أشعر بقلق بالغ علي مصر هذه الأيام، ولا يعني ذلك أنني لم أكن قلقا في السابق علي البلاد، ولكن الحقيقة هي أن نوعية القلق وأسبابه تختلف مع كل زمن. وفي أحيان كنت قلقا لأن مصر لا تتقدم بما يكفي؛ وفي أخري كنت قلقا لأننا مهتمون بكل شيء في العالم ما عدا مصر؛ وفي ثالثة لأنني كنت خائفا أن ينتهي الاهتمام الذي حدث بمصر في مصر خلال العام الماضي حين تهرول النخبة السياسية بعيدا عن القضايا المعقدة للإصلاح والديمقراطية إلي القضية التي يعرف فيها الجميع؛ ولا تحتمل تعقيدات من أي نوع وهي القضية الفلسطينية. ولكن قلقي هذه المرة من النوع الخام الذي تتعرض فيه شخصيا أو بعضا من أحبائك أو الوطن كله لعمليات إرهابية مفزعة تقتل وتدمر. وبالطبع فإنني أدعو الله ألا يمس المحروسة سوء، ولكن لقلقي أسباب أرجو ألا تكون واقعية. أولها أن المنطقة قد باتت ممتلئة حتي الحافة بالحرائق في العراق وفلسطين ولبنان والسودان والصومال وحتي في أفغانستان، وهي حرائق ارتبط فيها الإرهاب بحروب المقاومة بالحروب الإقليمية والدولية، وعندما تشتعل الحرائق في الجوار فإنه من الصعب تماما استبعاد وصول الشرر إلي الديار. وربما يمكن الطمأنة بأن مثل هذه الحرائق كانت دائما موجودة في الإقليم، فمنطقة الشرق الأوسط، والعالم العربي كله لم يكن معروفا أبدا بحالات الهدوء الإستراتيجية؛ ولكن المسألة تبدو مختلفة هذه المرة حيث اختلطت الحرب العالمية ضد الإرهاب، بالصراع العربي _ الإسرائيلي، بالحروب الأهلية وتصفية الحسابات الداخلية للدول العربية التي تجاهلتها طويلا وآن أوان تسديد فواتير تاريخية لجماعات أغلبية وأقليات أيضا. والأخطر _ ثانيا _ أن الشرر قد بات قريبا للغاية، فتصريحات الدكتور أيمن الظواهري حول انضمام أقطاب للجماعة الإسلامية المصرية إلي تنظيم القاعدة تبدو منذرة بشكل كبير. والحقيقة أنني لست متخصصا في التنظيمات الإسلامية الراديكالية، ولكن توقيت الإعلان إبان المحنة اللبنانية، واختلافات التقديرات بين أقطاب الجماعة الذين ثبتوا علي مراجعاتهم، والعمليات الإرهابية المخيفة التي كانت علي وشك التنفيذ بين لندن ومدن أمريكية، كل ذلك جعلني قلق للغاية. فما نحتاجه لا يزيد عن ربط النقاط ببعضها حتي نصل إلي احتمال حدوث عمليات إرهابية واسعة النطاق، فالجماعات الإرهابية لا تعيد تركيب نفسها من أجل تنظيم مباريات في كرة القدم، وإنما من أجل القيام بعمليات في حرب عالمية تنتقل من مسرح إلي آخر. ويتضخم احتمال حدوث ذلك ثالثا بسبب نقص المناعة السياسية السائدة في المجتمع المصري هذه الأيام، ومن المعلوم أن جزءا من فشل الإرهاب في مصر كان راجعا للتوافق الحادث داخل الطبقة السياسية المصرية حول معارضة الإرهاب. ورغم ظني أن هذا التوافق لا يزال موجودا إلا أنه لم يعد بنفس الفعالية السابقة بسبب الفجوة الهائلة المتسعة الآن بين المعارضة علي كافة ألوانها والحكم والتي يعود البعض منها لحالة من الفشل الديمقراطي الداخلي، والبعض الآخر لأن المعارضة كانت تريد من مصر أن تكون واحدة من جبهات النضال الراهنة في المنطقة التي يختلط فيها الإرهاب مع المقاومة مع الأصولية السياسية الإسلامية اختلاطا كبيرا. ولم يحدث في التاريخ المصري المعاصر أن وصلت درجة الرغبة في الانتحار السياسي الجماعي في الطبقة السياسية المصرية المشكلة لوعي المجتمع كما هي الآن. وبشكل ما فإن هذه الطبقة السائدة في وسائل الإعلام المختلفة تشعر بحالة من العار والخجل لأن مصر لا تشارك شقيقاتها العربيات حالات الاحتلال والمقاومة والمواجهة مع أشكال مختلفة من الاستعمار. وعندما تسود مثل هذه الحالة في بلد من البلدان فإن عمليات الإرهاب تكون قريبة. ولكن السبب الرابع للقلق ربما يكون أهمها وهو أن مصر علي وشك الخروج من عنق الزجاجة المرتبطة بحالة الانكماش الاقتصادي التي سادت بين 2000 و 2004 بفضل عدد من السياسات الاقتصادية الحكيمة. فقد نجم عن هذه السياسات أن وصلت معدلات النمو إلي 6%، ووصلت السياحة إلي أكثر من ثمانية ملايين، وبلغ الاحتياطي النقدي 23 مليار دولار، وفي الوقت الذي تشتعل به منطقة الشرق الأوسط كلها بالحرائق فإن السوق المالية المصرية تزدهر، والاستثمارات في مصر تتصاعد خاصة في وقت الأزمة اللبنانية. وفي العادة فإن مثل ذلك لا يعطي سعادة لأحد لا من النخبة السياسية المصرية المهيمنة علي وسائل الإعلام والتي ترفض لأسباب أيدلوجية وتاريخية كل خطوات التحول إلي اقتصاد السوق؛ ولا من قبل الجماعات الأصولية السلمية أو الإرهابية التي رأت دوما أن التقدم المصري يعني انهيارا أخلاقيا بسبب العولمة، كما يعني سحبا من أرصدة السخط التي تعتمد عليها، كما يعني انصراف مصر من القضايا الإقليمية والعالمية التي يراد من مصر الالتصاق بها حتي نهاية التاريخ. ولمن يراجع تاريخ عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال عقد التسعينيات سوف يكتشف أن عمليات العنف _ إرهابا ومقاومة معا _ كانت تجري دوما في توقيتات تكفي لإفساد كل تقدم. ولمن يدرس التاريخ المصري القريب سوف يجد أن العمليات الإرهابية _ لا توجد شبهة مقاومة هذه المرة _ تجري كلما بدت بوادر الانتعاش علي الاقتصاد المصري. ولم تكن هناك صدفة أن موجة الإرهاب في التسعينيات جرت عندما كانت هناك محاولة جادة لإصلاح الاقتصاد المصري؛ كما لم تكن هناك صدفة في أن استئناف العمليات الإرهابية مؤخرا بعد أن بدأ الاقتصاد المصرة يظهر علامات مبشرة. وهذه المرة فإن الأمر ليس مختلفا. هذه هي أسباب قلقي أيها السادة، ولا أعرف شخصيا عما إذا كنتم تشاركونني القلق أم لا، وبالتأكيد فإنني أرجو من الله أن يكون هذا القلق موجودا وبشدة لدي الأجهزة الأمنية، فإذا كان موجودا فربما يكون مفيدا طرح الأمر علي الشعب كله. فكما قال وزير الداخلية البريطانية فإن هذه ليست معركة للأمن وحدة، وإنما للأمة كلها!!