ربما يكون الموضوع الوحيد الذي يتوافر بشأنه شبه إجماع بين الحزبين الرئيسيين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، هو موضوع معارضة التجنيد الإجباري. والذين يعارضون استمرار الحرب في العراق يعارضون التجنيد الإجباري لأسباب واضحة ومفهومة.. . أما الذين يؤيدون سياسة بوش في ذلك البلد، فأسبابهم ليست علي هذا القدر من الوضوح، وهو ما سنوضحه هنا. لقد استخدم بوش حق "الفيتو" ضد مشروع قانون المخصصات المالية التكميلية لحرب العراق، لأنه يتضمن جدولاً زمنياً للانسحاب، إذ يعتقد الرئيس أن إرسال قوات إضافية، سيكون أمراً مطلوباً علي الدوام. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هناك سؤالاً تتعين الإجابة عليه: كيف يمكننا أن نواصل عملياتنا في العراق لما بعد ال 18 شهراً القادمة؟ يصر بوش علي القول بأن تحديد جدول زمني سيقيد أيدي الجنرالات علي الأرض، بينما يري كثيرون أن ذلك ليس صحيحاً، وأن ما سيقيد أيدي الجنرالات فعلاً هو انكسار الجيش الأمريكي. ففي الوقت الراهن نجد أن قواتنا البرية، وبشكل خاص الجيش، تنتشر علي مساحة تتجاوز طاقتها القصوي علي الانتشار، حيث يحارب جنودنا ورجالنا من قوات "المارينز" في العراق منذ ما يزيد علي أربع سنوات، وفي أفغانستان منذ ما يزيد علي ست سنوات. ولتوفير الزيادة في القوات التي يطالب بها الرئيس بوش في العراق، فإن الجيش يجد نفسه مضطراً إلي اتباع كل وسيلة ممكنة من أجل ذلك. ومن هنا، لم يجد وزير الدفاع الأمريكي الجديد أمامه من خيار سوي مد فترة خدمة الجنود في العراق من 12 شهراً إلي 15 شهراً. ومن المعروف أن الجنود الأمريكيين، عندما ينهون دورة خدمتهم في العراق، تتم غالباً إعادة إرسالهم إلي هناك لقضاء دورة خدمة ثانية، وربما ثالثة. بل إنه يتم أحياناً إرسال المجندين الجدد إلي مناطق القتال، دون أن يتلقوا التدريب الكافي. وفي تقرير كتبه بمجلة "صالون"، أفاد "مارك بنيامين" أن الجيش قد أجبر بعض الجنود المصابين علي العودة مجدداً للقتال، قبل معالجتهم بالشكل السليم. كما وصف الجنرال المتقاعد بالجيش "باري ماكفري"، مؤخراً القدرات القتالية الأرضية للقوات الأمريكية بأنها "أصيبت في الصميم". وإذا ما انتقلنا إلي الحرس الوطني فسنجد أن حالته أسوأ من حالة الجيش والمارينز، حيث جاء علي لسان قائده أن 90% من وحداته تفتقر للمعدات، وهو ما يطرح شكوكاً حقيقية حول مدي قدرة هذا السلاح علي الاستجابة للكوارث الطبيعية. وعلي رغم هذه الحالة الصعبة، فإن 13 ألفاً من جنود الحرس الوطني تلقوا إخطارات بأن يتوقعوا إعادة إرسالهم إلي العراق مجدداً عام 2008. ومعلوم أن الجيش الأمريكي لم يتأسس من أجل خوض ذلك النوع من الحروب الممتدة كالتي تجري الآن في العراق. فبعد إيقاف العمل بنظام التجنيد الإجباري عام 1973، تم إعداد النظام الحالي والقائم علي التطوع الكامل، من منطلق أنه لن تكون هناك حروب فيتنام أخري. ومن هنا، كانت النية هي أن يتم تكوين هذا الجيش من وحدات صغيرة الحجم، جيدة التدريب، لديها القدرة علي رد الفعل السريع من أجل صد ومواجهة السوفييت وغيرهم من المعتدين. وكان هذا الجيش مصمماً علي أساس أنه في حالة اندلاع صراع رئيسي، فسيتم دعم الجيش العامل في المرحلة القصيرة والمتوسطة بواسطة الحرس الوطني وقوات الاحتياط. أما إذا ما تطور الصراع، فإن الجيش يجب أن يلجأ في مثل هذه الحالة إلي نظام التجنيد الإجباري لتوفير العدد الكافي من القوات. أي أن نظام التطوع بالكامل، لم يتم وضعه كبديل عن نظام التجنيد الإجباري، وإنما ليكون جسراً مؤدياً إليه. وعلي رغم أن الرئيس ومسؤولي إدارته، أصروا علي أن حرب العراق ستكون صعبة، وستستغرق وقتاً طويلاً... فإنهم لم يفعل شيئاً من أجل الاستعداد الجدي لمواجهة هذا الالتزام طويل الأمد. وإذا ما أخذنا الحالة الحالية للجيش في الحسبان، فسنقول إنه يتعين علي الرئيس، لو أراد أن يبقي عدداً ضخماً من الجنود في العراق بعد 18 شهراً من الآن، أن يعيد العمل بنظام التجنيد الإجباري. لكن المشكلة تكمن في أن الرئيس لن يدعو مطلقاً إلي تطبيق هذا النظام، إذ يعرف جيداً أن أمريكا لن تدعم مستوي التضحيات المطلوبة لهذه الحرب، والتي سيتطلبها تنفيذ نظام التجنيد الإجباري. وهذا أحد الأسباب الحقيقية التي علي أساسها تم تصميم نظام الخدمة العسكرية القائمة علي التطوع بالكامل، وهو أن يحول هذا النظام بين القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية وبين الإقدام علي خوض حرب تفتقر إلي الدعم الشعبي. لذلك، علي الرئيس بوش، ألا يكتفي بالانتظار حتي تمر الشهور المتبقية علي مدة رئاسته، وأن يتحلي بالشجاعة والقدرة علي تحمل عواقب معتقداته، وأن يدعو إلي إعادة تطبيق نظام التجنيد الإجباري. أما إذا لم يقم بذلك، فإن النهج الوحيد المسئول الذي يمكن أن يتبعه، هو تحديد جدول زمني من أجل إعادة القوات إلي الوطن.