كأن العالم العربي ينقصه صدامات وصراعات داخلية، حتي انفجر صراع جديد في لبنان بدأت مرحلته الجديدة منذ عامين باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ثم توالت الاغتيالات لتشمل 15 شخصية سياسية ونيابية وصحفية، آخرهم وزير الصناعة بيار الجميل نجل الرئيس الأسبق أمين الجميل. والصراع الآن يدور حول شرعية المحكمة الدولية المختصة ببحث ومحاكمة المسئولين عن اغتيال الحريري وبقية الاغتيالات، وعلي خلفية رفض حزب الله نزع سلاحه تطبيقا لقرارات مجلس الأمن في أعقاب انتهاء العدوان الإسرائيلي الذي وقع هذا العام، واستمر أكثر من شهر، وصمد خلاله حزب الله والمقاومة والشعب اللبناني أفضل صمود. وبدلا من أن يؤدي هذا الصمود إلي تعزيز وحدة الشعب اللبناني انقسم بشدة إلي معسكرين، معسكر الغالبية البرلمانية الذي أصبح معروف باسم معسكر 14 مارس نسبة إلي تظاهرته المليونية في شوارع بيروت (ساحة الشهداء وساحة رياض الصلح) والذي يضم أبناء رؤساء الوزراء السابقين الذين تم اغتيالهم سعد الحريري زعيم حزب المستقبل نجل رفيق الحريري ووليد جنبلاط زعيم التيار الديمقراطي ونجل الزعيم الوطني كمال جنبلاط، وهناك اتهامات للمخابرات السورية بالتورط في قتل الزعيمين. وإلي جانبهما حزب الكتائب برئاسة الرئيس الأسبق أمين الجميل الذي قتل نجله بيار الجميل منذ أسابيع معدودة. علي الجانب الآخر هناك معسكر 8 مارس الذي يستمد أيضا اسمه من تاريخ مظاهرة حزب الله المليونية في نفس الساحتين، ويضم إلي جانب حزب الله حركة أمل والوطنيين الأحرار بزعامة الرئيس الأسبق الذي أبعد إلي المنفي الاختياري ميشيل عون قبل أن يعود مرة أخري ليتحالف مع أعداء الأمس. الأزمة اللبنانية تتصاعد وفشلت كل الأطراف الداخلية والخارجية في حلها، وأخيرا فشلت الجامعة العربية هي الأخري، مما يفتح الأبواب أمام مصادمات في الشارع خاصة أن حزب الله وزعيم حسن نصر الله هدد بإسقاط حكومة فؤاد السنيورة متهما إياها بأنها حكومة عميلة للأمريكان. الاعتصام المستمر في ساحتي الصلح والشهداء، يهدد بانفجار مواجهة بسبب عملية اغتيال أو عملية عنف واسعة تتحول إلي حرب أهلية جديدة تدمر لبنان، كما دمرته الحرب الأهلية التي امتدت من 1976 إلي 1990، حيث تم عقد اتفاق الطائف. وإذا كانت فلسطين تحتاج معجزة، والعراق يحتاج مثلها، وكذلك دارفور، فلبنان أيضا ينتظر هذه المعجزة لإبعاد شبح الحرب الأهلية، والتوصل إلي تسوية سياسية تحافظ علي سلامته ووحدته الوطنية.