الكل كان يتوقع أن تمر عملية صياغة دستور جديد لمنطقة كردستان العراق التي تتمتع بحكم ذاتي بسلاسة ودون مشاكل، غير أن مطالبة الأحزاب الإسلامية الكردية بإسناد دور أكبر للشريعة الإسلامية أثار قدراً غير قليل من الجدل. هذه المطالب لخصها علي نحو واضح محمد أحمد، النائب البرلماني عن حزب "الاتحاد الكردستاني الإسلامي" أكبر الأحزاب الإسلامية الممثلة في الجمعية الوطنية الكردستانية بقوله "الكرد أمة مسلمة وعليهم اتباع الإسلام". وبالرغم من أن مثل هذه الدعوات قد لا تثير اهتماماً واسعاً لدي الأحزاب العلمانية التي تحتل 80% من المقاعد في البرلمان الكردستاني حيث تعكف لجنة تتكون من مجموعة من النواب لصياغة دستور جديد لكردستان العراق، فإن المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية تعكس الشعبية المتنامية للأحزاب الإسلامية مثل الاتحاد الكردستاني الإسلامي، ونظيره الأصغر حجماً والأكثر تشدداً "كومالا" الحليف السابق لتنظيم "أنصار الإسلام" التابع ل"القاعدة" في كردستان. وبينما يستبعد المراقبون تمكن الأحزاب الإسلامية من قلب موازين القوة في الخريطة السياسية بكردستان العراق علي الأقل في المستقبل المنظور، إلا أنهم ينبهون إلي إمكانية توفيرها الأرضية الملائمة لنشوء الأفكار الراديكالية. وفي هذا السياق يقول "جوست هيلترمان"، مدير مشروع الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسل مقراً لها "من الممكن أن يتحول الحزب الكردستاني الإسلامي مع مرور الوقت إلي منظمة تفرخ الراديكاليين، لا سيما إذا انضم إليه العديد من الأفراد واكتشفوا لاحقاً أن سقف الحزب محدود حينها سيتوجهون رأساً إلي الجماعات الأكثر تشدداً". والمشكلة بالنسبة للولايات المتحدة أن هذا الميل نحو التيارات الإسلامية الراديكالية يمكن أن يلحق ضرراً فادحاً بالتعاون التقليدي بين أمريكا والأكراد. فالمعروف أن الأحزاب الكردية الرئيسية تعرض الجماعات المتشددة وتعتمد عليها واشنطن في جمع المعلومات حول التنظيمات الإسلامية والعربية المتشددة. وفي هذا الإطار تخطط الولاياتالمتحدة لإقامة شبكة من القواعد العسكرية في منطقة كردستان بشمال العراق. ويذكر أن الأكراد العراقيين ينتسبون إلي عرقية مختلفة، حيث يمتلكون لغتهم الخاصة وثقافتهم المنفردة وتاريخهم المنفصل. وخلافا للعرب العراقيين يتعامل الأكراد مع الإسلام كقضية شخصية لا تتداخل كثيراً مع أمور الحياة العامة. وتؤكد هذا الاختلاف الذي يميز الأكراد عن جيرانهم العرب "سارا كلير"، المتخصصة في القضايا الكردية بجامعة كينت في بريطانيا موضحة "من غير المرجح أن يتجاوب الأكراد مع دعوات الأصوليين كتلك التي يطلقها الإخوان المسلمون" هذا ولا تكمن قوة الأحزاب الإسلامية الكردية في دفاعها عن الولاء إلي الإسلام علي حساب القومية الكردية، بل في توظيفها لقاعدتها الأخلاقية قصد مواجهة الأحزاب العلمانية التي تتهمها بالفساد وسوء إدارة الاقتصاد. وفي هذا الصدد أوضح عضو الجمعية الوطنية في كردستان محمد أحمد الذي استطاع حزبه مضاعفة أصواته ليحصل علي خمسة مقاعد من بين 275 مقعدا قائلاً "يعرف الناس جيداً بأن أتباعنا وكذلك أعضاءنا في البرلمان غير فاسدين". ويتفق مع هذا الطرح المحللون السياسيون الذين رصدوا فعلاً وجود خيبة الأمل متنامية لدي الأكراد تجاه الحزبين العلمانيين، حزب "كردستان الديمقراطي"، وحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" ما يدفع العديد منهم إلي منح أصواتهم لصالح الأحزاب الأخري. الدكتور "هيلترمان" من مجموعة الأزمات الدولية يشير إلي أن "الأكراد المتدينين مستعدون دائما للتوجه إلي الأحزاب الإسلامية، كما أن باقي الأكراد سيتعاطفون معهم بسبب توقهم الكبير إلي بديل مختلف عن الأحزاب القائمة". الأحزاب الكردية العلمانية من جهتها لا تنكر وجود آفة الفساد التي تنخر المجتمع، لكنها تؤكد في الوقت نفسه بأن حزب "الاتحاد الكردستاني الإسلامي" نفسه لن يستطيع حل المشاكل المستعصية، خاصة تلك المرتبطة بمعدلات البطالة المرتفعة، أو جذب الاستثمارات الأجنبية التي لن تعالج مادام العنف مستشرياً في عموم العراق. "أزد جندياني"، المتحدث باسم "حزب الاتحاد الوطني الكردستاني" يقول في هذا الصدد: "من الصعب علي الحكومة تلبية جميع الاحتياجات، لا سيما في ظل المشاكل المتعددة من توفير الوقود والكهرباء والتعليم وغيرها من الخدمات التي تتطلب الكثير من المال". وإذا كانت الوعود الاقتصادية التي تطلقها الأحزاب السياسية الكردية هي من النوع الذي يصعب تحقيقها في الواقع، بدأت تلوح في الأفق استراتيجية بديلة من شأنها خلق تأييد جماهيري بين الأكراد والتفافهم حول أحزابهم السياسية.