تصريحات السكرتير العام للامم المتحدة "كوفي عنان" التي اكد خلالها ان الوضع في العراق اسوأ من حرب اهلية تكشف من جديد عن المدي المأساوي الذي وصلت اليه الاوضاع في العراق، حتي ان عنان عقد مقارنة بما كان يحدث من نزاعات في بلدان اخري قائلا "منذ سنوات وعندما كان هناك نزاع في لبنان وفي اماكن اخري كنا نصف ذلك بالحرب الاهلية، لكن بالنظر الي مستوي العنف وعدد الاشخاص الذين لقوا مصرعهم، فان الوضع في العراق اسوأ من حرب اهلية. المؤتمر الدولي وطرح عنان فكرة عقد مؤتمر دولي لانقاذ العراق، وهو ما رفضته الادارة الامريكية التي وجدت في المؤتمر الدولي اعترافا بهزيمة الولاياتالمتحدة وخروجا للاوضاع من اياديها، واعلن مستشار الامن القومي "ستيفن هادي" ان البيت الابيض سيخرج باستراتيجية جديدة في العراق تعتمد التوصيات المناسبة لتقرير لجنة "بيكر" المتوقع صدورها اليوم "الخميس" علي اقصي تقدير. ولا يتوقع ان تتضمن توصيات لجنة وزير الخارجية الاسبق "جيمس بيكر" بالمشاركة مع رئيس مجلس النواب الاسبق "لي هاميلتون" اتخاذ اجراءات مفاجئة مثل التوصية بانسحاب شامل، وانما قد تدعو الي تغيير في بعض مهام القوات والي فتح حوار مباشر مع سوريا وايران فيما يتعلق بالوضع في العراق، وهو ما يختلف عن صيغة المؤتمر الدولي الذي سينزع من الولاياتالمتحدة صيغة انفرادها بتقرير الاوضاع في العراق، وهو ما ترفضه الولاياتالمتحدة بشكل تقليدي ومستمر ازاء اقتراح عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط ايضا. وتعتمد الادارة الامريكية حاليا فكرة تدعيم التشاور مع الدول العربية التي صنفتها تحت اسم "الدول المعتدلة" من خلال صيغة 6 + 2 الجديدة التي تضم دول الخليج الست بالاضافة الي مصر والاردن، في مواجهة التحالف السوري الايراني الذي يبدو ناجحا اكثر في افساد الخطط الامريكية في العراق وفلسطين بشكل خاص هذه الايام. واذا كانت الادارة الامريكية ترفض المؤتمر الدولي فإن الرئيس العراقي جلال طالباني رفض ايضا هذه الفكرة قائلا: "نحن اصبحنا دولة مستقلة ذات سيادة تقرر مصير هذا البلد" وفي المقابل اشار طالباني ان اجراءات اخري تم الاتفاق عليها بين جورج بوش ورئيس الحكومة نوري المالكي خلال اجتماعهما الاسبوع الماضي في عمان، مشيرا الي ان تلك الاجراءات ستؤدي الي اطلاق يد الحكومة في زيادة فاعلية قوات الجيش والشرطة لمواجهة العمليات الارهابية، والمضي نحو تعديل حكومي لتحسين اداء الحكومة والبدء بخطة فاعلة لتعزيز الامن ومؤكدا "سنتمكن وللمرة الاولي بموجب هذه الخطة من حشد مئات الالوف من القوي الامنية لمواجهة الارهاب". واعترف رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب كريستوفر شايز الذي زار العراق منذ ايام بإرتكاب اخطاء كبيرة بينها حل القوات المسلحة العراقية، والتساهل ازاء العمليات التي ادت الي التدهور الامني، ومشيرا الي ان "المالكي طالب الرئيس بوش بأن تتسلم الحكومة العراقية مهمات السيطرة" علي الوضع الامني، واننا في الكونجرس ندعم هذا التوجه. اتصالات مع ايران وسوريا ويترافق مع الاجراءات الامنية الجديدة تكليف الادارة الايرانية لسفيرها في بغداد زلماي خليل بالاتصال بدمشق وطهران، فيما تبدو وزيرة الخارجية كونداليزا رايس اكثر انفتاحا علي فكرة ارسال وزير الخارجية الاسبق جميس بيكر الي بغداد وطهران لاجراء حوار مباشر ولكنه غير رسمي. التوصيات وطبقا لما نشرته الصحف الامريكية من تسريبات حول خطة بيكر فهي تتضمن عدة توصيات هامة مثل سحب الجزء الاكبر من القوات الامريكية من العراق بحلول عام 2008. وانتقال الجيش الامريكي من دور قتالي الي دور مساند، وفي هذا الاطار يمكن الحاق عسكريين امريكيين بصفوف القوات العراقية اعتبارا من يناير القادم لتحسين فاعليتها. اجراءات اتصالات دبلوماسية انشطة في الشرق الاوسط لاسيما باجراء اتصالات مباشرة مع ايران وسوريا، وفي البداية يمكن اجراء اتصالات في اطار مؤتمر اقليمي حول العراق او مفاوضات سلاح شاملة في الشرق الاوسط تشمل النزاع العربي الاسرائيلي. ولكن الرئيس بوش رفض فكرة الانسحاب بشكل قاطع خلال مباحثاته في عمان مع نوري المالكي مؤكدا ان القوات الامريكية ستبقي في العراق، طالما ان المهمة لم تنجز وطالما ان الحكومة العراقية تطلب منا البقاء". وايا كانت التوصيات فإن المسألة الجوهرية في نظر الخبير في الشئون الايرانية اريك هوجلاند تكمن في حجم النفوذ المتبقي لم يعد لها للاسف سوي دور المتفرج وهي فقدت نفوذها وسلطتها تدريجيا. اعترافات رامسفيلد اعترافات وزير الدفاع المستقيل دونلد رامسفيلد تكشف هي الاخري ابعادا اخري للاوضاع المأساوية في العراق فقد كشفت صحيفة النيويورك تايمز ان رامسفيلد بعث بمذكرة سرية الي البيت الابيض قال فيها "من وجهة نظري حان الوقت لاجراء تعديلات محورية، ومن الواضح ان ما تقوم به القوات الامريكية في العراق حاليا غير مجد او سريع بما يكفي". والمثير ان رامسفيلد قدم اقتراحات تتبني توجهات جديدة من قبيل التجريب، مشيرا الي ان ذلك يمنح الادارة الامريكية القدرة علي التحول الي مسار آخر عند الضرورة، وبذلك لا تتعرض للخسارة ومن بين مقترحات التجريب تلك وقف المساعدات الخاصة بإعادة الاعمار عن المناطق التي يحدث بها العنف كنوع من العقاب علي سوء السلوك ومعاقبة المناطق التي ترفض التعاون مع القوات الامريكية فيما يتم اعطاء اموال للقيادات السياسية والدينية لمساعدة القوات الامريكية علي اتمام مهمتها. ولكن اهم اقتراحات رامسفيلد تتضمن سحب القوات الامريكية من المناطق الخطيرة مثل بغداد ونقلها الي اماكن اكثر امنا في العراق او الكويت لتتحول الي قوات تدخل سريع، وضغط القواعد الامريكية التي يبلغ عددها 55 قاعدة الي 5 قواعد فقط بحلول يوليو 2007 لتقليص القوات الامريكية في العراق. نحو القتيل رقم 3 آلاف وما بين توصيف كوفي عنان للاوضاع في العراق، والدعوة الي مؤتمر دولي، ورفض بوش الانسحاب، وصدور تقرير بيكر، فإن الاوضاع اليومية للشعب العراقي تسير من سيئ الي اسوأ، ووصلت عمليات القتل الي داخل المستشفيات نفسها بعد صدور تقارير عن دفع رشاوي لقتل المصابين الذين افلتوا من الموت، وبالتالي فقد تضاعف عدد القتلي العراقيين بصورة مخيفة. كما ارتفع عدد الجنود الامريكيين الذين قتلوا في العراق منذ الغزو في مارس 2003 الي 2887 قتيلا، ومع توقع وصول الرقم الثلاثة آلاف ربما مع اعياد الكريسماس، فإن الكونجرس بتشكيلته الجديدة التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي سيشهد نقاشات حادة وربما عاصفة سياسية تعيد اجواء حرب فيتنام. ومع انفاق الولاياتالمتحدة 350 بليون دولار علي تلك الحرب فإن الادارة الحالية ستجد صعوبة بالغة في ان تطلب من الكونجرس بعد عدة اسابيع تخصيص 127 بليون دولار اخري لتغطية نفقات الحرب في العراق وافغانستان مما يرفع كلفة الحروب الفاشلة الي قرابة 500 بليون دولار، وبالتالي فإن امريكا كلها لن تكون مستعدة لاسماع عبارة واحدة وهي كيف يمكن ايقاف نزيف الخسائر البشرية والمادية الرهيبة دفعة واحدة. وربما يكون السبب في انتظار توصيات بيكر هو البحث عن توصية تنهي ذلك كله، وساعتها قد يكون لها اهميتها، حيث سيقدم خدمة جليلة لاسرة بوش التي عمل معها سنوات طويلة في انقاذ بوش الابن وبذلك يسدي جميلا الي بوش الاب، كما يسدي جميلا الي الشعب الامريكي بإنقاذ ابنائه من مغارات بوش الفاشلة في افغانستان والعراق.