لقد أكد الدستور علي سلطة الصحافة فنص في المادة 206 علي أن (الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها علي الوجه المبين في الدستور والقانون) وقد كان موفقا حينما وصفها بانها سلطة شعبية مستقلة، ولم يصفها بانها سلطة رابعة علي غرار السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وان كان الشائع إضفاء هذا الوصف عليها باعتبارها سلطة دستورية، وإذا كان سند إباحة حق النقد علي نحو ما سلف هو استعمال الحق وما يقتضيه من وجوب توافر الشروط العامة لهذا الاستعمال ومنها صحة الواقعة أو الاعتقاد بصحتها وطابعها الاجتماعي كشرط لتحقيق المصلحة الاجتماعية التي تقوم عليها تلك الإباحة ذلك لأن المجتمع لا يستفيد من نشر خبر غير صحيح أو نقد يقوم علي تزييف الحقائق وتشويهها أو يتناول واقعة تمس الحياة الخاصة لشخص معين ولا تهم المجتمع في شيء كذلك يشترط لإباحة هذين الحقين موضوعية العرض واستعمال العبارة الملائمة وتعني أن يقتصر الصحفي أو الناقد علي نشر الخبر أو توجيه النقد بأسلوب موضوعي فلا يلجأ إلي أسلوب التهكم والسخرية أو يستعمل عبارات توحي لقارئه بمدلول مختلف أو غير ملائمة أو اقسي من القدر المحدود الذي يقتضيه عرض الواقعة أو التعليق عليها وفي ذلك تقول محكمة النقض أنه وان كان للناقد أن يشتد في نقد أعمال خصومة ويقسو عليهم ما شاء إلا أن ذلك كله يجب ألا يتعدي حد النقد المباح فإذا خرج ذلك إلي حد الطعن والتشهير والتجريح فقد حقت عليه كلمة القانون. وفي مقابل ذلك حرص الدستور علي أن يفرض علي السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة علي اختلافها كي لا تقتحم إحداها المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية أو تتداخل معها بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة، ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنمائها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبا أساسيا توكيدا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، ولردع كل محاولة للعدوان عليها وفي هذا الاطار تزايد الاهتمام بالشئون العامة في مجالاتها المختلفة وغدا عرض الآراء المتصلة بأوضاعها، وانتقاد أعمال القائمين عليها مشمولا بالحماية الدستورية تغليبا لحقيقة أن الشئون العامة، وقواعد تنظيمها وطريقة إدارتها، ووسائل النهوض بها، وثيقة الصلة بالمصالح المباشرة للجماعة، وهي تؤثر بالضرورة في تقدمها، وقد تنتكس بأهدافها القومية متراجعة بطموحاتها إلي الوراء وتعين بالتالي أن يكون النقد البناء لا سيما انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته حقا مكفولا لكل مواطن، وأن يتم التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول - كأصل عام - دون إعاقتها أو فرض قيود مسبقة علي نشرها، وحرية يقتضيها النظام الديمقراطي، وليس مقصودا بها مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته، ولكن غايتها النهائية الوصول إلي الحقيقة من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة، وعبر الحدود المختلفة وعرضها في آفاق مفتوحة تتوافق فيها الآراء في بعض جوانبها أو تتصادم في جوهرها ليظهر ضوء الحقيقة جليا من خلال مقابلتها ببعض، وقوفا علي ما يكون منها زائفا أو صائبا، منطويا علي مخاطر واضحة أو محققا لمصلحة مبتغاة ومن غير المحتمل أن يكون انتقاد الأوضاع المتصلة بالعمل العام تبصيرا بنواحي التقصير فيه، مؤديا إلي الأضرار بأية مصلحة مشروعة. فلا يجوز أن يكون القانون أداة لنقد ألسنة المعنيين بحمل أمانة الكلمة من النقاد أو أصحاب الأقلام المضيئة التي تكشف الفساد والمفسدين فتعوق حرية تعبيرهم عن مظاهر الاخلال بالمجتمع لا سيما الاخلال بأمانة الوظيفة أو النيابة أو الخدمة أو النيابة أو الخدمة العامة أو مواطن الخلل في أداء واجباتها، ويغدو القانون سندًا للفساد والمفسدين بكونه حائلاً أمام كشفهم أمام الرأي العام، ذلك أن ما يميز الوثيقة الدستورية ويحدد ملامحها الرئيسية كما قالت المحكمة الدستورية هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها، ولا يفرضها إلا الناخبون وكلما نكل القائمون بالعمل العام - تخاذلا أو انحرافا - عن حقيقة وجباتهم مهدرين الثقة العامة المودعة فيهم، كان تقويم أعوجاجهم حقا وواجبا مرتبطا عميقا بالمباشرة الفعالة للحقوق والتي ترتكز علي أساسها علي المفهوم الديمقراطي لنظام الحكم، ويندرج تحتها محاسبة الحكومة ومسائلتها، لا سيما وأن القانون - بالإباحة التي قدرها في مجال انتقاد القائمين بالعمل العام تبيانا لحقيقة الأمر في شأن الكيفية التي يصرفون بها الشئون العامة - قد وازن بين مصلحة هؤلاء في طمس انحرافاتهم وإخفاء أدلتها توقيا لخدش شرفهم أو حرية الرأي والنشر والنقد لأوجه القصور في المجتمع ولا يعدو إجراء الحوار المفتوح حول المسائل العامة، أن يكون ضمانا لتبادل الآراء علي اختلافها كي ينقل المواطنون علانية تلك الأفكار التي تجول في عقولهم - ولو كانت السلطة العامة تعارضها - إحداثها من جانب - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبا. ومن ثم كان منطقيا بل وأمرا محتوما أن ينحاز الدستور إلي حرية النقاش والحوار في كل أمر يتصل بالشئون العامة، ولو تضمن انتقادا حادا إلي القائمين بالعمل العام، إذ لا يجوز لأحد أن يفرض علي غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون، ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل، ولحرية الإبداع والأمل والخيال، وهو في كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن آرائه، بما يعزز الرغبة في قمعها، ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها، مما يهدد في النهاية أمن الوطن واستقراره. وتنص المادة 210 من الدستور علي أن "للصحفيين حق الحصول علي الأنباء والمعلومات طبقًا للأوضاع التي يحددها القانون" فتقتضي الحماية الدستورية لحرية التعبير، بل وغايتها النهائية أن يكون نفاذ الكافة إلي الحقائق المتصلة بالشئون العامة، وإلي المعلومات الضرورية الكاشفة عنها متاحا، وألا يحال بينهم وبينها اتقاء لشبهة التعريض بالسمعة، فينبغي أن يكون الحق في تدفق المعلومات متاحًا، وانتقاد الشخصيات العامة بمراجعة سلوكها وتقييمه، وهو حق متفرع من الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المجتمع ومؤدي إنكار هذا الحق أن حرية النقد من يزاولها أو يلتمس طرقها إلا أكثر الناس اندفاعًا أو اقواهم عزما. وأبانت الفقرة الأخيرة من المادة السابقة انه لا سلطان علي الصحفيين في عملهم لغير القانون. وإنه لمن الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها، وأن الطريق إلي السلامة القومية إنما يكمن في ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح والنقد البناء لمواجهة أشكال من السلبيات والمعاناة والانحرافات - متباينة في أبعادها - وتقرير ما يناسبها من الحلول النابعة من الارادة العامة