ما أن بدأت إسرائيل ردها العسكري علي الهجمات التي تعرضت لها من قبل "حزب الله" قبل شهر مضي، حتي بادرت إدارة بوش إلي دعم الموقف الإسرائيلي علي أمل تدمير الحزب وميلشياته العسكرية، والقضاء علي ترسانته الصاروخية. إمعاناً منها في هذا الدعم، فقد رفضت الإدارة كافة النداءات والجهود المبذولة من قبل فرنسا وغيرها من الحلفاء، بغية التوصل إلي وقف فوري لإطلاق النار. لكن وما أن أنهك واستنزف ذلك الهجوم الإسرائيلي المضاد، واتضح بما لا يدع مجالاًُ للشك أن "حزب الله" قوة عسكرية تخشي، ويحسب لها ألف حساب، وأنه أكثر مهارة ودراية في ميادين القتال خلافاً لما اعتقدته إسرائيل، وما أن ارتفع عدد القتلي والضحايا المدنيين اللبنانيين، حتي اتجهت السياسات الأمريكية نحو البحث الحثيث عن حل سياسي فوري للأزمة. وقد أسفر ذلك التحول في السياسات الأمريكية الذي بلوره عدد من كبار مسئولي الإدارة، عن واحدة من أقوي الطفرات الدبلوماسية التي حققها مجلس الأمن الدولي خلال السنوات الماضية. غير أنه لم يتضح بعد ما إذا كان هذا الإنجاز الدبلوماسي سيقود إلي إحلال السلام في الجنوب اللبناني أم لا. والشيء الوحيد المؤكد هو مشاركة عدد كبير من الدبلوماسيين الممثلين لعدة دول فيه. هذا وقد جرت العادة فيما مضي ألا يحضر وزراء الخارجية الأمريكيون جلسات اجتماعات مجلس الأمن الدولي إلا بعد فراغ المجلس من إبرام صفقة ما بين الجهات المتنازعة. بيد أنه وحتي لحظة حضور وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس لجلسة المجلس المنعقدة يوم الجمعة الماضي، لم يكن واضحاً ما إذا كان ممكناً التوصل لأي صفقة كانت، بل لم يكن واضحاً ما إذا كان اجتماع المجلس سيعقد من الأساس. وحينها كان المفاوضون في نيويورك وباريس وواشنطن وبيروت وتل أبيب وغيرها من عواصم الدول العربية يواصلون تدافعهم وعراكهم من أجل التوصل إلي مسودة قرار يحوي العناصر الأساسية التي يمكن بموجبها وقف النزاع المسلح الدائر في لبنان. ولذلك فقد بقي بعض المشاركين في تلك المفاوضات علي ذهولهم ودهشتهم حتي هذه اللحظة من تمكن المجلس أخيراً من إصدار قرار دولي بالإجماع، يقضي بوقف إطلاق النار هناك. من بين هؤلاء صرح موريس جورديول مونتيجن قائلاً: تعد هذه الأزمة الأكثر تعقيداً وصعوبة بين كافة الأزمات التي واجهتها منذ عام 2002، وهو التاريخ الذي عينت فيه مستشاراً دبلوماسياً للرئيس جاك شيراك. وقد كان مونتيجن المحرك الرئيسي للدبلوماسية الفرنسية- الأمريكية في باريس، خلال تلك الفترة الحرجة العصيبة التي راوحت فيها الدبلوماسية الأمريكية خلافاً واتفاقاً مع باريس. ومن جانبه قال "آر نيكولاس بيرنس" وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشئون السياسية "ما أصعب هذه الأزمة التي كان يستعصي البحث عن المفردات والتعابير الكفيلة بصياغة حل لها، خمس أو ست مرات متكررة في اليوم، خاصة وقد كان المطلوب هو صياغة هذا الحل بمشاركة عواصم أربع أو خمس دول مختلفة. يقول "بيرنس":كنا نودع قاعة الاجتماعات ونعود إلي منازلنا في العاشرة أو الحادية عشرة ليلاً، ونحن نطمئن أنفسنا بالقول "غداً سيكون يوماً أفضل. غير أننا نجد أنفسنا وقد أعدنا الكرة وكأننا نبدأ من نقطة الصفر مجدداً في اليوم الثاني". إلي ذلك ذكر مسئول أمريكي رفيع المستوي أن تحولاً حاسماً قد طرأ علي تلك الاجتماعات والمفاوضات ما أن قررت كوندوليزا رايس التدخل شخصياً في تلك الاجتماعات بحضورها إلي نيويورك. وكانت رايس قد اتخذت ذلك القرار ليلة الخميس الماضي، وتمكنت بالفعل من جعل ذلك القرار ممكناً، بجلوسها مع هذا وذاك، وتنقلها بين مختلف أطراف الحوار إلي أن أصبح القرار واقعاً ملموساً. يذكر أن أسبوع حمي الدبلوماسية الأممية كان قد بدأ يوم السبت قبل الماضي، حين أعلنت كل من واشنطن وباريس توصلهما إلي قرار من شأنه وقف القتال الدائر في لبنان، وتكليف القوة الدولية الموجودة حالياً هناك بمراقبة الحدود الجنوبية، إلي جانب اتفاق العاصمتين علي وضع اللبنات الأساسية للتوصل إلي وقف دائم لإطلاق النار وكذلك التسوية السياسية السلمية للنزاع. وكانت هذه الرؤية قد تضمنت إصدار قرار ثان بعد مضي أسبوعين إلي ثلاثة أسابيع علي صدور القرار الأول، بحيث تنشأ بموجبه قوة دولية جديدة لبسط الاستقرار هناك. لكن وبحلول يوم الثلاثاء الماضي، كان واضحاً لجميع المفاوضين أن فكرة إصدار قرار ثان هذه قد شكلت معضلة لكلا طرفي النزاع. فقد أعرب المسئولون اللبنانيون عن رفضهم للقرار بادئ الأمر بحجة أنه ليس كافياً لحماية أراضيهم من أي اعتداءات إسرائيلية محتملة.