تناولت دراسة حديثة صادرة عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية قضية تطوير سياسة الحد الأدني للاجور والحد من الفقر في ربوع مصر. بدأت الدراسة بإلقاء الضوء علي الإطار القانوني المنظم للحد الأدني من الأجور في مصر حيث كان القانون حريصاً علي ضمان حد أدني للأجور بالإضافة إلي منح علاوات خاصة بنسب مختلفة تتفاوت بين 15% - 30% منذ عام 1987 إلي عام 2008 حيث بلغت الزيادة في العلاوات حتي العام المالي 2007، 2008% من الاجور الأساسية للعاملين بالدولة وبهذا الإجراء يرتفع الحد الأدني للأجور من 35 جنيها عام 1984 إلي 105 جنيهات في 1/7/2007 وبقيت نسبة 65% من هذه الأجور لم يتم ضمها إلي الآن إلا أنه علي الرغم من ذلك فإنه يلاحظ انخفاض الحد الأدني للأجور وفقاً للقانون بعد إضافة العلاوات الخاصة التي ضمت إلي الأجر الأساسي فضلاً عن ضعف الاعتماد علي الاتفاقيات الجماعية. وأوضحت الدراسة أن الحد الأدني للأجور في مصر بالنسبة إلي متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي انخفض من حوالي 60% في عام 1984 إلي 19.4% في عام 1991- 1992 ثم إلي 13% عام 2007 وهي نسبة منخفضة للغاية لدي مقارنتها بغالبية الدول ذات الظروف المتشابهة. وأوضحت الدراسة أنه ومن وجهة النظر الاقتصادية بأنه كلما اقتربت قيمة الحد الأدني للأجور من خط الفقر فإنه يسهل رفع قيمة هذا الحد بما يساعد الفقراء علي الخروج من دائرة الفقر وبتطبيق هذه النظرية علي مصر يتضح جليا أن النسبة بين الحدي الأدني للأجور وخط الفقر الأعلي تتراوح بين 0.61 في دول الجوار مقارنة ب 0.05 في مصر ومن هنا تطرح الدراسة تساؤلاً حول إمكانية الاعتماد علي آلية الحد الأدني للأجور في الحد من الفقر في مصر. وتستطرد الدراسة قائلة إن هناك تفاوتا كبيرا بين كل من الحدين القانوني والفعلي للحد الأدني للأجور. وتعاود الدراسة بعد ذلك إلي طرح تساؤلات حول إمكانية أن يؤدي تطوير الحد الأدني من الأجور إلي الحد من الفقر في مصر حيث تقول الدراسة إن الاقتصاد المصري يتسم ببعض الخصائص التي تحد من إمكانية الاعتماد علي سياسة الحد الأدني للأجور وتطويرها للحد من الفقر وتتمثل الأسباب في زيادة حجم الاقتصاد غير الرسمي وضعف قدرة الفقراء علي النفاذ إلي سوق العمل وتركز العمالة ذات الأجور المنخفضة في القطاعات التي تتسم بارتفاع مرونة التشغيل وهو ما يؤدي تباعاً إلي ضعف مشاركة الفقراء في سوق العمل وبالتالي سيؤدي ذلك إلي عدم استفادتهم من سياسة تطوير الحد الأدني من الأجور حيث إن القطاع غير الرسمي يشمل نحو 82% من المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر حيث تشير الإحصائيات إلي أن نحو 8.6 مليون عامل يعمل نحو 70% منهم في أنشطة غير رسمية. وفيما يخص ضعف مشاركة الفقراء في سوق العمل أوضحت الدراسة أن سوق العمل في مصر يعاني من العديد من التشوهات منها عدم التوافق الكمي والنوعي بين عرض العمل والطلب عليه حيث يتضح أن ضعف مشاركة الفقراء في سوق العمل يظهر في المناطق الحضرية بصورة أكبر وذلك بسبب ضعف نوعية التعليم التي يحصل عليها الفقراء وبالتالي انخفاض إنتاجيتهم وبالتالي صعوبة حصولهم علي فرص عمل. أضافت الدراسة أنه في ضوء هذه المعطيات فإنه يصعب الاعتماد علي سياسة الحد الأدني للأجور لاستخدامها في الحد من الفقر نظراً للارتباط الوثيق بين الفقر والبطالة. وتتطرق الدراسة إلي العامل الثالث المؤثر في إمكانية تطوير الحد الأدني من الأجور وذلك بسبب تدفق الاعتمادات في مصر الا قطاعات ربحية وليست تنموية مولدة لفرص عمل حقيقية خصوصاً إذا كنا نتحدث عن قطاعات التجارة والتمويل والصناعة الأمر الذي سيؤدي إذا تم رفع الحد الأدني للأجور فيها الي انخفاض فرص التشغيل. وتطالب الدراسة بوضع استراتيجية جديدة تعمل من خلالها علي تطوير الحد الأدني للأجور في مصر واستهداف الفقر وهذا لن يتأتي إلا من خلال وجود أكثر من حد للحد الأدني للأجور حيث تتفاوت هذه القيم وفقاً لمستوي المحافظات وهو ما يختلف عما تم تحديده قانوناً ويعتبر مخالفة له ويتطلب الأمر مراجعته وتعديله وقفا لو تم القياس للأسعار المعلنة. وتضيف الدراسة أن هناك أهمية لأن يتم مراجعة هذه التغيرات دورياً من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كل عامين. وقالت الدراسة إن هناك ثمة آليات لابد أن تكون مكملة لدور المجلس القومي للأجور من خلال تشكيل لجان صناعية تكون من الحكومة وممثلي العمال ومنظمات الأعمال في كل صناعة أسوة بتجربة اليابان فضلاً عن ضرورة تفعيل آليات التفاوض الجماعية وإعادة النظر لتوضيح طبيعة الشركات المساهمة فيها وقواعد المشاركة.