هل ينبغي علي الدول الديمقراطية الكبري في العالم أن تعرب بصوت عالٍ عن قلقها إزاء تعزيز الحكم السلطوي في روسيا؟ الواقع أن هذا السؤال يفرض نفسه بقوة أكثر من أي وقت مضي في أفق القمتين الرئيسيتين اللتين من المرتقب أن تنعقدا في غضون أسبوعين ونصف الأسبوع. إذ تشكل قمة الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، التي عقدت يومي الأربعاء والخميس الماضيين في فيينا؛ وقمة الثماني، التي من المقرر أن تستضيفها روسيا في مدينة سان بطرسبرج ابتداء من الحادي عشر من يوليو المقبل، فرصة أمام الدول الديمقراطية الكبري في العالم لإرسال إشارة واضحة إلي القيادة الروسية، لذلك ينبغي علي مجموعة الدول الديمقراطية أن تغتنم هذه الفرصة لتعيد التأكيد علي ما تتوقعه من روسيا في مجال النهوض بالديمقراطية وحكم القانون. غير أن ما يعقد الأمور هو موضوع أمن الطاقة الذي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للأوروبيين، ويتصدر مواضيع أجندة قمة الثمانية الكبار؛ ذلك أن الاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد بشكل متزايد علي مصادر الطاقة الروسية، لا يبدي تحمساً كبيراً لإزعاج روسيا حول هذه المسألة. غير أن دول الاتحاد الأوروبي تعلم في الوقت نفسه علم اليقين أنها ستحظي بتعامل أفضل في حال تبنت روسيا الديمقراطية والمحاسبة السياسية، وهو ما من شأنه أن يجعل منها علي المدي البعيد شريكاً أقل مزاجية يمكن الاعتماد عليه. أما الولاياتالمتحدة، فرغم أنها أقل اعتماداً علي مصادر الطاقة الروسية، فإنها، بالنظر إلي إدمانها الكبير علي النفط، تتوخي الحذر في تشجيع الدول الغنية بمصادر الطاقة والمفتقرة إلي الديمقراطية عبر العالم علي المحاسبة الديمقراطية. تعد روسيا من أهم الدول التي تعتمد علي قطاع الطاقة باعتباره المحرك الرئيسي لاقتصادها، غير أنها تعد في الآن نفسه من أنظمة العالم السيئة من حيث الإدارة. ومع ذلك، فقد اعتمد الغرب استراتيجية الشراكة في تعامله مع روسيا التي تمت دعوتها رسمياً في 1998 إلي ما كان يعرف حينها بمجموعة السبعة الكبار. أما الثمانية الكبار، فقد أنشأ بهدف تعزيز التشارك مع روسيا وتوفير آلية من شأنها تشجيع موسكو علي اعتماد إصلاحات ديمقراطية وإصلاحات السوق. ولكن روسيا ترد بقوة علي الانتقادات الموجهة لأدائها الديمقراطي، معلنة أنها تعتمد نسخة من الديمقراطية خاصة بها. إلا أنه، وبغض النظر عما يطلق علي البرنامج السياسي للكريملن من توصيفات ك"ديكتاتورية القانون" أو "الديمقراطية المسيرة" أو شكل جديد من نموذج القيادة الأورو- آسيوية، فإن مميزات نظام روسيا السياسي اليوم لا تتماشي مع السياسة التعددية والشفافة والتشاركية. ونتيجة لذلك، فقد أدت مقاربة السلطات الروسية إلي تقلص كبير في الفضاء العمومي وإضعاف كل قطاع يتجرأ علي محاسبة الكريملن بدون استثناء تقريباً. وهكذا، تمكنت زعامة روسيا علي مدي السنوات الخمس الماضية من فرض سيطرتها بفعالية علي وسائل الإعلام السمعية- البصرية الوطنية إلي درجة أنه لا يوجد اليوم أي تعليق مستقل أو منتقد لقرارات السلطات أو أدائها. كما تم في الأسابيع الماضية تدشين حملة قوية للضغط علي الصحافة المكتوبة، مثل ملكية وإدارة منشورات متزنة من قبيل "نوفايا غازيتا" و"نيزافيزيمايا" و"كوميرسانت". إلي ذلك، يمسك الكريملن بزمام الحكام الإقليميين و"الدوما"، مضعفاً ما يفترض أن يكون وزناً مضاداً للجهاز التنفيذي مثلما يقضي بذلك الدستور. كما يعاني الجهاز القضائي، الذي لم يقدر علي أن يجعل من نفسه قوة مستقلة قادرة علي الدفع بحكم القانون، من استشراء الفساد. وعلاوة علي ذلك، فقد ازداد دور الأجهزة الأمنية في البلاد واختراقها للحياة الاقتصادية والسياسية إلي درجة أن بعض المراقبين الروس باتوا يشككون في إمكانية العودة إلي الحكم المدني الديمقراطي. البعض يري أن الحديث بصوت عالٍ عن تقوية الحكم الاستبدادي في روسيا سيأتي بنتائج عكسية علي اعتبار أنه سيدفع السلطات إلي الرد بالمزيد من القمع. غير أنه إذا كان الكريملن لا يتعامل بصرامة مع وسائل الإعلام المستقلة ولا يسحق المعارضة السياسية والمنظمات غير الحكومية، فلأن الهيئات الدولية ومنظمات المراقبة تثير هذه المواضيع. القيادة الروسية تأمل في أن يغض الغرب الطرف عن قبضتها السلطوية المشددة، غير أن تجاهل المشكلة لن يحلها. وبالتالي، فينبغي أن يسمع الكريملن، والأهم من ذلك المجتمع الروسي بصفة عامة، رسالة قوية وواضحة من الديمقراطيات الرائدة في العالم.