أتوجه هذه المرة بهذا الخطاب الي أمانة سياسات الحزب الوطني_ إيماناً بدورها الهام والمتصاعد علي مستوي رسم السياسات وتوجيه الحكومة وابدأ بسؤال العنوان أين يقع أصلاح الجامعة علي سلم أولوياتكم؟ فللأسف الشديد في كل مرة يتولي أمر الوزارة المختصة بالتعليم العالي وزير جديد تُطرح رؤي جديدة ووسائل جديدة للتطوير ورغم ذلك فأن الواقع يؤكد أن الخدمة التعليمية الجامعية في تدهور مستمر وو صلت الي حدها الأدني _ فالحقائق تؤكد أن الجامعات المصرية دون أستثناء خارج المنافسة لعدم القدرة. فعلي مستوي الدائرة العربية تأتي الأردن في مقدمة الدول التي تقدم خدمة تعليمية جامعية متقدمة وعلي مستوي الدائرة الأفريقية تأتي دولة جنوب أفريقيا في مقدمة دول القارة. الجامعة المصرية خارج المنافسة.... بعد أن كانت في خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي تتوازي ان لم تكن تتقدم علي بعض جامعات أوروبا وكانت المسافة بينها سواء علي مستوي أعضاء هيئة تدريسها وطلابها وانتاجها العلم وبين جامعات المرتبة الأولي في أوروبا لا تزيد عن خمس أو عشر سنوات تقدم علمي الأن وصلت المسافة الي أكثر من المائة عام ان لم تزد. أعتذر عن هذه المقدمة السوداء ، وعذري أنها الحقيقة التي تؤكد علي أن كل خطوات التطوير والاصلاح التي تأتي مع كل وزير جديد لا تصب في خانة الاصلاح الحقيقي للجامعة ولذلك أناشد أمانة لجنة السياسات إذا كانت تسعي الي تحديث ونهضة مصر وتتطلع للعب دور أكبر في التخطيط لمستقبل مصر، أن تبدأ بالجامعة لكونها تمثل قاطرة المجتمع فهي أنسب دوائره لتفعيل خطوات الأصلاح الحقيقي بحيث تكون عناصرها سواء هيئة التدريس/ طلاب/ أداريين نواة حقيقة مؤمنة وداعية لنهضة مصر مرة أخري. فالجامعة ركن أساس جوهري في عقل الأمة وضميرها فهي البوتقة التي تخرج منها الرؤي والأفكار والأبحاث في فروع المعرفة كافة..... وقد أثبت التاريخ الحديث أن تقدم الأمم مرتبط بالمستوي العلمي لجامعتها. أنني من الفريق الذي يؤمن بأن النقد الذاتي أحد أهم قيم الديمقراطية وأول خطوة علي طريق التغيير والاصلاح وأن نشر وشيوع هذه القيمة في مجتمعنا سوف يقربنا كثيرا من تحقيق الحَلم- وعلي يقين من أن اصلاح الجامعة اصلاح كامل وشامل يَُعد من أهم مفاتيح الإصلاح العام. لذلك أري أن الخطوة الأولي في العلاج الناجع هي تشخيص المرض ثم تأتي الخطوة الثانية وهي العلاج الذي يشفي من المرض ولا يسكنه فقط. ما هي أبعاد الأزمة: في تقديري أن أزمة الجامعة والبحث العلمي في مصر ترجع إلي نوعين من المشاكل: 1- مشاكل ادارية 2- مشاكل مهنية أو فنية. أولآ: المشكلة الادارية وتداعياتها: من بديهيات الإدارة العامة ، أن الأداء الفعال لأي مؤسسة مرتبط أساساُ بمدي توافر هيكل اداري مؤهل وواضح ومستقر والواقع الجامعي لدينا للأسف الشديد يفتقر لذلك. أهم صور هذه المشكلة: 1 المؤهلات التي علي اساسها يتم اختيار القيادة الجامعية لجميع مستوياتها ( رئيس الجامعة ونوابه / عميد الكلية وو كلائه). حيث تأتي في مقدمتها الولاء الأعمي للرئاسة الأعلي فغالبية القيادات تفتقد الي الرؤية الاستراتيجية الواسعة لادارة الموقع وعدم الرغبة في الإجتهاد والتجديد والتغيير_ بل العكس هو القائم- استسلام للأمر الواقع حفاظاً علي الاستقرار المصتنع الهش ومنعا للتوتر الذي قد يصاحب عمليات التغيير والهدف الأول دائما هو استمرار القيادة في موقعها بغض النظر عن تدهور وحدة العمل. 2 السلطة المطلقة للقيادات وسيادة المؤثرات الشخصية وتنحي الموضوعية في اتخاذ القرار. تؤدي في الغالب الي صدور قرارات يجانبها الصواب وفي بعض الأحيان متضاربة . 3 انشغال القيادات العلمية بالمسائل الادارية اليومية مما يؤثر علي رؤيتها الشاملة للعملية التعليمية والبحثية بالإضافة إلي أن أغلب القيادات غير مؤهلة علمياً بفن الإدارة. 4 تعاظم سلطان مركزية الجهاز الاداري علي اتخاذ القرار مما يؤثر بالسالب علي حرية الحركة العلمية سواء علي مستوي القسم أو الكلية. 5 إنخفاض مستوي دخل عضو هيئة التدريس وما له من تأثير سلبي علي تفرغه للعطاء التعليمي والبحثي ودفعه الي البحث عن وسائل أخري لزيادة دخله والتي قد يكون بعضها مَهين لمقام عضو هيئة التدريس. ثانيا: المشكلة الفنية وتداعياتها: 1 عدم وجود توازي بين نظم التعليم الجامعي وخطط التنمية وكان نتيجة ذلك أن سوق العمل يعاني فائضاً أو نقصاً كبيراُ في نوعيات مختلفة من الخريجين وهي نتيجة مباشرة لنظام القبول المعمول به في الجامعة. 2 مناهج التعليم وطرق التدريس التي لا تواكب التقدم العلمي ومعدله بل في بعض الأحيان لاتتلائم مع الواقع المعاصر. والتي تصنف تحت نوعية التعليم العام وسيادة ثقافة الذاكرة التي تفرخ خريجين يفتقرون إلي التدريب والتخصص والابداع. 3 تعدد وازدواجية المؤسسات التعليمية والتباين فيما تقدمه من خدمة تعليمية. (الجامعات الحكومية الكليات التي تدرس باللغة الأجنبية داخل الجامعات الحكومية الجامعات الخاصة الجامعة الأمريكية فروع الجامعات الأجنبية في مصر الجامعة الفرنسية الجامعة الألمانية الجامعة البريطانية) .و هذا بالضرورة يؤدي الي تعميق الفئوية والتمايز الذي يفقد التعليم غايته الأساسية، وهي تكوين المجتمع المتعلم المتماسك ثقافيا والمتجانس في وحدته البنائية. 4 التوسع غير المدروس في التعليم الجامعي. والاهتمام بالكم وليس الكيف ودون النظر الي احتياجات التنمية. بل ان بعض هذه الكليات لا يتوافر لها شروط الصلاحية مثل (المكان المناسب أعضاء هيئة التدريس المكتبة المعامل). وفي الوقت نفسه تضاؤل فرص نظم التعليم الأخري الموازية للتعليم النظامي مما يشكل عبئًا ثقيلاً عليه. 5 ضعف الميزانية المخصصة للتعليم والبحث العلمي سواء بالمقارنة بالدول المتقدمة أو بدول الجوار. مما يؤثر بالتالي علي مستوي الخدمة المقدمة والمستوي العلمي الدقيق للبحث. وان كنا لا ننكر التزايد المطرد في ميزانية التعليم والبحث العلمي في السنوات الأخيرة إلا أنها مازالت بعيدة عن المتوسط العالمي. 6 الخلل في توزيع القوي البشرية من العاملين في قطاعات البحث العلمي. حيث تتركز النسبة الكبري(73.25) في قطاع التعليم العالي وانخفاضها في قطاع الانتاج (13.43) وقطاع البحث العلمي(13.32) وهي نسب مخالفة لما هو كائن في البلدان المتقدمة حيث تزداد النسبة في قطاع الانتاج عن باقي القطاعات. 7 نظام التكليف المتبع في تعيين المعيد والمدرس المساعد والإعتماد فقط علي التفوق العلمي كأساس للتمييز وكذلك نظام التعيين الألي لعضو هيئة التدريس وهي أنظمة عقيمة لا تفرز بالضرورة الأكفء والأصلح.