عندما أشارت إدارة الرئيس بوش إلي توفر معلومات استخباراتية استقتها من مصادر رفضت الكشف عنها تفيد بوجود عدو بالغ الخطورة في الشرق الأوسط، أبدت وسائل الإعلام، هذه المرة، الكثير من التشكك. فلكي تفتدي نفسها من الخطأ الفادح الذي ارتكبته بانسياقها وراء مزاعم الإدارة الأمريكية بشأن امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل وصلته المزعومة بتنظيم "القاعدة"، تحرص وسائل الإعلام ألا تتعرض للخداع مجدداً من قبل الإدارة الأمريكية التي يبدو أنها بصدد تهييء الأجواء لحرب أخري محتملة ضد إيران. لكن حتي مع إثارة الصحفيين لأسئلتهم المشروعة حول مصداقية المعلومات الاستخباراتية، والدافع وراء إطلاقها في هذا الوقت، إلا أنهم فشلوا في المضي بتشككهم قدماً لفحص ومساءلة الأساس الذي تقوم عليه مزاعم إدارة بوش في الحالة الإيرانية: وهو أن الدور الإيراني في العراق تجاوز الحدود. ولنأخذ مثلاً الافتتاحية التي نشرتها "نيويورك تايمز" يوم 13 فبراير الماضي بعنوان "إيران وقارئو المعلومات الاستخباراتية". فبينما طلبت الصحيفة من الرئيس بوش "توضيح نواياه تجاه إيران"، وحذرت من مغبة الدخول في "حرب كارثية أخري"، ثم تساءلت عن سبب إعلان الإدارة الأمريكية في وقت سابق ضلوع القيادة الإيرانية في تزويد الميلشيات العراقية بالقنابل المضادة للدروع، ثم سحب ذلك لاحقاً، إلا أنها أضافت قائلة "لا يوجد شك في النوايا الخبيثة لإيران لأنها مازالت تتحدي قرار مجلس الأمن الذي ينص علي وقف أنشطتها النووية، فضلاً عن تدخلها السافر في العراق". وقبل مناقشة كيفية تناول الإعلام الأمريكي للموضوع الإيراني، لابد من أن أوضح أولاً أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بإنكاره للهولوكوست وبتصريحاته النارية فهو يعكس صورة سلبية للغاية عن بلده. ومع ذلك هل يحق لنا وصف الانخراط الإيراني في العراق علي أنه "خبيث"، أو بأنه نوع من "التدخل" في الشئون العراقية؟ وإذا كانت إيران ترغب في قيام حكومة عراقية موالية لها فهي بالتأكيد لا تفتقد العقلانية. فخلافاً للولايات المتحدة، تعرضت إيران لهجوم سابق شنه عليها العراق عندما كان نظام صدام حسين يحظي بدعم أمريكي ويسعي إلي إسقاط ثورة آية الله الخميني. وفي تلك الحرب الطويلة التي امتدت من 1980 إلي 1988 لقي مئات الآلاف من الإيرانيين حتفهم عندما لجأ صدام حسين إلي استخدام الغاز السام ضد الجنود الإيرانيين. فليس غربياً إذن أن تسعي إيران إلي ضمان عدم قيام حكومة عراقية قد تشكل تهديداً علي أمنها في المستقبل. لذا لم تخفِ إيران ابتهاجها عند سقوط صدام حسين، لكنها في الوقت نفسه رفضت التنازل التام عن العراق لصالح النفوذ الأمريكي. إلي ذلك تعتبر إيران نفسها حامية المصالح الشيعية في المنطقة، وهي باعتبارها كذلك ينظر إليها من قبل الشيعة بنظرة تنطوي علي الامتنان والحذر في آن معاً بدءاً من شيعة الخليج وانتهاء بشيعة لبنان وباكستان. ويرجح في هذا الإطار أن تكون الحكومة العراقية أكثر شبهاً إلي النظام الإسلامي في إيران من الديمقراطية الليبرالية التي تدعو إليها إدارة الرئيس بوش، أو فكرة "الصدامية بدون صدام" التي ساندها سراً العديد من مؤيدي غزو العراق. فإذا كان دعم إيران لحلفائها الشيعة في العراق وتعزيز نفوذهم لا يروق لواشنطن، فإن وصفه ب"التدخل" بالكاد يتفهم مصالح إيران في العراق. ولابد عند التفكير في السلوك الإيراني أن نتذكر التعهد الأمريكي بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، واستخدام القوة العسكرية في سبيل ذلك.