في كلمته التاريخية.. التي عبرت عن الفلسفة الإسلامية باعتبارها طوق النجاة علي مدي الزمن القادم الذي يجب أن يكون مختلفا عن أحوالنا في الزمن الصعب.. ومن علي منبر الاحتفال بليلة القدر وجه كلمته بالتحديد لعلماء المسلمين فقال الرئيس "مبارك": "ذكروا الناس بأن الدين لله والوطن للجميع"، وبأن أحدا لا يملك حق الزعم باحتكار الدين.. وما من جماعة تملك الزعم بأفضلية خاصة أو مرتبة أعلي.. أو تنصب أفرادا بعينهم أوصياء علي الدين أو متحدثين باسمه نيابة عن جموع المؤمنين". وبرغم أن كلمة الرئيس "مبارك" لا تحتاج إلي تعليق إلا أنني قد وجدت نفسي راجعا بخواطري إلي الوراء قاطعا مسافة نصف قرن من الزمان للترحم علي أرواح علماء الدين من أصحاب الفكر المتحرر من أغلال الجمود الفقهي المتحجر الذي ازدادت صلادته علي مر التاريخ في عصر وقع فيه المسلمون بين شقي الرحي من تاريخ إسلامي بات محتاجا إلي إعادة صياغته بأقلام إسلامية ومنصفة وجمود فقهي بات محتاجا أيضا إلي المجددين لمسايرة روح العصر بعد أن وقف المسلمون فرادي في مواجهة أعظم مخاطر القرن الواحد والعشرين والتي تمثلت في محاولة تخريج المسلمين من مركز المنظومة العالمية لوضعهم خارج دائرة الزمن! أما عن التاريخ الإسلامي فله رجاله من علماء الدين والتاريخ الذين قطعوا شوطا كبيرا علي درب التصحيح بعد أن فطنوا إلي مؤامرات تزييف التاريخ الإسلامي وحضاراته علي يد بعض المستشرقين الذين في قلوبهم مرض تاريخي وأيديولوجي لعظمة الإسلام وفلسفته من عينة من تآمروا علي "ابن رشد" فحوكم وأحرقت مؤلفاته ونفي بعد أن وصلت الفلسفة إلي أقصي مدي من "العقلانية" عند "ابن رشد" عندما ربط بين مشروعية تأويل النص الديني وعدم مشروعية الإجماع عند التأويل وبالتالي يمتنع التكفير أي لا تكفير مع التأويل.. والجدير بالذكر أن الأغلبية العظمي من المستشرقين الذين قدموا إلي الشرق لدراسة عاداته وتقاليده ودياناته هم من المنتمين إلي الكنيسة الكاثوليكية الغربية!! فكيف يتأتي الإنصاف علي يد هؤلاء عند تناول تاريخ دين "الوسطية" وهم في الأصل من طائفة مفتقدة إلي إنصاف الحق التاريخي للإسلام بأقلام كاثوليكية غربية مرتعشة من "الإسلام فوبيا"؟! وتاريخ المستشرقين شرحه يطول بعد أن ربط المستشرق الفرنسي "ماسينيون" بقلمه مهمة التعرض لشرعية تيار إسلامي دون تيار إسلامي آخر وهو كاثوليكي المذهب! مما كان له أكبر الأثر في التفريق بين المذاهب الإسلامية في العصر الحديث. وفي تصوري أن أول الأسس وأهمها علي الإطلاق لدعم مسيرة التقريب التي بدأت هنا علي أرض مصر ثم غيبها التاريخ لاعتبارات عدة ومعروفة سارت عكس التقريب أولها هو إعادة صياغة التاريخ الإسلامي منذ ظهور الإسلام حتي وقتنا هذا بشرط أن تكون الصياغة العادلة والمنصفة والتي تخلو من الهوي تكون بأقلام إسلامية قادرة علي ذلك لتحقيق منطق "التعادلية" بين ما كان وما هو واجب.. ولا أدعي أننا أول من أشار إلي ضرورة إعادة صياغة التاريخ الإسلامي وحضاراته كأولي دعائم التقريب بين المذاهب لأن ذلك من البديهيات التي لا تخفي علي الضمير الإسلامي أو لعل ذلك قد نادي به غيرنا إلا أنه قد ذهب أدراج الرياح التي هبت علي مجهودات التقريب ذاتها.. وقد يتساءل البعض أيا كان عن العلاقة بين التاريخ الإسلامي والمذاهب الإسلامية بعدما وصفنا هذه العلاقة بأنها أقوي الأسس التي تدعم التقريب بين المذاهب فنقول: إن التاريخ هو القاعدة أو إحدي القواعد الشرعية بحكم التواتر التي تستند عليها المذاهب ليس في الإسلام فحسب بل نحن نتصور أن ذلك ينطبق علي جميع الأديان فينسحب بالتالي علي جميع المذاهب في الإسلام كما ينسحب أيضا علي جميع الملل والمذاهب المسيحية وطوائف اليهود.. لنستنبط من تلك النظرة العامة أبرز الخصوصيات في الإسلام وهو "المذهب الشيعي" لنجد أنفسنا في حالة هبوط اضطراري علي أرض التاريخ الشيعي لعل ذلك يدعم مقولتنا بأن التاريخ هو القاعدة الشرعية للمذاهب طالما بقيت الشيعة هي الصفحة التاريخية المقابلة لصفحة التاريخ السني.. فالشيعة يعتبرون تاريخهم من المقدسات جنبا إلي جنب مع المعتقدات فتاريخهم يحمل جوهر "عقائدهم" إن لم يكن أحد فروضها! "الشيعة" هم التيار الرئيسي حيث لا نفضل قول المذاهب المنشق في الإسلام.. وخلافاتهم مع الغالبية السنية أقل من القواسم المشتركة وأولها الإيمان بالله الواحد وبرسالة نبيه... وقد تشكل التيار الشيعي حول مسألة رئيسية وهي خلافة النبي محمد صلي الله عليه وسلم وكان الخلفاء الأوائل بعد وفاة الرسول عام 632م قد اختيروا من بين الصحابة.. وقد جاء بدور "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه ابن عم الرسول وصهره كخليفة رابع بين عام "656 661"م وقد تم اغتياله إثر عملية تمرد فقام حزب علي المسمي "الشيعة".. والشيعة في اللغة معناها الفرقة أو الفريق قام الشيعة بالدفاع عن حقوق ورثته في وجه الخلفاء الرسميين.. فهم وفق عبارة جاءت علي لسان "ماسينيون" الذي أشرنا إليه هم "أنصار الشرعية في الإسلام"!.. لنصل بذلك الوصف الذي جاء علي لسان كاثوليكي إلي بيت القصيد بلا عناء يذكر.. فذلك الوصف بصرف النظر عن الدخول في جدل الشرعية أو اللاشرعية نحن نتصور أنه قد جاء علي سبيل المحاولة التي لا تخلو من الهوي من أجل تغليب شرعية تيار ديني علي آخر خاصة إذا كان التيار الآخر هو التيار السني وهنا مكمن الخطورة التي شكلت أكبر معاول التفريق والتشيع بين المسلمين بعد أن تخلينا بإرادتنا الإسلامية الغائبة عن أقلامنا وهي الأحق بإقرار الشرعية المذهبية أو عدم شرعيتها في الإسلام لو كان ذلك علي سبيل الافتراض لمذاهب أو تيارات إسلامية تؤمن بالله الواحد الأحد وبرسالة نبيه الخاتم!