لعبة روسية لجر الولاياتالمتحدة لسباق تسلح انتقاما للسباق الذي انجر له الاتحاد السوفييتي من قبل. يجب الاعتراف بأن الغرب انتصر علي الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة بعامل أساسي، وهو جر السوفيت لسباق تسلح واسع النطاق، هذا السباق الذي أرهق الدولة السوفيتية العظمي وهز أركانها وأضعف اقتصادها بدرجة كبيرة، وهذا في حد ذاته درس كبير تعلمت منه روسيا الحديثة الكثير، ولكن هل تتذكر واشنطن الدرس وتعيه جيدا، أعتقد أن الأمر محل شك. لقد أعطت روسيا خلال الأعوام الثمانية الماضية اهتماما كبيرا للاقتصاد، ولم تعط اهتماما للجيش والتسليح والقوة العسكرية بنفس القدر اللازم، واكتفت بما لديها من قوة سابقة مع تطوير بسيط في إمكانياتها، ولكن هذا لم يمنع روسيا، ومن منطلق اقتصادي أيضا، من الاهتمام بالتصنيع العسكري، هذا المجال الذي شهد تطورا ملحوظا في السنوات الماضية. وكان الهدف الأساسي منه ليس بناء القوة العسكرية بل غزو السوق العالمية للسلاح، ونجحت روسيا في هذا الأمر، وأصبحت منافسا قويا للولايات المتحدة وأوروبا في هذه السوق، ولكن لأن قطاع التصنيع العسكري الروسي ملكا للدولة فإن قوته وتطوره تنسب لقوة الدولة التي لن تبخل علي جيشها بهذا التطور. وقد أعطت الدولة اهتماما واضحا للقوة العسكرية النووية لأنها تدعم مركز الدولة وسمعتها علي الساحة الدولية، وأيضا لأن القوة النووية لن تكلف روسيا الكثير بسبب توافر عناصرها القديمة الأساسية، وهي عناصر متفوقة علي الآخرين الذين مازالوا يعترفون لروسيا بأنها قوة نووية عظمي لا تنافسها فيها إلا الولاياتالمتحدة. ولكن علي ما يبدو أن هذا الأمر أصبح يسبب قلقا واضحا للبنتاجون الأمريكي، حيث سمعنا منذ أيام وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس يقول أثناء زيارته لقاعدة عسكرية جوية في ولاية فيرجينيا "إن روسيا تركز جهودها علي تعزيز قدرتها النووية مما يجعل المحافظة علي القوات النووية الأمريكية مهمة ذات أولوية" وقال جيتس: "بعد الفوضي التي سادت علي أثر زوال الاتحاد السوفيتي أخذت موسكو تزيد من نفقاتها العسكرية بغية ترسيخ قدميها علي المسرح الدولي". وأضاف أن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف طرح في مايو الماضي مهمة تعزيز القوات المسلحة الروسية. وأكد غيتس أن روسيا لا توظف سوي نسبة قليلة في الأسلحة التقليدية معولة علي "الثلاثي" النووي: الصواريخ العابرة للقارات المرابطة علي الأرض والغواصات النووية والقاذفات الإستراتيجية. ويعتبر وزير الدفاع الأمريكي أن "السلاح النووي سوف يكتسب بالنسبة للولايات المتحدة أهمية متزايدة كوسيلة لردع العدو المحتمل". هذه التصرفات من البنتاجون تثير قلق وإزعاج في الكونجرس والأوساط السياسية الأمريكية، ويري فيها الكثيرون لعبة روسية لجر الولاياتالمتحدة لسباق تسلح انتقاما للسباق الذي انجر له الاتحاد السوفييتي من قبل. قد يكون هذا الأمر حقيقيا وواقعيا، ولكن الحقيقة الأخري أن هناك داخل أميركا نفسها من يجر الولاياتالمتحدة للإنفاق الهائل علي التسليح لصالح أباطرة صناعة السلاح هناك. وهذا الأمر ينعكس الآن بالسلب علي الاقتصاد الأمريكي ويغرق الدولة الغنية في ديون ثقيلة لن تستطيع مواجهتها، وقد بدأت الأزمات الحادة تظهر هناك، الأمر الذي يعني أن سباق التسلح والإنفاق العسكري الهائل قد يشكل في المستقبل القريب عاملا رئيسيا في انهيار القطب الأوحد المسيطر علي الساحة الآن.