البلد كلها تعمل "بنظرية أمي".. فهي كلما استمعت في إحدي القنوات الفضائية انتقاداً لمصر، أو لسياسات الرئيس مبارك، فإنها تثور ودمها يغلي وضغطها يرتفع وتلعن كل من يقترب من هذه المنطقة، ودائماً لا يكون عندها إلا تعليقاً واحداً لا تغيره: "كل دول إيديهم في المية الباردة وبيعوموا علي الشط.. وكل واحد منهم مش عارف يدير بيته ولكن الرئيس مسئول عن أكل وشرب وتعليم وصحة ومشاكل وهموم 70 مليون مصري. وكل المسئولين في مصر يطبقون نظرية الوالدة. كل واحد منهم "سايب فدان مسئوليته" للرئيس يزرعه ويقلعه ويسوق محصوله.. أما أن يتحمل أحدهم مسئولياته وينفذ المهام التي يجب أن يقوم بها فهذا لا يحدث مطلقاً. والنتيجة أن الرئيس مبارك هو الذي يأخذ القرار بنجاح آلاء وانتقالها من الصف الأول الثانوي إلي الصف الثاني الثانوي، وهو المسئول عن حل مشكلة القضاة، وإنهاء أزمتهم، وهو المطلوب له أن يتدخل الآن لانتزاع الفتيل من قنبلة الصحفيين التي توشك علي الانفجار، وعليه أيضاً أن يسرع بإطفاء الفتنة المسيحية التي يمكن أن تندلع الآن بعد أن قام الأنبا ماكسيموس بإقامة المجمع المقدس، الذي يقولون بأنه مواز للكنيسة، وبالتالي فهذا انشقاق وخروج عنها وأيضاً هو طمع واضح في السيطرة والجلوس علي عرش البابا شنودة. والمسئولون يغطون في نومهم ولا يؤدون واجبهم، ويمكن لكل هذه القنابل بالفعل أن تنفجر في وقت أصبح فيه قلب المجتمع خفيفاً وضعيفاً ولا يتحمل حتي شاظية أو حتي صوت بمبة يلعب بها طفل.. فقد أهلكتنا الخلافات والصراعات وعمليات الإرهاب.. وأصبحنا لم نعد بحاجة إلي أن نضيف إلي أوجاعنا أوجاعاً وإلي همومنا هموماً.. رغم كل هذا لا يفكر أحد في أن يؤدي واجبه لأنه واثق أن الرئيس مبارك سيتدخل في الوقت المناسب كي ينهي الأزمة ويحل المشكلة. تصوروا حينما نصدع رأس الرئيس ونشغله علي سبيل المثال بقضية الطالبة آلاء، وهي قضية كان يمكن للمصحح الذي قرأ ورقة الإجابة أن يحسمها وينهيها، لكنه رأي أن يلقي الكرة في ملعب رئيس الكنترول، ورئيس الكنترول قرر أن يصدر المشكلة إلي الموجه، والموجه صمم علي أن يقذفها في مرمي الموجه الأول، إلي أن وصلت إلي وكيل الوزارة ثم إلي وزير التربية والتعليم. وهنا اجتمع جميعهم علي رأي واحد، وهو ألا يؤدوا واجبهم ويتحملوا مسئولياتهم، وبالتالي يأخذون بالأحوط وهو أن ترسب ولاء لأنها تجاوزت وخرجت عن حدود الأدب واللياقة وكتبت عبارات تعد قذفاً للنظام العام. ونطقوا بالتالي فتواهم: "ذبح آلاء حلال، لأنها صبأت وخرجت عن دين الآلهة وكفرت بسياسات أمريكا وتحيزات بوش وانتقدت كذلك البلد وأحوالها". واستراحوا لفتواهم وهموا بذبحها لولا أن رأوا البرهان في قرار الرئيس: ارفعوا أيديكم عن آلاء.. دعوها تكتب بحرية وتعبر عن كل ما تشعر به، لا تكمموا أفواه الناس، متي استعبدتم البشر وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.. وأمر مبارك الأب والإنسان بألا يقصف قلم آلاء وأن يستمر في الكتابة والتعبير، وأن تنقل من الصف الأول إلي الصف الثاني.. وقام الرئيس في نفس الوقت بمحادثتها تليفونياً وحثها علي الاستمرار في الكتابة دون توقف ودون قيد ودون خوف! وهكذا كانت آلاء هي التلميذة الوحيدة في الكون التي انتقلت من الصف الأول الثانوي إلي الصف الثاني الثانوني بقرار جمهوري من رئيس الجمهورية لأن مصححا صغيراً في لجنة الامتحان قرر ألا يؤدي واجبه، وأن يدحرج المسئولية من ملعبه إلي كل ملاعب رؤسائه ورؤساء رؤسائه إلي أن وصلت إلي ملعب الرئيس!! الطريف أنهم جميعاً وبعد قرار الرئيس بدلوا رأيهم فيها 180 درجة فقالوا انها نابغة وعبقرية.. وأسأل نفسي: وماذا لو لم يعلم الرئيس أو يعرف؟ الإجابة البديهية والتي لا تحتاج إلي تفكير أن آلاء كانت سترسب، وكنا سنحولها إلي مواطنة ساخطة علي الدنيا كافرة بكل ما تسمعه عن الحرية والديمقراطية والإصلاح والتغيير، وربما تحولت إلي إرهابية تفجر نفسها في المجتمع الذي يقول المسئولون فيه عكس ما يفعلون. قياساً علي ذلك ستظل أزمة القضاة قائمة، ومشكلة الصحفيين متفجرة، وتتلوها مشاكل المحامين والأطباء، ثم التجاريين إلي النحاسين وعمال التراحيل إذا ظل المسئولون يطبقون سياستهم الأزلية وهي أن يستريحوا ويريحوا بالهم مقابل أن يصدروا الأزمة والهم إلي رأس وفكر الرئيس. حتي البديهات التي لا تحتاج إلي عبقرية، وإنما إلي حس وطني وقومي فطري لا نفعلها.. أي ألف باء سياسة وإدارة لا يريدون أيضاً أن يفعلوها.. وتعالوا نضرب مثالاً بسيطاً: تعمير سيناء.. هل تلك قضية تحتاج إلي تباطؤ أو إلي تأجيل.. أو في أبسط الأحوال هل هي قضية محل خلاف من أحد؟ الإجابة: بالطبع لا! ومع ذلك فإن المحافظ والسكرتير العام وسكرتير السكرتير العام ورئيس المدينة ورئيس الحي، لم يكلفوا خاطرهم أو بمعني أدق لم يشغلوا ذهنهم، كي يعرف أن المسألة تتعلق بالدرجة الأولي بالأمن القومي لمصر.. فانتظروا كالعادة أن يفعلها مبارك بنفسه ويصدر قراراً بتملك الأراضي والمساكن لأهالي سيناء والاعتراف بهؤلاء الناس كمواطنين من حقهم استخراج جوازات سفر وبطاقات. تخيلوا وصل جهلنا وتهاوننا وعدم معرفتنا بأبجديات الإدارة وفطرة الأمن القومي أننا نجعل من أهلنا في سيناء ثغرة يدخل منها الإرهاب والتطرف وربما ما هو أكثر، وبدلاً من أن نحمي ظهرنا من العدو بهم، ربما تسببنا في أن يصبحوا هم الشوكة والرمح. ياسادتي الكرام.. كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، وبالتالي لا تشغلوا بال الرئيس بالأشياء الصغيرة.. مارسوا اختصاصاتكم ونفذوا صلاحياتكم. حقا إنه أب لكل المصريين، ولكن هذا لا يعني أنه مسئول عن استصدار قرارات جمهورية لعلاج السحابة السوداء، والبحث عن حل لثقب الأوزون، والتوصل إلي عقار فعال للشفاء من انفلونزا الطيور.