في البداية كانت هناك عملية إسقاط تمثال صدام حسين في بغداد. وأعقبها مقتل ابنيه عدي وقصي. ومن ثم القبض علي صدام نفسه. جاءت بعد ذلك الانتخابات. وأعقبها تشكيل حكومة عراقية. والآن مقتل أبو مصعب الزرقاوي. وللمرة السادسة، يعلن مؤيدو حرب العراق عن "نقطة تحوّل" في الصراع. وللمرة السادسة أيضاً، بإمكاننا التأكد تماماً من أن ذلك لن يتحقق. ومن دون شك، فإن الزرقاوي كان رجلاً شريراً، ولا ينبغي لأحد أن يبكيه. ولكن من الخطأ الاعتقاد بأنه بموته ستتلاشي الحركة المسلحة في العراق. ففي نهاية الأمر، لم يعد الأفراد من أمثال الزرقاوي يتحكمون في الجحيم في العراق، هكذا إذا كانوا قد سيطروا عليه دوماً ولم تسيطر عليه الشبكات الدولية الإرهابية، مثل القاعدة. وفي التسعينات، لعب "الجهاديون" الأجانب دوراً مهماً في القتال من أجل خدمة الرؤية الإسلامية المتشددة في أفغانستان والبوسنة والجزائر. لكن في العراق، فإن المعارضة المحلية للاحتلال تبلغ من القوة حداً يصبح معه المسلحون الأجانب مثل الزرقاوي بمثابة تحصيل حاصل. فمن بين جميع المحاربين والمتمردين المشتبه بهم الذين تم قتلهم أواعتقالهم بواسطة الاحتلال والقوات العراقية، كان 10% منهم فقط من الأجانب. إن الطبيعة المحلية للحركة المسلحة في العراق هي حقيقة لا يسهل ابتلاعها بحيث ان قادة الائتلاف يرفضون الإقرار بها علناً. فالقيام بذلك يعني التسليم بأن جانباً كبيراً من العراقيين لا ينظرون إلي قوات الائتلاف باعتبارهم (محررين) بل باعتبارهم جيش الاحتلال المعادي. ومن الأفضل رسم صورة للصراع الذي تطيل أمده شبكات الإرهاب الدولية مثل القاعدة ورجال أشرار يحتلون الواجهة مثل الزرقاوي. هناك حجة قوية للقول إنه لو لم يوجد الزرقاوي لاخترعه الحلفاء. فبعد القبض علي صدام في ديسمبر 2003، أصبح الزرقاوي يلائم تماماً أغراض الغرب المتعلقة بإبراز شخصية شريرة تماماً. تري من الذي عندما يواجه تصريح جورج بوش: "إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين" سيختار أن يكون إلي جانب الشخص الذي فجر قاعات استقبال حفلات الزفاف وبث عمليات قطع رؤوس الرهائن الأجانب علي مواقع الانترنت. وحتي قبل الغزو، كان الحلفاء يحصلون علي ما يستهدفونه من شخصية الزرقاوي. وكجزء من الحملة الدعائية لربط نظام البعث العلماني بالأعمال الوحشية التي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر أخبر كولن باول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في فبراير 2003 بأن الزرقاوي الذي التقي أسامة بن لادن عام 2002 كان يقوم بعملياته من داخل العراق. كانت تلك خديعة علي أساسين. الأول أن الزرقاوي لم يكن في ذلك الوقت ينتمي إلي القاعدة. والآخر هو أن منطقة شمال العراق التي اتخذها الزرقاوي قاعدة له كانت خارج سيطرة قوات صدام والأكراد معاً. كما أن نتائج غزو العراق والفوضي التي خلفها الاحتلال أخلت الطريق للزرقاوي كي يتحرك من مكانه ويوسع نطاق عملياته، وهكذا فإن الحرب علي الإرهاب، ساعدت علي إثارة الارهاب الفعلي الذي كان من المفترض أن تتصدي له