المهملة في العالم العربي، فليس هناك مراكز متخصصة بالمنطقة لدراسة الرأي العام العربي حيال العديد من القضايا لاسيما في الوقت الذي تُواجه فيه المنطقة العديد من التحديات والتغيرات الدراماتيكية التي لا تقل أهمية عن السعي الإيراني للعب دور مؤثر في قضايا المنطقة وعملية السلام العربية-الإسرائيلية والإصلاح السياسي والاقتصادي. وأوجد هذا الامر حالة من الانفصال بين قرارات الحكومات العربية ومطالب وطموح الرأي العام العربي، وهو ما يبرز أهمية دراسة شبلي تلحمي المعنونة "هل مازال الصراع الفلسطيني _ الإسرائيلي في بؤرة الاهتمام" الصادرة عن مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينجز في الأول من يوليو، والتي كانت محور حلقة نقاشية بالمعهد ضمت العديد من صناع القرار والأكاديميين في الأول من يوليو أيضاً لمناقشة النتائج والاستخلاصات التي توصل لها شبلي في دراسته. وضمت الحلقة النقاشية ثلاث شخصيات أساسية، أولها مُعد الدراسة والذي يشغل أستاذ كرسي أنور السادات للسلام والتنمية بقسم العلوم السياسية بجامعة ميرلاند/كلية بارك، وكان مستشاراً بلجنة دراسة العراق (لجنة بيكر- هاملتون) وبعثة الولاياتالمتحدة بالأمم المتحدة، وله العديد من الكتب ومقالات الرأي وحضور تلفزيوني لمناقشة العديد من القضايا السياسية لاسيما المتعلقة بالصراع العربي_الإسرائيلي. وهذه الدراسة تستند علي سلسلة زمنية من استطلاعات الرأي في ست دول عربية حول الصراع الفلسطيني_الإسرائيلي أجريت في تسعينيات القرن المنصرم وخلال الست سنوات الماضية. وخلال الحلقة النقاشية قدم ستيفن كول لنتائج استطلاع يقيس الرأي العام الدولي تجاه الصراع الفلسطيني_الإسرائيلي أُجري في 18 دولة. وكول أحد أعضاء كلية السياسة العامة التابعة لجامعة ميرلاند وأحد أعضاء مجلس العلاقات الخارجية والجمعية العالمية لبحوث الرأي العام. وأدار الجلسة مارتن إنديك مدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط والباحث ببرنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكينجز. وقد كان سفيرا للولايات المتحدة في تل أبيب، وعمل خلال إدارة كلينتون مستشاراً للرئيس ولمستشار مجلس الأمن القومي، كما أسس معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني، ودرس بجامعة جونز هوبنكز للدراسات الدولية المتقدمة وبمعهد الشرق الأوسط التابع لجامعة كولومبيا وبجامعة تل أبيب وماكواري في سيدني. نتائج واستخلاصات الدراسة بدأ شبلي بعرض ورقته وإبراز مجموعة التساؤلات التي تُثيرها استطلاعات الرأي العام العربي. وقد شملت الاستطلاعات عينة من ست دول عربية هي مصر والسعودية والمغرب ولبنان ودولة الإمارات والأردن. ووصل عدد المستطلعة آراؤهم إلي ما يقرب من أربعة آلاف كل سنة. ويشير شبلي إلي أنه توصل في دراسته إلي أن هناك نسبة من المستطلعة آراؤهم يصنفون القضية الفلسطينية ضمن أولوياتهم الشخصية، في حين يصنف آخرون تلك القضية ضمن القضايا الأكثر أهمية أو ضمن أهم ثلاث قضايا تشغل اهتمامهم. وفكرة الدراسة تستند إلي قاعدة نظرية مفادها أن ترتيب القضايا والأولويات حسب أهميتها يعد مؤشراً قوياً للسلوك وما سيترتب عليه. وأظهر الاستطلاع أن هناك "شبه" ثبات في الإجابات والآراء علي مدار سنوات الاستطلاع، وأن عامل الديموغرافيا كان له تأثير طفيف علي آراء الاشخاص مع علاقة ضعيفة بين الدخل وترتيب الأولويات. والأفراد الأغنياء يتبنون الأجندة السياسية لحكوماتهم. وتوصلت الدراسة إلي نتيجة في غاية الأهمية تتمثل في ارتباط الاتجاه العام لنتائج الاستطلاعات بصورة قوية، بالقضايا التي كانت تشغل وسائل الإعلام وقت إجرائها. كما سعي الاستطلاع إلي قياس اتجاهات الرأي العام العربي حيال الانقسام بين حركتي حماس وفتح في الكثير من القضايا، وقد تُساعد نتائج الاستطلاع في تقييم القضية الفلسطينية. وتُشير النتائج إلي أن الاتجاه المسيطر علي الرأي العام العربي هو تقديم أكبر دعم لحركة حماس في كل الدول لاسيما بين الرجال ومن ذوي الدخل المنخفض، فضلاً عن تفضيل الأغلبية في الدول -محل الاستطلاع- إلي حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. بالإضافة لتزايد الدعم لحزب الله اللبناني. وعلي النقيض لم ينخرط المعتدلون في الخدمات العامة وتحقيق الأمن وينظر لهم علي أنهم موالون لإدارة بوش. وأولي الاستطلاع أهمية لمعرفة رؤية المواطن العربي للإجراءات التي يجب علي واشنطن انتهاجها والتي من شأنها العمل علي تحسين صورة الولاياتالمتحدة. وجاء في مقدمة إجاباتهم: ضرورة لعب الإدارة الأمريكية دور الوسيط "النزيه" في عملية السلام علي أساس حدود 1967، ثم سحب القوات الأمريكية من دول المنطقة. وتشير الاستطلاعات إلي 75% من المستطلعين يقولون ان الحكم علي الولاياتالمتحدة يعتمد علي سياساتها أكثر من القيم والمبادئ الأمريكية. وهدف الاستطلاع إلي اكتشاف رؤية الرأي العام العربي لإسرائيل. وقد طُرح التساؤل حول الرؤية العربية لإسرائيل مرتين، فقط، خلال عام 2006 و2008، وتُظهر النتائج تراجع نسبة من يرون أن إسرائيل في طريقها إلي الهزيمة والقضاء عليها. وهذا ما يفسر رغبة الكثير من العرب والإسرائيليين في حل الدولتين، ولكن الأغلبية لا تتوقع أن مثل هذا الاتفاق قد يكون مقبولا من الطرف الآخر مع التوقع باستمرار العنف حتي الوصول لحل لهذا الصراع. وسعي تلحمي إلي معرفة رأي العرب في الولاياتالمتحدة. وتوصل إلي أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يشكل التصور العربي تجاه الدولة العبرية، فالرأي العام العربي يري أن إسرائيل والولاياتالمتحدة تُُشكلان أكبر تهديد علي الرغم من القرب الجغرافي لإيران. فالعرب يرون إيران تهديداً لهم، ولكن إجاباتهم علي التساؤل كانت في إطار ترتيب الأولويات والتهديدات. والسؤال الأخير الذي كان محور استطلاع تلحمي استهدف قياس شعبية القيادات بالعالم العربي، وقد أظهرت النتائج إلي أن هناك اتجاها نحو المعارضة. وأكثر القيادات شعبية بالعالم العربي هي تلك القيادات الاكثر تبنياً للعنف والقوة. وقد كان الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في صدارة القائمة. وختم شبلي عرضه بتفسير سبب أهمية الرأي العام للحكومات عند صياغة واتخاذ سياساتها، فيؤكد أنه في كل الدول الست التي كانت محل الاستطلاع وكذلك الدول الخليجية يعد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي قضية مهمة مثل باقي القضايا الأمنية الأخري، والذي يرتبط بقوة بقضايا العلاقات الإقليمية والخارجية.