قبل أربع سنوات، انطلق غزو العراق بعرضٍ للقوة العسكرية الأمريكية عنوانه "الصدمة والرعب"، حيث أضاءت سماء بغداد بفعل تساقط القنابل والقذائف. غير أن دافعي الضرائب الأمريكيين يجدون أنفسهم اليوم أمام فاتورة حربٍ تبعث علي "الصدمة والرعب" أيضاً. فإلي يوم الأحد الماضي، بلغت كلفة الحرب، حسب العداد الموجود علي الموقع الإلكتروني ل"مشروع الأولويات الوطنية"، 423 مليار دولار (costofwar.com)؛ حيث تدور الأرقام الخمسة الأخيرة التي تظهر علي العداد بسرعة أكبر من عداد الكهرباء الذي يوجد في منازلنا. فالأربعاء الماضي مثلاً، كانت الفاتورة تبلغ 422 مليار دولار. وقد دفع هذا العبء المالي المتزايد خبراء المؤسسات البحثية إلي إعادة تقييم كلفة عمليات الجيش الأمريكي والأمن الداخلي. وفي هذا الإطار، قام "ستيفان كوزياك"، وهو محلل ب"مركز تقييم الميزانية والتقييمات الاستراتيجية" بواشنطن، بمراجعة ما وافق عليه الكونجرس حتي الآن بخصوص الإنفاق الحربي، فوجد التالي: 370 مليار دولار للعراق، و100 مليار دولار لأفغانستان، و30 مليار دولار لأنشطة الأمن الداخلي؛ وهو ما يشكل ما مجموعه 500 مليار دولار مخصصة ل"الحرب العالمية علي الإرهاب". وكان جورج بوش قد استعمل "الفيتو" الرئاسي لمعارضة فاتورة إنفاق حربي بقيمة 124 مليار دولار، لأنها كانت تحتوي علي جداول زمنية لسحب القوات الأمريكية من العراق، تم رصد نحو 93 مليار دولار منها لحرب العراق برسم السنة المالية 2007. هذا وتطالب ميزانية بوش الجديدة ب142 مليار دولار لتمويل جهود الحرب برسم السنة المالية 2008، تم تخصيص نحو 110 مليارات دولار منها حسب "كوزياك" للعراق. إنها أرقام ضخمة بالفعل؛ فقد قدر موقع "الأولويات الوطنية" علي الإنترنت أن المال الذي أُنفق علي الحرب يمثل قيمة أزيد من 20 مليون منحة جامعية لفترة أربع سنوات، أو 3.7 مليون وحدة سكنية عمومية. والواقع أنه حتي إذا ما انتهت الحرب في غضون أيام، فمن المتوقع ألا تنتفي آثارها بالنسبة لدافعي الضرائب قبل عقود مقبلة. وفي هذا السياق، توقعت دراسة أنجزتها "ليندا بلايمز"، أستاذة العلوم الاقتصادية بجامعة "هارفارد"، وزميلها "جوزيف ستيجليتز" من جامعة كولومبيا الخريف الماضي أن تبلغ الكلفة الإجمالية 2.2 تريليون دولار، هذا علماً بأن الدراسة لم تأخذ بعين الاعتبار مخطط الزيادة في عدد القوات الذي أعلن عنه الرئيسُ مؤخراً. الواقع أن هذه الأرقام تقريبية وتقوم علي التقدير، غير أنه ما أكبر الفرق بين هذا المبلغ والرقم الذي كانت تتوقعه إدارة بوش في البداية! حيث توقعت أن تكلف الحرب الخزينة العامة 50 مليار دولار. ويذكر في هذا السياق أن "لورانس ليندسي"، الذي كان مستشارا اقتصاديا في البيت الأبيض وقتها، فقد وظيفته بعد أن ألمح إلي أن الحرب قد تكلف 200 مليار دولار. الأستاذان "بلايمز" و"ستيجليتز" قدَّرا الكلفة طويلة المدي، علي أساس احتفاظ الولاياتالمتحدة بحضور صغير لها في العراق إلي غاية 2016، بنحو 1.4 تريليون دولار. أما في حال انسحاب كل القوات الأمريكية من العراق، فإن الحرب قد تكلف في تلك الحالة تريليون دولار. ويذكر هنا أن هذه التقديرات أخذت في عين الاعتبار العناية الطبية التي تقدَّم للجنود العائدين من الحرب، والتعويضات عن الإعاقة. وإضافة إلي ذلك، سيتعين علي الجيش استبدال المعدات القديمة وإصلاحها. فدبابات الجيش الأمريكي، علي سبيل المثال، لم تُصنع لظروف الصحراء الرملية، وهو ما يفسر تدهورها السريع في العراق. وإضافة إلي كلفة الميزانية، تضيف "بلايمز" و"ستيجليتز" (الذي كان مستشاراً اقتصادياً للرئيس كلينتون) الكلفة التي يتحملها الأفراد والعائلات، أو الوكالات الحكومية غير الفيدرالية؛ ومن ذلك مثلاً فقدان القدرة الإنتاجية للجنود والمقاولين الأمريكيين الذين قُتلوا أو أصيبوا بجروح خطيرة في العراق- مبلغ قُدر ب16.9 مليار دولار. وعلاوة علي ذلك، تفترض "بلايمز" و"ستيجليتز" أن الحرب تسببت في ارتفاع كلفة النفط؛ حيث تبلغ الكلفة الإضافية، علي أساس زيادةٍ قدرها 10 دولارات للبرميل الواحد، 125 مليار دولار علي مدي خمس سنوات. وكان عالم اقتصاد ليبرالي آخر، هو "دين بيكار"، منسق "مركز البحوث السياسية والاقتصادية" بواشنطن، وجد الأسبوع الماضي أن القفزة في الإنفاق العسكري الأمريكي المتعلقة ب"الحرب العالمية علي الإرهاب" (وهي قفزة تصل إلي 1% من ناتجنا الداخلي الخام) تُنشِّط الاقتصاد الأمريكي في البداية، غير أن تأثيرها يصبح سلبياً بعد أن تدخل الحربُ عامَها السادس، متوقعاً في هذا السياق ضياع 464000 وظيفة بعد عشر سنوات. ومن أجل ترشيد الإنفاق الفيدرالي علي الدفاع والأمن، كان فريق عملٍ تابع ل"معهد السياسة الخارجية" قد أوصي الشهر الماضي بميزانية أمنية موحدة تجمع الإنفاق علي "الهجوم" (القوات العسكرية)، و"الدفاع" (الأمن الداخلي)، و"الوقاية" (الالتزامات الدولية غير العسكرية). وهو ما يعني في هذه الحالة أن الميزانية العسكرية المقترحة للسنة المالية 2008 (623 مليار دولار) ستكون أعلي (مع احتساب التضخم) من أي وقت آخر منذ الحرب العالمية الثانية. كما رأي فريق العمل في تقريره أن من شأن ميزانية موحدة من هذا القبيل أن تدعم مقاربة أقل "عسكرة" و"أحادية" تجاه أمن الولاياتالمتحدة، مع تأكيد أكبر علي دور الدبلوماسية. إلا أن هذا التغيير، مثلما يشير إلي ذلك "لورانس كورب"، زميل "مركز التقدم الأمريكي"، اقتُرح منذ بضع سنوات ولكن دون جدوي. ومن جهة أخري، يشتكي "روبرت هورماتس"، مؤلف كتاب "The Price of Liberty" (ثمن الحرية)، الذي صدر الأسبوع الماضي، من حقيقة أن كلفة حرب العراق تُدفع عبر إضافتها إلي الدين الخارجي الأمريكي، وليس عبر التضحيات الوطنية مثلما جرت العادة في الماضي. كما يحذر من أن ارتفاع كلفة برامج مثل "الضمان الاجتماعي" و"الرعاية الطبية" سيجعل من الصعب علي الولاياتالمتحدة دفع كلفة "الحرب العالمية علي الإرهاب"، حتي في حال انتهاء حرب العراق.