تعتبر أمريكا أرض المهاجرين من دون منازع، فقد ساهمت روح المغامرة لديهم وإصرارهم علي التفاني في العمل والسعي إلي تحقيق أهداف كبري إلي رفعة هذا البلد وصناعة مجده. ومهما يقول البعض عن الهجرة ومشاكلها في غمرة النقاش الجاري اليوم حولها لابد من الاعتراف بالدور الحيوي الذي لعبه المهاجرون في بناء الولاياتالمتحدة ورفعة شأنها. وقد قام العديد منهم بذلك من خلال دورهم كجنود انتظموا في الجيش الأمريكي ومن هؤلاء "البارون فان شتوبن" و"الماركيز دي لا فاييت" اللذان خاضا معاً حرب الاستقلال الأمريكي. واليوم حان الوقت للنظر في فصل جديد من قضية الهجرة الأمريكية علي ضوء المتغيرات الجديدة، وذلك بفتح المجال أمام " قة يمكننا الاستمرار في جذب خيرة الأفراد علي مستوي العالم ممن يبدون روح المبادرة ويبرهنون علي مهاراتهم في مختلف المجالات. وفي هذا السياق يمكن أيضاً منح فرصة جديدة للمهاجرين السريين الذين يعيشون في أمريكا من خلال تجنيدهم والاستعانة بخدماتهم داخل الجيش الأمريكي. وبإفساح المجال أمام الأجانب للالتحاق بالجيش الأمريكي، فإننا نساهم في تلبية الخدمات التي يحتاجها الجيش ولا يستطيع توفيرها بالنظر إلي الصعوبات المرتبطة بعملية تجنيد عناصر جديدة. والأكثر من ذلك أن تجنيد الأجانب في صفوف الجيش الأمريكي وفتح المجال أمامهم للحصول علي الجنسية الأمريكية من شأنه أن يعالج بعض المشاكل التي تواجهنا في الحرب ضد التطرف الإسلامي مثل جهلنا بلغات وتقاليد الشعوب التي يعيش فيها الإرهابيون. وبهذه الطريقة سيساعد المجندون الجدد من غير الأمريكيين في فهم ثقافات الشعوب الأخري وبالتالي المساهمة في تفادي كل ما من شأنه أن يثير الحزازات ويولد المشاكل في التعامل مع الحساسيات الثقافية لتلك الشعوب ويسهل عملية كسب عقول وقلوب فئات واسعة من أفرادها. ويشير بعض المتشككين إلي أنه لا توجد حاجة إلي الأجانب ما دامت موازنة الجيش لهذه السنة خصصت ما يكفي من الموارد للرفع من عدد المجندين والحفاظ علي الأهداف المرسومة. لكن علي المتشككين أن يعرفوا أنه ما كان لذلك أن يتحقق دون التساهل في معايير القدرة والسن، حيث سمح لعدد كبير من غير المؤهلين وأصحاب السوابق بالانضمام إلي الجيش، فضلاً عن زيادة الإنفاق علي الحملات الترويجية التي تخاطب الجمهور وتسعي إلي إقناع الأفراد بالالتحاق بالجيش. ورغم مساندتنا للتدابير التي اتخذت إلي غاية اللحظة، فإنه من غير المجدي التعويل عليها لحل مشكلة التجنيد وضخ دماء جديدة في الجيش الأمريكي. فقد توقع مؤخراً رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي الجنرال "بيتر شومايكر" بأن القوات الأمريكية ستظل مرابطة في العراق بحجمها الحالي إلي غاية 2010، حيث يقضي معظم الجنود وأفراد قوات المارينز انتشارهم الثالث وحتي الرابع منذ هجمات 11 سبتمبر2001 ومن غير المرجح أن تتحمل قوة تعتمد أساساً علي المتطوعين المزيد من الخدمة في صفوف الجيش، وحتي لو أبدت استعدادها لمواصلة الخدمة، فإنه من المجحف أن نطالب القوات نفسها ببذل المزيد من الجهد لوقت أطول. وقد يعارض البعض هذا الاقتراح علي أساس أخلاقي مجادلين بأنه من غير اللائق الاعتماد علي قوات من "المرتزقة"، وإغراء الأجانب بالقتال إلي جانب أمريكا مقابل حصولهم علي الجنسية الأمريكية. وهنا لابد من الإشارة إلي أننا نعتمد مسبقاً علي عشرات الآلاف من المرتزقة الذين تستعين بهم الحكومة الأمريكية كالمتعاقدين في مجال الأمن لتعويض النقص الموجود لدي القوات الأمريكية. غير أن الأمر بالنسبة للأجانب الذين سيلتحقون بالجيش الأمريكي سيكون مختلفاً، حيث سينضبطون وفق قوانين الجيش وستحدوهم رغبة الحصول علي الجنسية الأمريكية التي تفوق في قيمتها الحصول علي المال. أما فيما يتعلق بالأخطار التي سيواجهونها في العراق وأفغانستان، فإنها لا تختلف كثيراً عن الأخطار التي واجهتها الأجيال السابقة من المهاجرين الذين شقوا الطرق وشيدوا ناطحات السحاب وأداروا المصانع والمناجم. لكن لا أحد من الأجانب سيجبر علي الخدمة العسكرية، كما لن يتم تقليص حصص الهجرة، حيث سيظل الطريق العسكري إلي المواطنة الأمريكية خياراً وليس واجباً. ولا نعتقد أنه من المبرر الشعور بالخوف، أو الانزعاج من تدفق مهاجرين جدد إلي الولاياتالمتحدة. فحتي لو جندنا 50 ألفاً كل عام علي امتداد الثلاث سنوات المقبلة، فإن ذلك الرقم، رغم أنه يبدو مرتفعاً، فهو لن يشكل سوي 10% من نسبة المهاجرين الذين يدخلون التراب الأمريكي، وأقل من 10% من مجموع القوات المنضوية تحت لواء الجيش الأمريكي. لذا فإن استقبال 50 ألف أجنبي من قبل الجيش الأمريكي لن يؤدي إلي أي خلل جوهري في التركيبة الديموجرافية داخل الولاياتالمتحدة، كما لن يؤثر علي طبيعة الجيش الأمريكي، كل ما هنالك أن تجنيد الأجانب سيخفف العبء عن القوات المنتشرة حالياً في مناطق عديدة من العالم. ورغم المشاعر المناهضة للولايات المتحدة، إلا أن الجنسية الأمريكية مازالت تمارس إغراءها علي العديد من الأشخاص، ومن غير المتوقع أن يستنكف المتطوعون عن الخدمة في الجيش الأمريكي مقابل حق المواطنة الأمريكية.