في الصباح قرأت عددا كبيرا من الكتاب المصريين المعتبرين حكوميين ومعارضين ومستقلين، كان من الصعب علي أن أتعرف بوضوح علي موقفهم تجاه ما يحدث في لبنان. غير ما وراء السطور جميعا تستطيع أن تلمح تأييدا بلا تحفظ للسيد حسن نصر الله وحلفائه في لبنان، لقد انتصر الرجل علي إسرائيل وجاء الوقت الذي يجب عليه فيه أن ينتصر علي لبنان. الشعور بالغيظ من الحكومة المصرية والرغبة في معارضتها عمال علي بطال أوقعهم في فخ عشق الفاشية علي الرغم من أنهم جميعا يعرفون أن كل هذه القوي السياسية الدينية التي تحاصر الحكومة الشرعية في قصر الرئاسة في بيروت ليست إلا طلائع الجيش النجادي، وأنا لا أتصور أحدا منهم جميعا يرضي أو يوافق علي أن يحكم هنا في مصر بالأفكار النجادية، كما لا أتصور أحدا منهم يوافق علي التواجد في بلد ينسف فيه الكتاب الأحرار. فهل نحن من ذلك النوع الذي تسعده الفاشية وخاصة عندما تكون بعيدة عنا، ولكن، هل هي بعيدة عنا حقا؟ هذه هي المرة الأولي التي أستعير فيها عنوانا لكاتب آخر هو الزميلة نهلة الشهال من جريدة الحياة اللبنانية. هي وكل الكتاب اللبنانيين الأحرار يدركون جيدا أي جهنم تنتظر لبنان عندما تستولي الفاشية الدينية علي الحكم هناك في الوقت الذي نخلط فيه نحن الحق بالباطل ونتكلم عن حق (الناس) في إسقاط حكوماتهم بالتظاهر. هل هي حقا مظاهرة قامت بها الناس في بيروت، أم هو استعراض فاشي لا أحد يجهل أو حتي يخفي مصادر تمويله. هذه هجمة منظمة للغاية تتيح لعدد كبير من البشر الاستم تاع بمولد جديد له صاحب هذه المرة، مولد يستمتع فيه الناس ببهجة البطالة والطعام بل والشيشة والشاي والبوكيت مني أيضا. هذه ليست تظاهرة لإسقاط الحكومة بل هي جريمة لإسقاط لبنان نفسه في قبضة الفاشية الدينية المتحالفة مع حكومة نجاد ولا أقول إيران، ما معني أن يغلق الطريق إلي المطار، ما معني أن يحاصر الميناء؟ هذه الهجمة أنعشت جماعة الإخوان في مصر ودفعتهم إلي لعب دور جديد في جامعة الأزهر، لأول مرة في الجامعات المصرية نشهد مشهدا جديدا علينا قديما عند غيرنا. لأول مرة يظهر الملثمون المصريون يقدمون عرضا لفنون القتال بغير سلاح وهي الكاراتيه والكونج فو. هل هي بروفة جنرال.. متي وأين سيكون عرض الافتتاح. .؟ يموت الزمار و صباعه بيلعب، الرسالة واضحة.. ليس لدينا تنظيم مسلح بالرشاشات والقنابل بل بمهارات الجسد وقوة العضلات ومرونتها.. ملثمون نعم.. ولكن هل هناك قانون في مصر يمنع الإنسان من إخفاء ملامح وجهه؟ هل النقاب أصبح جريمة؟ أليس حقا من حقوق الإنسان في أن يرتدي ما يشاء؟ لقد عرض فيلم قصير علي الناس في برنامج ( القاهرة اليوم) وأبدي عمرو أديب انزعاجه الشديد من المشاهد التي رآها وأجري حوارا مع نائب رئيس الجامعة كما أجري حوارا مع المتحدث الرسمي باسم الملثمين، وسأله بوضوح: هل أنت منتم لجماعة الإخوان المسلمين ؟ فأجاب: لأ.. . كان عمرو منزعجا أشد الانزعاج، كما كان الزميلان خيري رمضان ووائل الإبراشي.. هل هذه هي مصر التي نعرفها؟ اسمحوا لي أن أتطوع بالإجابة: ليست هذه مصر التي نعرفها.. هي مصر التي سنعرفها عندما نتوقف عن خوض معركتنا ضد الفاشية الدينية في كل مكان في المنطقة العربية. علينا أن ندافع عن ذلك القدر المحدود من الحرية المتاحة لنا، وأن ندين بكل قوة أية ممارسات للقمع السياسي والديني عندنا وعند غيرنا. ظهور الملثمين أمر طبيعي في مصر بعد ظهورهم في لبنان وفي فلسطين. ولقد وافق عدد كبير منا علي ذلك بل وأيدوه باعتباره ضرورة من ضرورات المقاومة. . هم ببساطة يحمون أنفسهم من العدو الإسرائيلي لكي لا يعرف ملامحهم، أما في مصر فلابد أن هذا اللثام ضرورة من ضرورات الديموقراطية، كانت القضية هي أن بعض الطلبة قاموا بعمل اتحاد للطلبة فاقد للشرعية، فقامت إدارة الجامعة بفصل زعمائهم لمدة شهر. فهل عرض الكاراتيه والكونج فو داخل في معطيات الديمقراطية؟ هل هو أحد عناصر الدراسة في الجامعات المصرية؟ هل سنشهد عما قريب في محلات ملابس الورع والتقوي أقساما جديدة تبيع هدوم الملثمين ؟ هل سنشاهد في برامج التليفزيون من يزين لنا تعلم الكونج فو والكاراتيه لكي نتمكن بها من الدفاع عن أنفسنا ضد المشروع الأمريكي في المنطقة؟ ما نخشاه في مصر وما نرفضه لا يجب علينا الدفاع عنه في بقية البلاد العربية، وما نريده لأنفسنا من ديمقراطية علينا أن نريده لغيرنا من سكان هذه المنطقة. وعلي هؤلاء الخائفين غير المسئولين الذين يحجزون أماكن في الرحلة والمرحلة التي يظنون أنها قادمة، عليهم أن يعيدوا حساباتهم. وليعرفوا أنه في الحكومات الدينية الفاشية لا مكان للمعتدلين، وأن الجناح الأكثر عنفا هو تاريخيا من يستولي علي الحكم بعد شهور أو عدة سنوات. الغضب من الحكومة المصرية ومعارضتها، وعدم الرضاء عنها لايجب بحال من الأحوال أن يدفعنا للتصفيق للفاشية.