تنظر الصين إلي الألعاب الأولمبية ل2008 باعتبارها فرصةً سانحة أمامها لتقديم صورة إيجابية، ومُبتسمة، للعالم الخارجي. (وقد أطلقت الصين بالفعل مسابقة دولية لصور الأطفال المُبتسمين. ولكنها ترفض كعادتها توضيح كيفية اعتزامها استخدام هذه الصور). غير أن ذلك يشكل تحدياً بالنسبة لنظامٍ يستعمل تقنيات غربية لإدارة اقتصادِ سوقٍ مفتوحة، ويحافظ في الوقت نفسه علي السيطرة السياسية المركزية، إضافة إلي كل الأجهزة السلطوية التي يمكن أن تتوفر عليها حكومةٌ شيوعية. في مؤتمر الحزب الشيوعي الذي عُقد مؤخراً في بكين، استعمل زعيم الحزب ورئيس البلاد "هو جينتاو"، الذي كان يعلق عليه البعضُ في الغرب الآمال لانتهاج طريق سياسية معتدلة، كلمة "الديمقراطية" في خطابه أكثر من ستين مرة. ولكن، ومثلما لفتت إلي ذلك مجلة "ذا إيكونوميست"، ف"إن القليل فقط هو الذي تغير". فالديمقراطية تتطلب، من بين أمور جوهرية أخري، صحافةً حرة قادرة علي تمثيل المحكومين، ومساءلة الحكومة عندما تدعو الحاجة إلي ذلك. والحال أن هذا المفهوم يعتبر غريباً بالنسبة لنظام بكين، مثلما هو غريب بالنسبة لمعظم القيادة الشيوعية الأخري. لقد وعدت الحكومة الشيوعية المراقبين الأجانب الذين احتجُّوا علي السماح لها باستضافة الألعاب الأولمبية، بسبب تواصل اعتقال الصحفيين ومضايقتهم، بأنها ستكف عن تضييق الخناق عليهم في الفترة المؤدية إلي موعد الأولمبياد وخلال الألعاب نفسها أي من منتصف 2007 إلي 17 أكتوبر 2008. والواقع أن علي مكتبي الآن وأنا أكتب هذا المقال نسخة من 263 صفحة ل"دليل التغطية الإعلامية الأجنبية". وعلي رغم من أن هذا الدليل يعد بتيسير التنقل الحُر إلي أماكن "مفتوحة أمام الأجانب الذين تحددهم الحكومة الصينية"، ويقول إن الصحفيين الأجانب سيكونون أحراراً في إعداد تقارير حول السياسة والمجتمع والثقافة والاقتصاد في الصين، إلا أن المراقبين الإعلاميين يرون أن الحكومة تخلت عن وعودها السابقة حول الانفتاح، وأنه لا شيء من التدابير المزعومة أدي إلي رفع الشروط القمعية المفروضة علي الصحفيين الصينيين أنفسهم. في أكتوبر، عبَّر مجلس لجنة "حماية الصحفيين" الذي يوجد مقره بالولايات المتحدة عن "قلقه العميق" بخصوص حالة حرية الصحافة في الصين قبل بداية الألعاب بعشرة أشهر. وقد قال المجلس، الذي يتكون من 35 صحفياً مرموقاً، إن الزعماء الصينيين فشلوا في الوفاء بما قطعوه علي أنفسهم من تعهدات بخصوص حرية الصحافة حين كانوا يسعون للحصول علي شرف تنظيم هذا الحدث الرياضي العالمي الكبير. أما مجلس لجنة "حماية الصحفيين"، فقد دعا الصين إلي إنهاء الرقابة، ونظام مراقبة وسائل الإعلام، ومعاقبة الصحفيين. ودعا اللجنةَ الأولمبية الدولية التي تشرف علي الألعاب إلي مطالبة الصين بالوفاء بما كانت قد وعدت به بخصوص حرية الصحافة تحديداً. ومن جانبها، أعلنت منظمة "فريدوم هاوس" في أحدث تقرير لها حول حرية الصحافة إن الصحفيين الصينيين، وتفادياً للمشاكل التي قد يتعرضون لها من "إدارة الدعاية المركزية، "يمارسون في الكثير من الحالات الرقابة الذاتية علي أنفسهم، وهي ممارسة يكرِّسها أصلاً التلقين الإيديولوجي المتكرر، إضافة إلي مسطرة رواتب لا تُدفع فيها للصحفيين رواتبهم إلا بعد أن تُنشر تقاريرُهم أو تبث، وتلقي القبول. فعندما يكتب صحفي تقريراً يعتبر مثيراً للجدل، فإن الدفع يعلَّق". وفي مقال نشر في صحيفة "وول ستريت جورنال" في شهر أغسطس، قالت مسئولة في منظمة "هيومن رايتس ووتش" تُدعي صوفي ريتشاردسون إن الأولمبياد، الذي يشكل أصلاً فرصة للمصارحة، أحيي الآن الآمال في أن تنجز الصين وعدها وتسمح بمزيد من الحريات الصحفية: "والحال أن آفاق إصلاح وسائل الإعلام وحرية التعبير ليست جيدة، في وقت بات فيه موعد هذه الألعاب علي الأبواب". لقد أعلن الرئيس جورج بوش أنه سيزور الصين خلال الأولمبياد. ولكنْ، خلال هذه الزيارة، عليه أن يذكِّر نظيره الصيني بأن الخطاب الذي ترِد فيه كلمة "الديمقراطية" ستين مرة، ينبغي أن يؤدي إلي فتح أبواب الحرية أمام الصحافة بشكل أكبر بكثير مما هو سائد اليوم في الصين.