حينما أنشئت قناة النيل للأخبار كقناة متخصصة في العمل الإخباري نهاية التسعينيات من القرن الماضي، كان الهدف من إنشائها هو إطلاق قناة إخبارية شاملة تستطيع بها مصر دخول المنافسة التي كانت قد بدأت في الفضاء العربي بمجموعة من القنوات مثل الجزيرة والعربية، ألقت حجراً مازالت دوائره تتحرك بل تجتاح هذا الفضاء حتي الآن. ولنا أن نسأل بعد عقد من السنوات تقريباً: هل استطاعت هذه القناة أن تصمد في وجه المنافسة، وأن تعمل بمقتضي حكمة إنشائها، وهي شمولية التغطية وعالميتها. أم أنها نافست أو تنافس: فلعلنا نتفق علي أن الواقع والمتابعة والمقارنة ستجيب ب: لا. وأما أن تغطيتها تتسم بالشمول، أو تكسب شاشتها وحبها عالمياً لا محلياً، فهذا ما فشلت القناة في تحقيقه خاصة في سنواتها الأخيرة، ولنا علي ذلك شواهد كثيرة منها: - ترتيب الأخبار في النشرات يفتقر إلي أولويات العمل الإخباري الذي يفرض تقديم الخبر العاجل أو الأهم، فخبر مؤسسة الرئاسة المصرية أو مجلس الوزراء -إن وجد- لابد أن يتصدر نشرات القناة حتي لو كان مجرد اتصال هاتفي أو لقاء قد لا يضارع في أهميته التحريرية شأناً عالمياً مثل جديد الملف العراقي مثلاً أو الفلسطيني أو الإيراني. - مساحة التغطية التي تفرد لأحداث محلية قد لا يكون لها انعكاس عالمي يبرر هذه المساحة الممنوحة، مثل تغطية القناة لنقل تمثال رمسيس، والتي أفردت له مساحة كبيرة جداً (امتدت علي مدار ساعات النقل الحقيقية تم تغذيتها بلقاءات حية وتقارير مسجلة متنوعة) بدت أكبر من الحدث نفسه علي شاشة قناة كان يكفيها أن تستوعب هذا الحدث في تقرير واحد داخل نشراتها، وتقرير آخر داخل برنامج أسبوعي معني بمثل هذه النوعية من الأحداث الثقافية أو التاريخية. ملحوظة: قامت القناة بعمل الشيء نفسه مع أحداث أخري أقل أهمية -تحريرياً- من قبيل افتتاح السيد الرئيس لمحطة صرف صحي في إحدي قري الوجه البحري!! - تبذل القناة هذا الجهد المضاعف لتغطية أحداث محلية بينما لم تفعل الشيء نفسه -علي الأقل في الجهد والمقدار- مع أحداث عالمية مثل تغطية حرب لبنان الأخيرة، وهو حادث كان من المفترض أن توضع تغطية القناة له إلي جانب تغطية مثيلاتها من القنوات اللاتي يشتركن معها في فلسفة الإنشاء وهدفه، وهو التغطية العالمية في المقام الأول لا المحلية، وذلك مثل الجزيرة والعربية والحرة وغيرها. وهو ما لم يحدث. - كمية التقارير المحلية التي يرسل بها مراسلو القناة من داخل مصر (والذين زاد عددهم وتشابهت أسماؤهم وملامحهم بحيث لا تستطيع التفريق بينهم) تملأ نشرات القناة علي امتداد أربع وعشرين ساعة وتدور معظمها حول أحداث لا شأن لمشاهد الإعلام الفضائي بها، من قبيل ندوة في أحد فنادق القاهرة أو نشاط لوزير يفتتح مشروعاً خيرياً، أو نشاط لأحد المحافظين في محافظته في الوجه القبلي أو البحري. نعم القاهرة عاصمة محورية في المنطقة، وبعض أحداثها المحلية قد تصنف -خبرياً- علي أنها أحداث إقليمية، ولكن ليس كل حدث محلي يصلح لشاشة قناة النيل للأخبار علي هذا النحو، فالمفترض أن يجد المشاهد العربي نفسه في هذه القناة لا المشاهد المصري فقط. لقد أغرقت القناة نفسها في تغطية الشأن المحلي علي نحو خرج بها عن طريقها المرسوم لها سلفاً والمنوط بها أساساً لأسباب غير واضحة، وتركت الشأن العالمي يتابعه المشاهد المصري علي شاشات أخري استطاعت من خلال حرفية الأداء المهني وبراعته أن تجذب المشاهد العربي. وذلك لأن البديل المصري -وهي قناة النيل للأخبار- حاضر غائب. لقد كان بوسع قناة النيل للأخبار بدلاً من ذلك أن تدعم شبكات مراسليها خارج مصر خاصة أنها تمتلك في ذلك كوادر ممتازة مثل محمد السطوحي في أمريكا وميسون الموسوي في العراق وآخرين في فلسطين ولبنان. بل إن هذه السنوات المنصرمة كانت القناة جديرة خلالها أن تشرع في إنشاء مكاتب لمراسليها في عواصم العالم المختلفة بإمكانات أكبر في التغطية والانتشار والبث بدلاً من أن تترك مراسليها يعملون بجهد فردي محدود من خلال التعاون مع وكالات الأخبار. والمتخصصون في العمل الإخباري يفهمون مضمون هذا الكلام ومراده. علي أن للقناة -مع هذا- برامج جيدة تصب في الاتجاه المفترض لها، من قبيل "الحقيبة الإفريقية" و"أوراسيا" و"مع جمعة كل جمعة" وغيرها مما يبعد بها عن المتابعة المحلية الضيقة أو علي الأقل يضع الشأن المحلي في إطاره الصحيح داخل التغطية. لقد ضلت قناة مصر الإخبارية طريقها ووجب علي القائمين علي أمر الإعلام المصري إرشادها وتوجيهها الوجهة السليمة، والطريق السليم القويم.. وتذكيرها بمهمتها الأولي التي رسمت لها منذ سنوات. خالد عاشور مذيع- عضو اتحاد الكتاب