في بلاغه إلي السيدين رئيس مجلس الشعب والنائب العام, تساءل السيد علي لبن عضو البرلمان المصري بكل وضوح: هل هناك عقوبة أقل من الإعدام شنقا ضد كل من, ثم ذكر سيادته عدة أسماء لمسئولين كبار في الحكومة المصرية ابتداء من رئيس الوزراء السيد أحمد نظيف مرورا بعدد من الوزراء لأنهم سمحوا بإزالة جامع من مكانه في ميدان العتبة من أجل تنفيذ المرحلة الثالثة من مشروع مترو الأنفاق ( في حين أن ملكية المساجد لله وحده) ويحرم نزع ملكيتها وهدمها بقصد المنفعة العامة ليوم الدين. وكأن الأسماء التي طالب بإعدامها ليست كافية أو تفي بالغرض لذلك أضاف لهم إسم فضيلة شيخ الأزهر. ولقد قامت جريدة روز اليوسف ( 26 أكتوبر 2006 ) بعمل تغطية جيدة للموضوع من كافة جوانبه, كما نشرت جريدة المصري اليوم خبرا آخر عن بلاغات أخري من سيادته ضد وزير التربية والتعليم بسبب وجود السيدة مونيكا شافيز مديرة لمشروع تطوير التعليم المصري ( مما يهدد الأمن القومي المصري ويمثل خيانة للوطن) ستلاحظ في بلاغه ضد وزير التربية والتعليم أنه لم يطالب بإعدامه صراحة مكتفيا بأن بلاغه يتضمن عقوبة الإعدام فالمفهوم بداهة أن خيانة الوطن جريمة عقوبتها الإعدام. هذه البلاغات قد تصيبك بالدهشة أو بالصدمة والاستنكار, أما بالنسبة لي فهي تمدني بالمزيد من الأدلة علي أن منهج التفكير في الفكر السياسي الديني يدور حول محور واحد هو الحصول علي اللذة الناشئة عن القتل كفعل يتخلص به من خصومه أو الاكتفاء بالتفكير فيه كوسيلة للحصول علي قدر ولو ضئيل من تلك اللذة. كل حوادث القتل في التطرف السياسي الديني دافعها الأساسي هو الحصول علي اللذة الناشئة عن القتل مهما حاول صاحبها التمويه وإخفاء هذا الدافع تحت أطنان الكلمات.. ولا تصدق شيئا آخر. لقد كان صاحب البلاغات صادقا كل الصدق في جزء واحد منها هو طلبه الموت لخصومه السياسيين, هو بالفعل سيشعر براحة هائلة عندما يحكم عليهم بالإعدام وهو يعرف أن تحقيق ذلك هو المستحيل بعينه لذلك يكتفي بتقديم الطلب. أما بقية العناصر في بلاغاته التي يري أنها تشكل خيانة ضد الدولة وضد الدين فهو أول من يعرف أنها اتهامات عاجزة عن الوقوف أمام أي منطق أو مناقشة عقلية. لقد علق الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق علي هذه البلاغات قائلا: هذا الكلام يعد هوسا دينيا لا يمكن أن يصدر عن رجل اطلع علي الأمور الفقهية والشرعية في الإسلام وليس من الشرع أو الدين. غير أنني اختلف مع الشيخ عاشور في أمر واحد وهو وصفه لما حدث بأنه هوس ديني, فالهوس ليس هو التشخيص الصحيح وربما كان الأفضل من الناحية العلمية هو كلمة ( لوثة) وهي كلمة عبقرية أختارت اللغة العربية أن تشتقها من التلوث والتلويث وهو ما ينطبق بالضبط علي كل الأفكار الناتجة من خلط الدين بالسياسة وخلط السياسة بالدين, هذا هو رجل وصل إلي البرلمان عن طريق صندوق الاقتراع وهو بالمناسبة اختراع غربي علماني قال للناس: اختاروني لكي أراقب الحكومة لحسابكم, لكي أضمن لكم أن تقوم بتنفيذ المشاريع التي تعود عليكم بالخير.. إعطوني أصواتكم لكي أراقب وأشترك في صنع كل التشريعات الخاصة بمصالحكم. وبعد أن حصل علي أصواتهم, وبعد أن اكتشف أن هذه اللعبة السياسية لا تخصه وليس مؤهلا لها, تراجع عن كل ما وعد به أهل دائرته, وقدم بلاغات في قيادات الدولة يطلب فيها الموت لهم. نحن هنا أمام حالة واضحة من حالات الغش السياسي التي حدثتك عنها من قبل, والتي تضع الجميع أمام مسئولياتهم. كل حالات الغش في كل المجال الصناعي و التجاري في كل بلاد الدنيا اهتم بها المشرع, غير أنه لم يتخيل إمكانية ظهور حالات للغش السياسي. لذلك ستقرأ خبرا عن تلميذ طرد من لجنة الامتحان لأنه ضبط يغش, كما ستقرأ عن حملة قام بها مكتب مكافحة الغش الصناعي أو التجاري ضبط فيها سلعا مغشوشة, ولكنك لن تقرأ خبرا من أي نوع عن عضو في البرلمان قام بعملية غش سياسي لأهل دائرته وأهل بلده. حرفان باللغة الإنجليزية يعرفهما الآن كل الشبان في مصر ولم يكونا موجودين علي أيامنا هما c.v أي السيرة الذاتية المختصرة, من أنت وماذا تعرف وماذا تجيد. من المستحيل أن تلتحق بعمل الآن بغير أن تقدم هذا ال c..v الذي سيتم تعيينك بمقتضاه. كل سلعة في الأسواق يحتم القانون كتابة مكوناتها عليها أما في البشر فالأمر يختلف, ما هي الجهة التي يلجأ إليها المواطن عندما يقع في مشكلة غش سياسي؟ أما السؤال الأهم فهو: ماذا تفعل الدولة في مواجهة الغش السياسي؟ إن أي تدخل منها بالسالب سيتم تفسيره علي أن الحكومة ( المستبدة ) تستبعد خصومها من البرلمان بعد أن حملتهم أصوات الشعب إلي هناك. لقد كنت أشعر بالألم في الانتخابات الماضية عندما كنت أشاهد في برامج الأخبار الأمن المصري وهو يمنع وصول الناخبين لبعض الدوائر الانتخابية فأنا أعرف جيدا مدي التأثير السيئ لذلك علي سمعة الدولة, وفي الوقت نفسه كنت أشعر بألم أشد لوصول أصحاب الدين السياسي إلي البرلمان فانا أعرف بالضبط ماذا سيفعلون.. فما هو الحل؟ هذا العصر يفرض الحل.. الحاجة أصبحت الآن ملحة لوجود مكتب في الأممالمتحدة وظيفته مكافحة الغش السياسي. هل مراقبة سلوك حكومة ما في مجال النشاط النووي أقل أهمية من مراقبة الغش السياسي في بعض بلاد العالم الثالث التي من الممكن أن ينجم عنهامتاعب إقليمية تتحول إلي كوارث عالمية, علما بأنه لم يعد علي الأرض الآن ما يسمي محلي وعالمي. أعترف أن مهمة هذا المكتب وتفاصيل عمله ليست واضحة تماما في ذهني الآن , غير أنني أعتقد أن الفكرة بحد ذاتها ستجد من يهتم بها ويعمل علي تحويلها إلي أفعال محددة, هناك عشرات المكاتب والهيئات والمنظمات في الأممالمتحدة تملك بها عشرات الوسائل اللازمة التي ترغم بها الحكومات علي الالتزام بمصالح المجتمع الدولي ولكن ماذا عن الجماعات والأفراد الذين يغشون مجتمعاتهم ويجيدون التسلل إلي مواقع حاكمة في المجتمعات من خلال المفاصل الموجودة داخل القوانين ؟ هذا الشخص القادر علي اللعب علي حبال الأرض والسماء من أجل الوصول إلي البرلمان ثم يعطي ظهره لكل الدساتير والقوانين ويصرخ في وجهك: لدي الأدلة الشرعية الكافية علي أنك تستحق الإعدام. أليس هذا هو بالضبط ما سيقوم بتنفيذه عندما يصل إلي الحكم؟ ما هي الطريقة التي نحافظ بها علي الحرية والديموقراطية, وفي الوقت نفسه نتمكن من الدفاع عن أنفسنا ضد المتلذذين بفكرة قتلنا؟ ما هو الحل الذي تتحقق بموجبه قاعدة ألا تجوع الذئاب ولا تفني الغنم. عندما يعرف غشاشو السياسة أن هناك سلطة عليا علي الأرض ممثلة في الأممالمتحدة ستقوم بالتحقيق في أقوالهم وأفعالهم وأنها تستطيع أن تسقط عضويتهم من البرلمان الذي دخلوه بالغش, سيفكرون ألف مرة قبل أن يطلبوا إعدام الناس.