يعرف الجميع أن العقوبات الاقتصادية لا تفعل فعلها. انظروا فقط إلي عقود من الضغط العقيم علي كوبا. وإذا ما بحثنا في موقع "جوجل" عن عبارة "العقوبات الاقتصادية لا تفعل فعلها" فإننا نحصل علي ما يقرب من 1.2 مليون موقع. ولكن في الحالات الحديثة لكوريا الشمالية وإيران هناك نمط جديد من العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة الأمريكية، له تأثير كبير من دون أن نلغي من الذهن أن الحكمة التقليدية يمكن لها أن تكون خاطئة. ولا يود مساعد وزير الخزانة روبرت كيميت أن يصف هذه الإجراءات المالية بالعقوبات، مفضلا مصطلح "إجراءات فرض القانون"، فيما يشير ستيوارت ليفي وكيل وزارة الخزانة لشئون الإرهاب والاستخبارات المالية أن "العقوبات موضع سخرية، وتتمتع بتاريخ سيئ". وتأتي الصلاحية بالنسبة للعقوبات الجديدة، كما هو الحال مع الكثير من أسلحة السياسة الأخري، من قانون الوطنية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، الذي يفوض الفصل 311 منه وزارة الخزانة بتحديد مؤسسات مالية أجنبية "ذات علاقة بغسل الأموال". وما أن يجري تحديد بنك أجنبي فإنه يعزل عن النظام المالي الأمريكي، ولا يمكنه التعامل بالدولار أو القيام بتعاملات مع المؤسسات المالية الأمريكية، كما لا يمكنه التمتع بعلاقات متكافئة مع البنوك الأمريكية. وتفعل الإجراءات الجديدة فعلها بسبب القوة الخفية للعولمة: لأن كل دوائر النظام المالي العالمي مترابطة ومتداخلة، وحجر الولاياتالمتحدة يمتد فعليا إلي كل البنوك الرئيسية في العالم. وكما أشار ليفي في خطاب ألقاه أخيرا فان تأثير هذا الفصل الصغير من قانون الوطنية "ظل أكثر قوة من الكثير من الأفكار المحتملة". وطبقت وزارة الخزانة وسائل جديدة علي كوريا الشمالية في سبتمبر 2005، عندما وضعت بنكا في ماكاو يسمي "بانكو دلتا آسيا"في القائمة السوداء. ولم تكن هناك إجراءات قانونية وإنما مجرد إشعار في السجل الفيدرالي يلخص الدليل: "بنك دلتا آسيا" ظل يقدم خدمات مالية غير مشروعة إلي مؤسسات حكومة كوريا الشمالية والشركات التي تعمل كواجهة لفترة زادت علي 20 عاما، وفقا لإشعار وزارة الخزانة. وكان بنك ماكاو الصغير قد ساعد الكوريين الشماليين علي تداول عملات المائة دولار المزوّرة، وغسلَ أموالا من صفقات مخدرات وموّلَ تهريب السجائر. وزعمت وزارة الخزانة أن كوريا الشمالية "تدفع رسوما لبنك دلتا آسيا من أجل الوصول المالي إلي النظام المصرفي مع قليل من الإشراف أو التحكم". وتوقفت التعاملات المالية الدولية فورا مع مصرف بيونج يانج، وتوقفت التعاملات مع الجهات الأمريكية، إلا أن بيان وزارة الخزانة حذر بلدانا أخري من مغبة التعامل مع "بنك دلتا آسيا"، إدراكا منها للحاجة إلي النظام المالي العالمي اتخذت السلطات المصرفية في ماكاو إجراء تنظيميا من جانبها وجمدت أرصدة المصرف التي تقدر بقيمة 24 مليار دولار. وبدأت المصارف في مختلف دول آسيا البحث عما إذا كانت هناك صلات بالشركات الوهمية لكوريا الشمالية بغرض وقفها. بدأ الآن تطبيق إجراءات مالية مشابهة علي إيران. وهنا أيضا جاء التأثير من الطريقة التي استجابت بها المؤسسات المالية الخاصة للضغط العام من جانب وزارة الخزانة. ويقول كيميت انه بات علي المصارف دراسة احتمالات المخاطر، بات عليها الآن أن تأخذ في الاعتبار النتائج المترتبة علي التعامل مع إيران والمخاطر الأخري المحتملة إذا اكتشف أنها جزء من تعاملات تتعلق بالإرهاب أو الإنتاج النووي. بدأت وزارة الخزانة تضغط علي الجانب الإيراني في سبتمبر الماضي عندما اتهمت "بنك الصادرات"، وهو واحد من أكبر المصارف الإيرانية المملوكة للحكومة، بتحويل مبلغ 50 مليون دولار إلي "حزب الله" وحركة "حماس" ابتداء من عام 2001. واتخذت وزارة الخزانة قرارا بوقف "بنك الصادرات" من الدخول إلي النظام المالي الأمريكي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. واتخذ إجراء مماثل في يناير الماضي ضد بنك "سيبا" الذي تتهمه وزارة الخزانة بأنه وسيط لدي "منظمة الصناعات الفضائية الإيرانية" التي تشرف علي برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. وفي نفس الوقت كان مسئولون كبار بوزارة الخزانة قد التقوا بمصرفيين ووزراء مالية في مختلف دول العالم، للتحذير والتنبيه علي التحلي باليقظة تجاه أي تعاملات مع شركات إيرانية، من المحتمل أن تكون متورطة في دعم الإرهاب سرا. هذه الحملة الهادئة كانت كافية لإقناع غالبية المصارف الأجنبية الكبري في أوروبا واليابان بالابتعاد عن إيران. العقوبات الجديدة أكثر فعالية، لأنها أجبرت، أخيرا، دولا تتحدي قرارات مجلس الأمن حول الإنتاج النووي مثل كوريا الشمالية وإيران علي دفع ثمن حقيقي. إلا أن ليفي يتساءل عن الهدف لإثارة جدل داخلي حول ما اذا كانت هذه سياسات التحدي ذات معني، وهذا يحدث في إيران. الأشخاص الذي لديهم حس في مجال الأعمال التجاري يدركون أن مثل هذا السلوك يجعل من الصعب عليهم مواصلة العلاقات التجارية العادية.